العدد 713 - الأربعاء 18 أغسطس 2004م الموافق 02 رجب 1425هـ

أميركا ترتب أولوياتها في إفريقيا

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

في الثالث عشر من شهر يوليو/ تموز الماضي، أصدر الرئيس جورج بوش قانوناً جديداً يمدد ويوسع من خلاله مجالات القانون المتعلقة بالتنمية وبالإمكانات الاقتصادية في إفريقيا والمعروف باسم «أغوا 3». هذا الأخير - الذي يعزز من جهة ثقة المستثمرين الأميركيين بالفرص المتاحة في القارة السوداء، ومن جهة أخرى، تشجيع دولها على إصلاح اقتصاداتها - خطوة جديدة تأتي ضمن استراتيجية واشنطن الهادفة إلى تقوية نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في هذه المنطقة التي تحظى، منذ سنوات، باهتمام بالغ من قبل القوى الإقليمية والدولية على السواء.

يلتقي أعضاء الكونغرس والبرلمان من الحزبين، الجمهوري الحاكم والديمقراطي المعارض، على ضرورة التوجه أكثر فأكثر نحو إفريقيا، عبر زيادة الاستثمارات فيها، وصولاً إلى إقامة منطقة للتبادل التجاري الحر معه. ويعتبر هؤلاء أن للولايات المتحدة الأميركية رهانات متزايدة ضمن إطار استراتيجيتها الأمنية في العالم عموماً، وعلى مستوى الطاقة خصوصاً. ذلك، بعد أن أثبتت دراسات الجدوى التي أعدتها شركات النفط الأميركية الكبرى أن ثروات هذه القارة من النفط والغاز ستجعل منها مصدراً أساسياً لاحتياجات أميركا في السنوات القليلة المقبلة. كما ويمكنها أن تصبح بديلاً جزئياً عن نفط الشرق الأوسط. هذا الجانب، يركز عليه المرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري، في غالبية خطبه وتصريحاته الصحافية، ما يؤكد أن هذه القارة من حيث موقعها الجغراستراتيجي، وثرواتها الطبيعية باتت جزءاً لا يتجزأ من الأولويات الخارجية لأميركا، أياً كان شكل الحزب في موقع السلطة فيها، ما يعني أن دوائر القرار ستسعى إلى مضاعفة الوجود بجميع أشكاله كي تجعل تدريجياً من غالبية ما أمكن من الأنظمة الإفريقية في وضع الحليف، والأخرى بمثابة الصديق، والمتبقي منها على الحياد.

فمنذ الولاية الأولى للرئيس الأميركي بيل كلينتون، عملت واشنطن على وضع الأسس الكفيلة بإطلاق هذا المشروع. وبدأت بإنشاء الأدوات اللازمة عبر خلق مؤسسات متخصصة لتسجيل اقتراحات مؤثرة في البنيات الإفريقية. ولم تألُ إدارتا كلينتون وبوش جهداً، منذ منتصف التسعينات حتى هذا التاريخ لأجل إنجاح هذا التوجه. ولقد تمثل ذلك بوضوح في المساعدات الملموسة والموازنات المخصصة لدعم الكثير من القطاعات في الدول الإفريقية، بدءاً من زيادة التبادل التجاري، مروراً بمضاعفة صادراتها للأسواق الأميركية، التي ارتفعت منذ العام 2000 بمعدل 55 في المئة كي تناهز الـ 14 مليار دولار في نهاية العام 2003، وصولاً إلى القيام بحملات واسعة ذات طابع دولي لمساعدة القارة على مكافحة مرض السيدا، ومحاولات كسب التيارات الدينية من زاويات إسلامية وجماعات مسيحية، عبر تقديم المنح إلى استخدام الهيئات التبشيرية البروتستناتية الفاعلة، ما يفسر الاهتمام المتنامي بالسودان ونفطه والعمل على المصالحة مع المعارضة في الجنوب، أو الدخول بقوة على خط النزاع القائم في دارفور، وممارسة ضغوطات هائلة على الحكومة السودانية لتقديم تنازلات في المضمون. وبالتالي، جعل هذا البلد مركز ثِقل مستقبلي للاستراتيجية الأميركية في هذا الجزء من القارة. فالسودان يمكن أن يلعب الدور المطلوب منه في محيطه العربي - الإفريقي، وتحديداً مع كل من مصر وليبيا، وصولاً إلى منطقة القرن الإفريقي. وتفيد مصادر في وزارة الخارجية الأميركية، بأن تعليمات أُعطيت حديثاً للمشرفين على الدائرة الإفريقية للاستعجال بتوثيق العلاقات مع الأطراف الرئيسية التي تدير أمور الاتحاد الإفريقي، وإعطاء هذه المؤسسة بعداً أشمل وزيادة فاعليتها على مستوى تنفيذ القرارات ومساعدتها على التدخل العملي لفض النزاعات السياسية والعسكرية في القارة.

نحو شراكة متميزة

يرى المراقبون أن لجوء الولايات المتحدة إلى استخدام أدوات اختراقية مغلفة بقوانين صدّق عليها برلمانها، مثل «أغوا 3»، من شأنها أن تعزز نفوذها. وتشير المعلومات في هذا الصدد إلى أنه منذ إصدار هذا القانون في العام 2000، تجاوز حجم الاستثمارات الـ 34 مليون دولار حديثاً أكثر من ستة آلاف فرصة عمل جديدة. ويمكن إدراج الرحلات المكوكية التي يقوم بها وزير التجارة الخارجية روبرت زوليغ للعواصم الإفريقية، وتنظيم المؤتمرات والحلقات الدراسية بشأن التعاون والاستثمار، كذلك استقبالات الرئيس بوش للرؤساء الأفارقة في السياق نفسه. وقد ذهب بعض مستشاري هذا الأخير إلى حد إقناعه بأنه ليس هنالك جزء من العالم أفضل من إفريقيا يمكنه الاستفادة من التبادل التجاري الحر مع أميركا، وأنه ليست هنالك منطقة يمكن أن تخسر مثلها من جراء بقاء الطريق مسدوداً أمام المفاوضات المتعلقة بمنظمة التجارة الدولية. بذلك، تكون واشنطن وضعت كل المصالح الإفريقية في طليعة اهتماماتها وتوقعاتها للمرحلة المقبلة.

وفي سبيل تعزيز هذه الشراكة التي تريدها إدارة بوش متميزة، قررت هذه الأخيرة تخصيص أكثر من ملياري دولار على شكل مساعدات لدول الساحل الإفريقي خلال العام 2004. من ناحية أخرى، عمدت واشنطن إلى إنشاء «حساب الألفية الثالثة»، برنامج التنمية الأهم منذ مشروع مارشال الذي تم اعتماده إثر الحرب العالمية الثانية. ويهدف هذا الصندوق إلى تقديم 5 مليارات دولار سنوياً إلى البلدان النامية التي تطبق الديمقراطية بجوانبها كافة، بدءاً من إقامة دولة القانون وحماية حقوق الإنسان، ودخول اقتصاد السوق. فالنتيجة الأولية أظهرت أن ثماني من أصل ست عشرة دولة التي تفي بالشروط المطلوبة لموازنة هذا العام، هي إفريقية. وفي ميدان مكافحة مرض السيدا، تعهد الرئيس بوش بتخصيص 15 مليار دولار على فترة خمس سنوات. ويتعلق الأمر هنا بالالتزام الأكثر أهمية قامت به دولة حتى الآن على صعيد الصحة في العالم. وستصل المبالغ التي ستسددها الولايات المتحدة في السنة الأولى هذه إلى 2,4 مليار دولار.

من ناحية أخرى، لقد بات من الواضح أن للولايات المتحدة رهانات متزايدة على صعيد الأمن في القارة الإفريقية. إذ باتت هذه الأخيرة «أرض معركة» رئيسية بين قوى الإرهاب وحلفاء مكافحته.

لذلك، فإن إفريقيا مدعوة إلى أن تلعب دوراً أكثر أهمية من وجهة نظر المصالح الاستراتيجية الأميركية. هذا ما أكده سكرتير الدولة في إدارة بوش شيستر كروكر. ويرى هذا الأخير الذي سبق أن احتل منصب الأمين العام المساعد للشئون الإفريقية بين 1981 و1989، أن إفريقيا قريبة جداً من الشرق الأوسط. لذلك، فهي تحظى بأهمية فائقة، سواء بالنسبة إلى أميركا أو أوروبا. ففي المؤتمر الذي عُقد تحت عنوان «الرهانات المتزايدة لأميركا في إفريقيا»، توصل المجتمعون إلى تقديم اقتراح يقضي بالتوسع الطموح للوجود الأميركي في هذه القارة على الصعد الدبلوماسية والمخابراتية. كما شددوا على ضرورة التركيز على «دبلوماسية التفاعل مع الأزمات». وفي هذا الإطار، اقترح صندوق على إدارة بوش، تخصيص مبالغ أكبر من أجل مساندة عمليات حفظ السلام التي تقوم بها قوات الأمم المتحدة. كذلك، تأهيل الجيوش الإفريقية. ولقد دعوا أيضاً إلى الاعتماد بشكل أكبر على المصادر البشرية، ولاسيما في مجال الاستخبارات ومكافحة انتشار صواريخ أرض - جو في مختلف أنحاء القارة.

باختصار، يمكن القول إن إفريقيا أصبحت الآن في صلب الأهداف الأميركية. ومن الصعب بعد الآن التصور بأن الولايات المتحدة، سواء أكانت محكومة من الديمقراطيين أو الجمهوريين يمكن أن تغير هذا التوجه في المستقبل.

الطاقة في صلب الاستراتيجية

يتوقع خبراء الطاقة الأميركيون أن تصبح الحقول النفطية والغازية للقارة السوداء، إحدى المصادر الرئيسية للولايات المتحدة خلال السنين العشر المقبلة، وخصوصاً أنها توفر حتى الآن 18 في المئة من الكميات المستوردة. مع ذلك، يشير المسئول الكبير في وزارة الطاقة الأميركية جون برودمان إلى أن زيادة الاستثمارات في هذا المجال ترتبط بالاستقرار السياسي والاقتصادي في البلدان المعنية.

كذلك، بوجود قوانين شفافة ونظام ضرائبي قادر على جذب الرساميل الأجنبية. يشار إلى أن مجمل البلدان الإفريقية تنتج نحو 9 ملايين برميل يومياً، منها 4,7 ملايين من منطقة غرب إفريقيا وحدها. كما أن الإنتاج الإفريقي يشكل 11 في المئة من الإنتاج العالمي. وتأتي كل من نيجيريا وأنغولا في طليعة الدول العشر الأبرز التي تصدر النفط إلى أميركا. وتلحظ الجهات المختصة أن تبعية الولايات المتحدة للنفط الإفريقي ستستمر بالتزايد مع استكشاف حقول جديدة. أما تقديرات الاحتياطات المثبتة فتتراوح من مصدر إلى آخر، لكن غالبية المصادر تجمع على أنها تمثل من 7 إلى 9 في المئة من مجمل الاحتياطات العالمية، ما يساوي بين 80 و100 مليار برميل.

وتؤكد الدراسات التي أعدتها الشركات النفطية الأميركية، أن الدول الخمس الكبرى المُصدرة في غرب إفريقيا (نيجيريا، أنغولا، الغابون، جمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية) يمكن أن ترفع إنتاجها من مليوني إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً في السنوات العشر المقبلة. كما أن بلداناً أخرى من المنطقة نفسها مثل: السنغال وسيراليون وساوسثومي، يمكن أن تصبح مناطق استكشاف مهمة في الفترة نفسها. ومن المتوقع أن يلعب الغاز الطبيعي دوراً أكبر في التنمية الاقتصادية للقارة. وتملك إفريقيا حالياً نحو 8 في المئة من الاحتياطات العالمية المؤكدة. كما أن إنتاجها يمثل أكثر من 5 في المئة من الإنتاج العالمي. على أية حال، تنبغي الإشارة إلى أن غرب إفريقيا تشكل جزءاً من الحوض الأطلسي، إضافة إلى قربها من الولايات المتحدة. كذلك، تعتبر مصدراً للنفط الخفيف الذي يحوي كميات قليلة من الكبريت، والمستخدم بوفرة في قطاع التكرير، إضافة إلى هذه الحسنات، فإن هذه المنطقة تشكل بديلاً لا يُستهان به لنفط بحر الشمال.

يُستنتج مما تقدم بأن القارة الإفريقية تملك كل العناصر التي تضعها في قلب الاستراتيجية الأميركية الجديدة. ليس فقط على صعيد امتلاكها الثروات الطبيعية من نفط وغاز ومعادن ثمينة، بل أيضاً كونها تشكل سوقاً استهلاكية ضخمة، وخزاناً بشرياً لا يُستهان بحجمه. كما يمكن أن تلعب الدول الإفريقية أدواراً مساندة للسياسة الأميركية في المحافل الدولية. كذلك، جيوشها في المشاركة في مهمات حفظ الأمن التي تضطلع بها واشنطن في مناطق عدة من العالم بهدف الحفاظ على مصالحها الحيوية. فسيناريو دارفور يمكن أن يشكل نموذجاً لما تبتغيه أميركا في المستقبل

العدد 713 - الأربعاء 18 أغسطس 2004م الموافق 02 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً