العدد 712 - الثلثاء 17 أغسطس 2004م الموافق 01 رجب 1425هـ

«مور»... ووجوه متعددة للديمقراطية

منصورة عبد الأمير mansoora.amir [at] alwasatnews.com

كثيرة ومتنوعة هي الانتقادات والتحليلات التي صدرت بحق الفيلم الأخير للمخرج الأميركي مايكل مور «فهرنهايت 11/9»، وكثيرة كذلك الاتهامات التي وجهت إلى هذا المخرج الذي لا أملك إلا ان أصفه بالذكي المجنون. ذلك فعلاً هو انطباعي الأول بعد مشاهدتي المتأخرة نوعاً ما للفيلم، فهذا الفيلم الذي لاتزال شركة البحرين للسينما تعرضه في سينما السيف، نظراً للإقبال الكبير من الجمهور المحلي، يثير في مشاهده الكثير والكثير من المشاعر سواء السيئة منها أو السارة. الفيلم على رغم كل ما قيل عنه وكل ما اتهم به من سطحية أو تحيز أو ما شابه ذلك، يعبر عن براعة مؤلفه ومخرجه مايكل مور، هذا المشاغب الذي استطاع ببراعته ان يجمع مادة صحافية وتوثيقية تكفي لإدانة نظام بوش الحاكم، على الأقل في المجتمع الأميركي، كما ان مور تمكن من دمج مادته تلك بطريقة ذكية جعلت من فيلمه واحداً من الأفلام التي تأسرك وتشد انتباهك مذ لحظة ابتدائه حتى آخر ثواني عرضه. مور لم يفعل ذلك فحسب بل نجح في من اختيار المشاركين في فيلمه ليكون الناتج فيلماً توثيقياً رائعاً يعبر على الأقل عن وجهة نظر شريحة من شرائح المجتمع الأميركي، لينقل لنا واقعاً آخر غير ما نعتقد معرفته عن الشعب الأميركي.

الفيلم وإن لم يكن ينقل أي جديد سواء على مستوى قذارة السياسة الأميركية الخارجية أو على مستوى جرائمها المتعددة ومصالحها مع أي طرف كان، الا أنه وبكل تأكيد خلق صدمة كبرى للجمهور الأميركي حال عرضه في دور السينما هناك حين عرى كل أكاذيب ودجل بيتهم الأبيض بوثائق وأدلة داحضة لا يمكن لأي طرف كان نكرانها أو التهرب منها.

قد يكون عرض مور سطحياً في تناوله بعض المواد الا انه تمكن من خلق تأثير كبير في نفوس مشاهديه، وحتى المشاهدين العرب الذين يكرهون أميركا ويعرفون قذارتها ويشهدون جرائمها بأم أعينهم، بل ويمكنهم تزويد مور إن شاء بمعلومات أكثر دقة وبتفاصيل أكثر إثارة عما تعيثه حكومة بلاده في دولهم وبين أوساطهم، لكن على رغم ذلك فإن مور أضحكنا وأثار حزننا وزادنا حنقاً أيضاً على حكومة بلاده. نعم نجح مور في ذلك بغض النظر عن كل النواقص الأخرى، بل وأبهرنا بفيلم توثيقي ممتع وبجرأة لا نجد لها مثيلاً في عالمنا العربي.

المفارقة المثيرة للجدل هو أن الفيلم وبقدر ما أساء الى الحكومة الأميركية والى ما تتشدق به من مبادئ الحرية والديمقراطية، فإنه في الوقت ذاته سلط الضوء على الجانب الآخر للديمقراطية الأميركية وهو في هذه المرة الجانب المضيء، وهو الجانب الذي لا نجد له نظيراً لدى كل أنظمتنا، إذ لا يحلم أي صحافي أو مخرج أو موثق في بلادنا العربية ان يفعل ما فعله مور بفيلمه هذا وان ينتقد سياسات بلاده بمثل الجرأة التي فعلها مور.

هكذا فإن فيلم مور رائع، يستحق سعفة «كان» الفضية، وربما كان سيحصل على ما هو أعلى منها من جوائز لو كان قد تنافس مع أفلام توثيقية أخرى في هذا المهرجان أو في سواه من المهرجانات، بدلاً من مقارنته مع الأفلام السينمائية والدرامية وغيرها إذ نعلم جميعاً اختلاف تفاصيلها وعدم إمكان الاتفاق على مقاييس محددة للحكم على النوعين

إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"

العدد 712 - الثلثاء 17 أغسطس 2004م الموافق 01 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً