تناولت الصحف الأميركية على نحو واسع إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش خطته لسحب قوات أميركية يراوح عددها بين 60 ألفا و70 ألف رجل من أوروبا وآسيا خلال العقد المقبل في إطار خطة شاملة لإعادة نشر القوات الأميركية تساعد واشنطن في كسب حروب القرن 21 على حد ما صرح بوش. وإذ يتوقع المراقبون أن تكون المواقع الجديدة في الشرق الأوسط ووسط آسيا وجنوبها، تناول كثيرون التداعيات الجيوسياسية لمثل هذه الخطوة. فمن شأن هذا القرار تركيز الوجود العسكري الأميركي في البحر المتوسط بعيدا عن المحيط الأطلسي.
أما إعادة نشر القوات الأميركية في رومانيا وبلغاريا فستعزز وجود أميركا في جنوب شرق أوروبا وتزيد من فرص ولوجها في الشرق الأوسط. وكان مسئول أميركي كبير أكد أن إعادة الانتشار الواسعة هي نتيجة لالتزام واشنطن الحرب الشاملة على «الإرهاب» في حين رفض وزير الدفاع الأميركي دونالد رمسفيلد انتقادا للخطة قائلا إن بلاده غير عازمة على التخلي عن الحلفاء لإقامة «قلعة أميركا». ولاحظ بعض المعلقين أن القرار هو نتيجة طبيعية لانتهاء الحرب الباردة ويتماشى مع الحرب على «الارهاب» لكن «واشنطن بوست» كانت لها مخاوفها الأخرى، فاليوم وفي زمن الحرب الذي تعيشه أميركا، كان من الأفضل والأنسب أن يكون الرد بتجنيد المزيد من القوات.
إن قرار بوش هذا لن يعزز الثقة بالقيادة الأميركية. وعلى رغم أن هناك من دافع عن القرار واعتبر أنه سيعزز خريطة التحالفات، تخوف كثيرون من أن يرجح هذا القرار «نزعة التفرد» لدى الأميركيين.
ومن جانبه أوضح دوغلاس غيهل في «واشنطن بوست» أن قرار الرئيس الأميركي سيساهم في تعزيز قدرات للجيش الأميركي وإنعاش التحالفات وتحسين الظروف الحياتية للموظفين العسكريين. وسخر غيهل، في مستهل مقالته من وجود الأميركيين في بعض القواعد العسكرية حتى الآن، ففي ألمانيا مثلا هزئ من استمرار وجود قاعدة عسكرية أميركية لمواجهة خطر الجيش الأحمر الذي اختفى منذ أكثر من اثني عشر عاما.
وعزا غيهل، الاتهامات التي وجهت إلى إدارة بوش بممارسة «السياسة الأحادية» إلى الموسم السياسي الحالي أي الحملات الانتخابية. مشددا على أن قرار بوش سيعزز التحالفات الأميركية وسيجعلها تستمر أكثر في المستقبل. وخلص المعلق الأميركي إلى التأكيد أن قرار إعادة انتشار القوات الأميركية حول العالم هو أفضل نصيحة عسكرية تقدمها رئاسة الأركان إلى القيادة الأميركية، مكررا أنها لا تهدف إلى خفض عدد القوات بل من أجل تحسين قدراتها العسكرية. وعلق جورج فريدمان في «غلوبل إنتلجنس» على القرار مستعرضا أهمية خطوة إعادة الانتشار في كل منطقة على حدة. ولفت فريدمان، في البداية إلى أن هناك مليوناً و425 ألفاً و687 جندياً في الخدمة في القوات المسلحة الأميركية.
ورأى ان إعادة نشر 70 ألف جندي أميركي حول العالم خلال فترة عشر سنوات أو حتى سنة، ليست خطوة مؤثرة كثيراً حتى لو كان معظم الجنود عناصر في الجيش الأميركي الذي يضم 500 ألف مجند. لأن الـ 70 ألفاً الذين سيتم سحبهم من القواعد الأميركية هم جزء من الجيش النظامي الأميركي. غير أن فريدمان، لفت في المقابل إلى أن ثمة تداعيات جيوسياسية لخطوة إعادة الانتشار تتخطى مسألة العدد. فإعادة نشر القوات الأميركية في ألمانيا مثلا ستؤكد تراجع وضع برلين باعتبارها حليفاً لأميركا.
أما نقل القواعد البحرية من بريطانيا إلى إيطاليا، فسيؤدي إلى تعزيز العلاقات مع روما. كما أن ذلك من شأنه تركيز الوجود العسكري الأميركي في البحر المتوسط بعيدا عن المحيط الأطلسي. أما إعادة نشر القوات الأميركية في رومانيا وبلغاريا فستعزز وجود واشنطن في جنوب شرق أوروبا وتزيد من فرص ولوجها في الشرق الأوسط.
أما بالنسبة إلى خفض عدد القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية فهو تذكير لكوريا الجنوبية بأنها قد تحصل على مرادها. في حين اعتبر ان زيادة عدد القوات في أستراليا يسلط الضوء على أهمية العلاقات الأميركية الأسترالية بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي. كما لفت إلى ان القواعد العسكرية الدائمة في طاجكستان وكازخستان وأوزبكستان، تؤكد علاقات واشنطن مع هذه الدول. كما تسلط الضوء على تراجع تأثير روسيا على دول الاتحاد السوفياتي السابق. وتوقف رونالد براونشتاين في «لوس أنجليس» أيضا عند قرار بوش، فاعتبر أنه يكشف في الحقيقة أن تداعيات أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 مازالت تثير جدلا حادا في أميركا وهي تؤثر فعليا وتنعكس على أسلوب صوغ السياسة الخارجية لواشنطن.
وأكد براونشتاين أن مبادرة بوش هذه أحدثت انقلابا في آراء الحزبين السياسيين الرئيسيين في البلاد، موضحا أنه بينما كان الديمقراطيون ينادون باستمرار خفض عدد القوات الأميركية في الخارج فقد بدأوا الآن يعارضون هذا الأمر. أما الجمهوريون وعلى رأسهم بوش فهم من باتوا ينادون بهذا المبدأ ويدافعون عنه.
وأشار براونشتاين إلى بعض الانتقادات التي توجه إلى بوش إذ يعتبره بعض منتقديه أنه يسحب القوات الأميركية من أجل تخفيف عدد حلفائه وبالتالي تقليص عدد الذين يحدون من حريته في استخدام القوة العسكرية متى وأينما أراد ذلك. وأورد براونشتاين، في نهاية مقالته عدد القوات الأميركية في كل من ألمانيا وهو 71592، وكوريا الجنوبية وهو 39709 واليابان 34695، وإيطاليا 14052، وبريطانيا 11467، والكويت 6100 وإسبانيا 3758 وتركيا 1772. على أن المعلق الأميركي أوضح ان أحدا لا يعرف مكان ما يزيد عن 70 ألف سفينة أميركية موجودة في 1500 موقع عسكري.
وكانت واشنطن بوست علقت في افتتاحيتها فور إعلان الرئيس بوش عن قرار سحب الولايات المتحدة قواتها من القواعد الأميركية في أوروبا وآسيا خلال العقد المقبل. فاعتبرت هذا الإعلان بأنه «مستغرب» إذ إن بوش كان انتقد منافسه الديمقراطي جون كيري على تعهده خفض عدد القوات الأميركية المنتشرة في العراق خلال الستة أشهر الأولى من تسلمه مقاليد الحكم في حال فاز في الانتخابات الرئاسية.
ورأت الصحيفة الأميركية أن سحب جزء من الجنود الأميركيين من آسيا على وجه الخصوص فكرة سيئة. موضحة أن كوريا الشمالية ضغطت لسنوات طويلة على الولايات المتحدة لسحب قواتها. لذلك فمن غير المنطقي اليوم أن تكافأ كوريا على سوء تصرفها على الصعيد النووي من خلال سحب الجنود الأميركيين من على حدودها. ورأت أيضا أن سحب جزء من القوات الأميركية المنتشرة في القارة الآسيوية ستصعب على الرئيس الأميركي المقبل مهمة مواجهة التحدي الذي سيفرضه غضب الصين من تايوان وما سيثيره ذلك من توتر بين الطرفين.
أما في أوروبا فلفتت واشنطن بوست، إلى أن الأمر أقل تعقيدا على عكس إفريقيا التي تثير المزيد من القلق. وأكدت أنه اليوم وفي زمن الحرب الذي تعيشه الولايات المتحدة، كان من الأفضل والأنسب أن يكون الرد تجنيد المزيد من القوات. مشددة على أن قرار بوش هذا لن يعزز الثقة بالقيادة الأميركية
العدد 715 - الجمعة 20 أغسطس 2004م الموافق 04 رجب 1425هـ