العدد 710 - الأحد 15 أغسطس 2004م الموافق 28 جمادى الآخرة 1425هـ

«هوبرة» أميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

المراجعة التي أجرتها صحيفة «الحياة» على يومين (8 و9 أغسطس/ آب الجاري) لكتاب «هوبرة امبريالية» أو IMPERIAL HUBRIS تدفع القارئ نحو مشاعر متناقضة. فالكتاب ضد السياسة الأميركية وهو ليس مع العرب. انه نقد للسياسة التي تقودها الآن إدارة البيت الأبيض، ولكنه ليس مراجعة نقدية لها. ومثل هذه الكتب (وغيرها من كتابات) خادعة ومخادعة، فهي تعتمد على أسلوب الكلمات المتقاطعة والفقرات الناقصة. فكل فقرة مكتوبة تقابلها فقرة مضمرة يجب التقاط شيفراتها لمعرفة الإشارات التي تقولها، وبالتالي تحديد الاتجاهات.

القراءة السريعة تظهر ان الكاتب الأميركي الذي رفض ذكر اسمه ووقع الكتاب باسم «مجهول» (المؤلف يدعي انه مسئول سابق رفيع المستوى في وكالة المخابرات المركزية) يشعر بالهزيمة والعار وان بلاده (الولايات المتحدة) تخسر الحرب ضد «الإرهاب» وربما يعني الإسلام. فالكاتب «المجهول» والمسئول السابق في «سي. آي. ايه» يخجل من نفسه ويحذر الإدارة من الهزيمة. فالهزيمة برأيه مؤكدة وأن أميركا لن تربح في حربها على «الإرهاب»، والسبب كما يقول يعود إلى مجموعة عوامل منها السياسي ومنها العسكري.

يقول الكاتب (المجهول الاسم) إن الإدارة منحازة إلى «إسرائيل»، وإنها لا تصغي جيداً لأقوال أسامة بن لادن، وأخيراً ان بن لادن الذي يطلق الأكاذيب ولا يعرف صوغ أفكاره يلاقي شعبية في العالم العربي، وانه أيضاً يكسب المعركة ضد الأميركيين في العالم الإسلامي.

هذا على المستوى السياسي. اما على المستوى العسكري يرى الكاتب (المجهول) ان أميركا نشرت التطرف وتحولت إلى حليف موضوعي لاسامة بن لادن. فواشنطن بتصرفاتها تلك لم تحاصر التطرف وانما زادته بسبب سلوكها المتعجرف الذي تقوده «نخبة» تغلق الجدار حول نفسها، وتدعي انها انتصرت.

هذا الانتصار الزائف هو ما يسميه الكاتب المجهول بالهوبرة، أي ادعاء الانتصار والصراخ والتهويل بتحقيق الإنجازات والهتاف عالياً: انتصرنا، انتصرنا في أفغانستان، انتصرنا في العراق. بينما برأيه لم تنتصر لا في أفغانستان ولا في العراق. فهذا الاصرار على الكذب وادعاء الانتصار هو «الهوبرة» أو «الهوبرة الامبريالية» بينما الوقائع (برأيه أيضاً) تشير إلى العكس.

هذا النوع من الكلام يرضي غرور الكثير من اتباع «القاعدة» ولاشك في أنه يزيد من إعجاب بعض السذج بقوة اسامة بن لادن «التي لا تقهر». بدليل ان كاتباً مجهولاً من المخابرات الأميركية يعترف بفشل واشنطن، بل يتوقع أن الولايات المتحدة انهزمت في حروبها أو انها في طريقها إلى الهزيمة.

هذا هو الخداع. فمثل هذا النوع من الكلام يراد منه اقناع بعض السذج بان حفنة من «المجهولين» دوّخت أعتى قوة امبريالية في التاريخ ونجحت في استدراجها إلى حروب خاسرة. فها هي خسرت الحرب في أفغانستان، وها هي تخسر الحرب في العراق... وغداً ستخسرها وفق التصورات الهلامية (الهوبرة العربية) في سورية وإيران والسعودية والسودان وغيرها من البلدان العربية والمسلمة. هوبرة ضد هوبرة.

المسألة إذاً نسبية، وهي تعكس في النهاية الوجهة والمقياس والرؤية التي يقرأ منها الكاتب الهزيمة. فالتشابه بين الكاتب الأميركي (المجهول الهوية) وبعض كتّاب العربية موجود ويصل أحياناً إلى حد التماثل، ولكن الحقيقة المرة مختلفة. فالحقيقة مختلفة ليس في مقاييسها النسبية أو حتى في الوجهة (أو المصالح) التي يقف على أرضها الكاتب فقط، بل يمكن ملاحقة صحتها وملاحظة دقتها من كونها صادقة أو كاذبة. فالصدق وعدم الصدق يلعبان دوراً في تحديد عناصر الواقع ومدى صحة تقدير هذا الجانب وخطأ ذاك.

خطورة مثل هذه الكتب (الكتابات) انها توهم القارئ العربي ان المسلمين انتصروا في معركتهم وان الولايات المتحدة انهزمت في حربها. وخطورتها أيضاً انها تزرع الاوهام وتجيش المشاعر وتزيد من صعوبات العمل السياسي العاقل.

أصلاً الكاتب (المجهول) انطلق من قاعدة خاطئة وهي ان الحرب على أفغانستان كانت من أجل ملاحقة بن لادن والقاء القبض عليه؛ أو ان الحرب على العراق كانت من أجل اسقاط صدام وإقامة الديمقراطية. هذه مقدمة كاذبة (خادعة) وبالتالي فإن كل النتائج التي توصل إليها الكاتب ليقول إن أميركا انهزمت و«الإرهاب» انتصر هي كاذبة ومخادعة.

اما إذا قلبنا القاعدة لتصبح بان الحرب لم تكن أصلاً ضد بن لادن ولا ضد صدام، فإن النتائج ستكون معاكسة لهيصات الكاتب المجهول. فالحقيقة المرة ان أميركا ربحت عسكرياً والعرب تلقوا ضربة سياسية من الصعب تجاوزها من دون دفع خسائر مضاعفة.

لاشك في أن هناك «هوبرة». والهوبرة موجودة عند الطرفين الامبريالي والإرهابي. اما الخاسر في الميزان حتى الآن فهو العالم العربي الإسلامي. وهذه حقيقة وليست «هوبرة»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 710 - الأحد 15 أغسطس 2004م الموافق 28 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً