العدد 719 - الثلثاء 24 أغسطس 2004م الموافق 08 رجب 1425هـ

همسة عتاب أخوي في أذن الصديق الرئيس بوتفليقة

وجهة نظر مغربية في النزاع الصحراوي

عبدالهادي بوطالب comments [at] alwasatnews.com

طيلة 28 سنة عرفت العلاقات المغربية الجزائرية توتراً أثَّر على مسيرة اتحاد المغرب العربي وأصابها بالإعاقة والشلل. وكان وراء هذا التوتر موقف الجزائر الغريب من قضية استرجاع المغرب صحراءه الغربية من الاستعمار الإسباني العام 1975. وكان المفروض أن تُهلِّل الجزائر (بلاد المليون شهيد) لهذا المكسب الكبير وتباركه، وأن تعتبر أنه مكسبها الوطني الذي لا يقل عن مكسب تحرير أرضها من الاستعمار الفرنسي.

لكن السياسة الجزائرية اتجهت في منحىً آخر، وتعاملت مع قضية تحرير المغرب صحراءه بموازين سياسة توازن القوى. ولعلها طرحت السؤال: مَن الذي يجب أن ترجح كفته من بين أطراف المغرب العربي ليقود اتحاد المغرب العربي، ويتحكم في صيرورته ومصيره؟ والمغرب والجزائر هما القوتان الرئيسيتان في المنطقة. وانتهت إلى وجوب انتهاج سياسة تحقّق لها الرجحان المنشود. ولاتزال إلى الآن رهينة هذه السياسة، وتتحرك الجبال ولا تتحرك بعض الرؤوس.

حقق المغرب تحرير صحرائه باستعمال مختلف آليات التحرير التي اعتمدتها الجزائر نفسُها لتحرير أرضها: بالمقاومة المسلحة، والتفاوض في «إفيان» مع المستعمر الفرنسي. وحرر المغرب صحراءَه بزحف المسيرة الخضراء السلمية على الصحراء، والتفاوض مع الدولة الإسبانية المحتلة، والتوقيع على المعاهدة الثلاثية المغربية الإسبانية الموريتانية في مدريد العام 1975.

وكان إمضاء إسبانيا يعني اعترافها بإنهاء الاحتلال، وتسليمها الأرض المغتصبة لأهلها ومالكيها. وقبل زحف المسيرة التاريخية على أرض الصحراء المغربية استعمل المغرب آلية قانونية لإثبات حقه التاريخي فوق أرضه، واستصدر من محكمة العدل الدولية قراراً يقضي بأن الصحراء مغربية ارتبطت عبر القرون بولائها لسلاطين المغرب، والتزم سكانها ببيعتهم، ولم تكن قطّ أرضاً مَوَاتاً أو خلاءً لا مالك لها. وبادرت الدول الثلاث الموقعة على معاهدة مدريد إلى إيداع وثيقتها لدى منظمة الأمم المتحدة لتأخذ عِلماً بأن قضية تصفية تحرير الصحراء من الاستعمار تمت بالطرق القانونية المعتادة. لكن الجزائر وحدها رفضت أن تعتبر هذه الإجراءات كافية لتوفير شروط تحرير الصحراء، وأعلنت أنها لاتزال في نظرها قضية استعمار في حاجة إلى التصفية، ونادت بالدعوة إلى تمتيع الشعب الصحراوي بحق تقرير المصير الذي يعني عندها تمكين جبهة «البوليساريو» من الاستقلال بالصحراء لتصبح دويلة تابعة، وبَيْدَقا يُحرَّك في لعبة توازن القوى بينها وبين المغرب.

كنا نفهم اتجاه الجزائر في هذه الوجهة لو كان «البوليساريو» الذي تدعمه حركة مقاومة للاستعمار الإسباني يعمل فوق أرض الصحراء ويسقط فيها الشهداء، ويقلق راحة المستعمر. لكن لا أحد علم أو سمع بوجود حركة مقاومة صحراوية أسسها «البوليساريو» أو سُجّل لها نشاط معارض قبل أن يحرر المغرب أرضه العام 1975. هكذا تم افتعال قضية تصفية الاستعمار في الصحراء من دون التأمل في عواقب هذا الافتعال على تطور علاقات البلدين الشقيقين، ومن دون حسابٍ لتداعيات هذا المنهج الخاطئ على حاضر اتحاد المغرب العربي ومستقبله.

إن غالبية أعضاء ما يسمى بجبهة البوليساريو لا ينتمون إلى إقليم الصحراء المغربي، بل إلى أقاليم المغرب غير الصحراوية، وفي طليعتهم رئيس الجبهة محمد عبدالعزيز الذي وُلد في مدينة مراكش عاصمة الجنوب المغربي، ولايزال والده مقيماً بها يتبرأ من ولده المتمرد على وطنه، والعاصي لوالديه.

ولا وجود لأعضاء جبهة البوليساريو فوق أرض الصحراء التي فكَّها المغرب من أضراس الاستعمار الاسباني السابق، بل أقامتهم الجزائر فوق أرض تيندوف المغربية التي انتزعها الاستعمار الفرنسي من المغرب وضمها إلى الجزائر بعد أن أدمجها في التراب الفرنسي ضمن ما أدمجه من التراب المغربي الواقع في الحدود الشرقية، فالسياسة الفرنسية استهدفت دائماً تقليص حجم خريطة المغرب (بلاد الحماية التي لم تفقد شخصيتها القانونية الدولية) وضمَّ أجزاء منها في الحدود الشرقية إلى الجزائر المغلوبة على أمرها التي أدمجتها فرنسا في ترابها باسم المقاطعات الفرنسية الثلاث، يقيناً منها أن الوضع المغربي تحت الحماية الفرنسية مؤقت، وأن الوضع الجزائري تحت الاستعمار الفرنسي مستمر ودائم. كان من المنتظر الموعود به من لدن حكومة الجزائر المؤقتة - حتى قبل استقلالها - أن يسترجع المغرب أراضيه الطبيعية التاريخية التي ألحقتها فرنسا بالجزائر، وأن تباشر الجزائر إصلاح ما أفسده الاستعمار، لكنها أعربت عن رغبتها في أن تحتفظ بالحدود الموروثة من هذا الاستعمار، ورضي المغرب وتنازل عن أراضيه لنزع فتيل التوتر بينه وبين جارته وشقيقته، ولأنه كان يراهن على ترسيخ الاتحاد المغاربي الذي سيتجاوز الحدود الضيقة ليصبح فضاء متكاملا أكثر رحابة وأوسع أفقاً وأقوى إمكانات. وتم الاتفاق على ذلك في قمة تلمسان (الجزائر) التي انعقدت يوم السابع من مايو/ أيار 1970، وحضرتُها بوصفي وزير خارجية الملك الحسن الثاني كما حضرها عبدالعزيز بوتفليقة بوصفه وزير خارجية الرئيس الجزائري الهواري بومدين. على أرض المغرب السابقة وفي مدينة تيندوف التي كانت تابعة قانونياً وإدارياً للمغرب إلى موعد اتفاق تلمسان أقامت الجزائر نكاية بالمغرب فلول جبهة البوليساريو، ووضعتها في مخيمات مُزرية، وسقتها، وأطعمتها، وكستها، وموَّلتها، وسلحتها، وزكت لدى الدول «الجمهورية الصحراوية»، ودعمتها لدى الأمم المتحدة، ونطقت باسم حكومتها المزعومة في كل نادٍ ومحفل.

وكل ذلك مخالف لما نص عليه بيان قمة زْرالدة (الجزائر)، وما جاء في الميثاق التأسيسي لاتحاد المغرب العربي في أعقاب الإعلان بمراكش عن تأسيسه، من وجوب امتناع الدول الأعضاء عن دعم ومساندة كل حركة انفصالية تعمل للمس بالوحدة الوطنية الترابية لهذه الدول

العدد 719 - الثلثاء 24 أغسطس 2004م الموافق 08 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً