العدد 717 - الأحد 22 أغسطس 2004م الموافق 06 رجب 1425هـ

من يُمثل العراق؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعيداً عن أزمة النجف، يمكن القول إن ما يحصل في العراق اليوم هو صراع على الشرعية. فمن يملك الشرعية له الحق في صنع مستقبل بلاد الرافدين.

حكومة بغداد تدّعي انها تملك «الشرعية» وأنها تمثل الدستور وهيبة «الدولة» وعلى كل الأطراف أن تنصاع لإرادتها وتخضع لتوجهاتها.

مراكز المقاومة العراقية ترفض القبول بهذا الادعاء وتعتبر أن حكومة بغداد هي نخبة اختارتها واشنطن واسقطتها بالمظلات بعد احتلال العراق. فالمقاومة في هذا المعنى السياسي هي الشرعية الحقيقية التي جاءت كرد منطقي على احتلال قوة خارجية البلاد.

الصراع على الشرعية مسألة مهمة فهو في النهاية يؤشر على الوجهة التي ستذهب نحوها بلاد الرافدين سواء على مستوى إعادة بناء الدولة داخلياً أو على مستوى إعادة ترميم العلاقات السياسية مع دول الجوار خارجياً.

الحكومة المعينة كما يبدو من تصرفاتها وتصريحات الوزراء مترددة وحائرة في اتخاذ قرارات لا تملك الصدقية ولا تحظى بالتأييد. وأعضاء الحكومة يدركون في مجالسهم الخاصة أنهم لا يملكون القوة ولا يحسنون إدارة البلاد من دون توجيهات «الأميركي» ومساعدة منه.

مأزق حكومة بغداد يبدأ من نقطة واضحة وهي أن الوزراء احتلوا مناصبهم بناء على توصيات من الاحتلال. ومن يأخذ شرعيته من الاحتلال غير قادر على فرضها أو انتزاعها من الناس من دون اللجوء إلى البطش وغيرها من سياسات اتصفت بالتكبر والعنجهية والتعجرف.

حكومة بغداد تنقصها الشرعية وهذا أهم سبب لفهم عجزها السياسي وضعفها الميداني وعدم قدرتها على الرد وطواعيتها الدائمة لحاجات الاحتلال ومصالح واشنطن. ومثل هكذا حكومة من الصعب عليها ادعاء الشرعية وتمثيل القانون والدستور واتهام المخالفين لها بانهم مجموعة شراذم وغيرها من الفاظ لا يحق لحكومة معينة من الاحتلال أن تطلقها.

حكومة بغداد ولدت ضعيفة وستبقى ضعيفة حتى لو ضمت مجموعة وزراء تنتمي إلى هيئات وحركات وأحزاب لعبت دوراً في مقاومة النظام السابق. فتلك المقاومة كانت شرعية ولكنها سقطت معنوياً بعد الاحتلال.

نقطة الضعف هذه لا تستطيع القوات الأميركية سدها عن طريق الافراط في استخدام القوة العسكرية كما حصل في الفلوجة سابقاً ويحصل الآن في النجف. فالقوة العسكرية مهما بلغت من جبروت تبقى مؤقتة ولا تستطيع انتزاع الشرعية من الناس. فالشرعية تؤخذ بالانتخابات وبالتصويت وأحياناً تؤخذ بالتقاليد والعادات والاعراف. وفي هذا الإطار يمكن اعتبار حركة مقتدى الصدر تملك شرعية سياسية لاعتبارات كثيرة أقلها أنه ينتمي إلى عائلة قدمت الشهداء في مواجهة النظام المستبد وبالتالي عنده الأفضلية في التقدم لتمثيل شرعية جزء من الشارع العراقي .

المقاومة العراقية في كل مناطقها ومذاهبها واطيافها تملك شرعية الناس ولها الحق في تحريك الشارع لمواجهة احتلال قرر البقاء في بلد تقوضت دولته ويريد فرض «نموذجه» بالقوة على الناس ومن دون الاحتكام إلى صناديق الاقتراع.

بينما الحكومة في المقابل لا تملك تلك الشرعية. وإذا كانت مجموعة من الوزراء مثلت تلك الشرعية فترة من الزمن فإن الحوادث التي سبقت الاحتلال ورافقته اسقطت الكثير من الاعتبارات السابقة. فالوضع تغير الآن في العراق والتغييرات التي نجمت عن تداعيات الاحتلال اسقطت شرعية وانتجت في المقابل شرعية بديلة أخذت تخط ملامح شخصيتها من خلال مواقع المقاومة ورموزها.

المشكلة الآن أن الاحتلال ومن خلال تعاونه مع الحكومة المعينة يريد اسقاط الشرعية عن المقاومة مستغلاً أفعال تلك المجموعات «المجهولة» التي لا وظيفة لها سوى تشويه سمعة العراق ومقاومته باعتماد سياسة خطف الرهائن وقطع رؤوسها أو الافراج عنها مقابل المال. هذه المجموعات لا يقل خطرها على المقاومة عن خطر الاحتلال لأنها في النهاية تعطي الذرائع للجيوش الأجنبية في ارتكاب المجازر والدوس على المقدسات تحت شعارات مكافحة «الإرهاب» والدفاع عن السكان المدنيين.

هذه المشكلة أضافت الاعباء على المقاومة العراقية الحقيقية والمشروعة التي اندلعت كرد فعل طبيعي ومنطقي ضد الاحتلال. ومن واجب المقاومة أن تعلن براءة مجموعاتها من تلك الشبكات العنكبوتية التي ظهرت فجأة، وغير مستبعد أن تكون لها صلات بعيدة وقريبة بأجهزة الموساد و«المرتزقة» وبعض الاتجاهات التي تمولها المخابرات الأميركية.

بعيداً عن أزمة النجف لابد من القول إن حكومة بغداد لا يحق لها ادعاء تمثيل الشرعية والقانون والدستور. فهذا النوع من الشرعيات يُستمد من الناس لا من فوهات المدفعية الأميركية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 717 - الأحد 22 أغسطس 2004م الموافق 06 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً