العدد 719 - الثلثاء 24 أغسطس 2004م الموافق 08 رجب 1425هـ

إفريقيا بين مآسي أدواء العصر وأدوائها

محمد الاسباط comments [at] alwasatnews.com

كانت القارة الإفريقية تستبطن وعود الوفرة والنمو والتطور التي ستحقق لشعوبها الرفاهية التي كانوا يحلمون بها وهم يخوضون حروب التحرير تلك التي سطروا خلالها ملامح بطولية كُتبت بأحرف من نور في كتاب تاريخ البشرية. ومع بزوغ سنوات الاستقلال والحرية في النصف الثاني من القرن الماضي تبدد الوعد عندما تكالبت عليها أدواء أبنائها التي عرفت في الأدب السياسي في سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي بـ«أدواء إفريقيا» والتي تمثلت في حمى الانقلابات العسكرية واستشراء الفساد وسيادة الدكتاتوريات من أقاصي القارة إلى أقاصيها.

وللحقيقة تتوافر لدى إفريقيا كل معطيات التطور والنمو مثل الثروات الطبيعية من نفط ومعادن وأراض زراعية شاسعة وأنهار ومنابع، وثروات حيوانية مهولة، وكوادر بشرية، وسوق كبيرة جدا، واقتصاد، على رغم ضعفه، فإنه كان واعدا نتيجة لارتباطه بالسوق الأوروبية التي كانت تستعمر أغلب بلدانها دول القارة.

غير أن كل تلك الأحلام الكبيرة تبخرت مع صعود أبناء القارة إلى سدة الحكم وشهدت عهودهم حمامات الدماء والانقلابات والسجون والنفي وما إلى ذلك. وقبل أن تستوعب القارة الفتية أدواءها المتوطنة وتبحث عن وسائل لمواجهتها عبر التحول الديمقراطي السلس داهمتها عذابات نتجت عن تفشي مرض نقص المناعة المكتسبة «الأيدز» الذي سرى في القارة سريان النار في الهشيم.

وفي هذا السياق كشفت دراسة أصدرتها منظمة الأغذية العالمية «الفاو» أمس أن «الأيدز» يهدد بتراجع قطاع الزراعة في عدة دول إفريقية أهمها موزمبيق في المدى البعيد. ما يعني أن إمدادات البلاد الغذائية تتجه نحو مستقبل مشئوم. وقالت «الفاو» إن الكثير من أصناف الحبوب والدرنات والخضراوات والبقول تعرضت للضياع بسبب مرض (الأيدز) ناهيك عن الفيضانات وموجات الجفاف.

وأوضحت الدراسة أن «الأيدز» أفقر الأسر الفلاحية، إذ إن 45 في المئة من بين الأسر التي تأثرت بـ «الأيدز» قالوا إنهم قللوا من رقعة المساحات المزروعة، في حين أن 60 في المئة قالت إنها خفضت من عدد المحاصيل المزروعة. تأتي هذه المعطيات في الوقت الذي يعتمد فيه أغلب المزارعين على بذور كانوا أنتجوها بأنفسهم لزراعة محاصيلهم، وهم بذلك ينقلون معارفهم عن كيفية تشخيص وتحسين وصيانة تلك البذور عن الأبوين إلى الأبناء. لذلك فإن ما يحصل هو أنه حين تتوقف عن إنتاج نوع محدد من البذور فإن ذلك يعني أنه لا يتم نقل تلك المعرفة. وتوقعت الدراسة أن تفقد موزمبيق بحلول العام 2020 أكثر من 20 في المئة من القوى الزراعية العاملة فيها بسبب «الأيدز». وتوقعت المنظمة حصول خسارة في القوى الزراعية العاملة للأسباب نفسها بنسبة تصل إلى 13 في المئة في تنزانيا و26 في المئة في ناميبيا.

هذه المعطيات تؤشر إلى أن مستقبل إفريقيا سيكون حالكا إن تُركت تواجه أدواءها وأدواء العصر منفردة دون توافر إرادة دولية لإعانتها للخروج من تلك الأدواء البالغة الفتك

العدد 719 - الثلثاء 24 أغسطس 2004م الموافق 08 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً