العدد 719 - الثلثاء 24 أغسطس 2004م الموافق 08 رجب 1425هـ

أيها المحرومون من الكهرباء اتحدوا!

«لن نقبل اعتذاركم»...

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الآن وقد انكشفت خطة اللعب السابقة، هلمّوا إلى وضع خطط أخرى للمناورة يوم انقطاع الكهرباء المقبل. فبعد أن نصحتكم في مقال سابق بالذهاب إلى المطار مع عوائلكم، وجربتم الخطة، وحققتم نصف نجاح، فإن إدارة المطار كشفت الخطة، فبادرت إلى اتخاذ خطوات احترازية لمكافحة «اللاجئين» يوم الحر الأكبر، فطردتهم من الفردوس. وهناك أخبار عن تشكيل قوات خاصة للانقطاع المقبل لتفتيش مرتادي المطار، لفرز المسافرين والمودّعين والمستقبلين الحقيقيين، من طلاب «البرد والبراد» من أمثالكم!

الوضع خطير، فعلينا أن نفكر معاً بصوت مسموع للخروج من مأزقنا المقبل! فالأزمة ستستمر والكارثة ستتكرر، والمطار لم يعد بعد اليوم مكاناً آمناً للجوء، وكذلك المجمعات التجارية التي أخذت تقفل أبوابها في وجوه «المنتجعين»، والمستشفيات كشفت عن عدم استعدادها لإيواء عشرات مرضى القلب والحساسية والربو والشعب الهوائية، فكيف بإيواء آلاف المحرومين من الهواء دفعة واحدة؟ وعليه لابد من أن تتحدوا، وتجتمعوا وتفكروا في ملاجئ أخرى!

«أيها المحرومون من الكهرباء»: ضعوا في اعتباركم أنه لن يكون الانقطاع الأخير، وخصوصاً أن المسئولين في الكهرباء لن يعلنوا استقالتهم، ولن يغادروا مواقعهم، وهم باقون باقون مهما استمر مسلسل الانقطاع، حتى لو خرجت أرواحكم! وعليكم أن تدركوا أنكم لا تملكون أن تغيّروا شيئاً، فأنتم وعوائلكم وأطفالكم وعجائزكم رهائن بأيديهم. فلا تتوقعوا أن يستقيل وزير ولا مدير ولا حتى فرّاش في هذه الوزارة، حتى لو بحّت أصواتكم بالمطالبة بإقالتهم. أنتم تؤذّنون في خرابة، ومن ذا يسمع المؤذّنين في الخرائب؟! فكونوا عاقلين، عمليين، «براغماتيين»، كل ما يمكنكم عمله هو فقط تقليل الخسائر إلى الحد الأدنى، باتباع النصائح الآتية:

لا تشتروا فواكه لمدة اسبوع، وإنما يوماً بيوم. فقط تفاحة واحدة، وموزة وبرتقالة واحدة، وجوافة واحدة، وعنبة واحدة، لتكفيكم مؤونة يوم واحد. أليس ذلك أحكم من شراء فواكه لأسبوع واحد؟

اللحوم والسمك، لا تشتروا غير إدام يوم واحد، فخذ دجاجة واحدة، أو نصف كيلو لحم، أو كيلو سمك، يوماً بيوم، وإياكم والتخزين، فإن الكهرباء عدوة التخزين! وإذا كان لديكم فائضٌ نقديٌ فيمكنكم شراء السمك المجفّف من السوق المركزي، فهو مضمون ضد انقطاع الكهرباء!

صحياً، امتنعوا عن اللحوم ثلاثة أيام، وإياكم ثم إياكم من تناول عشائكم من المطاعم خلال هذه الفترة، خوفاً من التسمم، فأنتم لا تعرفون الذمم السليمة من الذمم التي لا تتورع عن بيع اللحوم التي أفسدتها الكهرباء تجنباً للخسارة.

تحسباً واحتياطاً للانقطاع المقبل، اشتروا باقتين من الورد المجفف، لتقدموا إحداها إلى رجال المرور والشرطة الذين سينزلون في الشوارع للقيام بعمل الإشارات الضوئية، في هذا الجو الحار والرطب، والشوارع المزدحمة بالسيارات والسوّاق المتذمرين! والباقة الثانية لرجال الصيانة والتصليحات بوزارة الكهرباء، الذين يعملون في هذه الظروف الصعبة لإعادة التيار إلى منازلكم، والبسمة إلى وجوهكم.

الله الله في سياراتكم! املأوا خزاناتها بالوقود، وضعوا خطة للدوران في الشوارع، حتى تدور رؤوسكم، وسيروا بسرعة عشرين كيلومتراً في الساعة للاقتصاد في الوقود، فكلما أسرعتم نفد وقودكم وخذلتكم سياراتكم!

بقايا صور رومانسية!

بعد عودتي مساء «الاثنين الأسود» إلى المنزل، سرعان ما ذهبت للاطمئنان على والدي المقعد خوفاً من تعرضه لأزمة قلبية أو هبوط في القلب. دخلت غرفته المظلمة الموحشة الحارة، كان يتقلب على سريره في ذلك التنور، وبجانبه مروحة متعطلة كانت تعمل بالبطارية. وحملناه بعد ممانعة إلى حوش المنزل، ومددناه على الأرض، لعله يشم نسمة هواء. فكّرنا في أخذه إلى طوارئ السلمانية، وتذكرنا الازدحام في الأوقات العادية فأقلعنا عن هذه الفكرة «الرومانسية». بعدها لم يكن لنا من خيار غير الخروج معه في السيارة إلى مدينة حمد. في السيارة عادت إلى مريض القلب الروح، وفتح عينيه وأخذ يتحدث معنا.

كم قصة يمكن روايتها عن مثل هذا الشيخ في ذلك اليوم المشؤوم؟ وإذا كان باستطاعة الشباب الصبر فكيف يكون الحل مع الرُّضع الذين تقرحت جلودهم جراء انقطاع التيار لمدة 15 ساعة؟ وكم من الآلام سبّبها هذا الانقطاع لعموم الناس؟ ومن هو المسئول عنها، أم أنها ستسجل ضد مجهول؟ ومن سيدفع التعويضات لمن تعرضوا للخسائر؟ وهل للروح التي أزهقت عوض؟

بعد عودة التيار، خرجت بالسيارة إلى المنامة لأرى آثار الكارثة الساعة 11,30 مساءً. دخلت من جهة الكنيسة، الشوارع هادئة خالية إلاّ من القطط. المحلات والمطاعم والمخابز كلها مغلقة. مبانٍ قليلة جداً في شارع الحكومة خرج سكانها الآسيويون إلى الشارع، لأن الكهرباء لم تعد إليهم. عدد من سيارات الكهرباء كانت تجوب الشوارع، مررنا على عاملٍ يحمل سُلّماً صغيراً أمام إحدى المحطات الفرعية، حيّيته بيدي ووددت أن أطبع قبلة على جبينه، وتذكرت أبناء البلد المخلصين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 719 - الثلثاء 24 أغسطس 2004م الموافق 08 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً