العدد 724 - الأحد 29 أغسطس 2004م الموافق 13 رجب 1425هـ

لبنان تحت المراقبة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في العام 1979 وقف ياسر عرفات في صور يلقي خطبة حماسية امام حشد جماهيري فقال: إن قوات الثورة الفلسطينية امتدت الآن من جنوب لبنان إلى مشهد في اقصى شمال إيران. انذاك كانت مصر خرجت من المعادلة بعد اتفاقات كامب ديفيد، وسقط الشاه وعاد الامام الخميني الى طهران واغلق السفارة الاسرائيلية ورفع عليها علم فلسطين.

بعد خطاب عرفات الحماسي تساقطت الاطنان من القذائف والصواريخ على لبنان، وتبدل المشهد السياسي. فايران تعرضت إلى هجوم. والعراق دخل في حربه الخاصة دفاعا عن «البوابة الشرقية» بعد ان انهارت المحادثات السورية العراقية وانقلب صدام حسين على سلطة رئيسه أحمد حسن البكر. وحوصرت دمشق سياسيا وانعزلت المقاومة الفلسطينية في المخيمات وبعض الجزر الامنية.

من يقرأ جيدا يفهم الأبعاد الاستراتيجية لكلام عرفات. ومن فهم المعنى قرر تطويق احتمال امتداد القوة الفلسطينية من صور إلى مشهد.

وفي اقل من ثلاث سنوات انقلب المشهد. «إسرائيل» احتلت لبنان وطردت عرفات من بيروت. وسورية تراجعت عن مواقعها بعد ان وجهت تل ابيب ضربات جوية لقواعدها وبطاريات صواريخها. ففي العام 1982 سيطرت على واشنطن كتلة ايديولوجية متطرفة قادها الثنائي ريغان - هيغ في وقت نجح الليكود في الوصول الى الحكم للمرة الأولى في تاريخ «إسرائيل» بقيادة الثنائي بيغن - شارون.

توافقت مصالح الكتلتين على تفجير الوضع العربي مستفيدة من خروج مصر من المعادلة (بعد الانسحاب من سيناء في ابريل/ نيسان 1982) ومتخوفة من تداعيات هجوم ايران على الفاو ومحاصرة البصرة بعد انكفاء القوات العراقية.

التوافق انتج الحرب على لبنان وطوقت المخيمات واخرجت سورية من بيروت وهيمنت «إسرائيل» على القرار السياسي لفترة مؤقتة. إلا ان الموقف عاد وانقلب مجددا بعد صراعات امتدت قرابة 20 عاماً انتهت الى ما هو عليه الوضع الآن.

عشرون عاما من الصراع انتهت اخيراً إلى «تعديل التعديل» إلى ان جاءت كتلة الحزب الجمهوري الى البيت الأبيض. فالقرار الآن يتحكم به الثنائي تشيني - رامسفيلد، وشارون انتقل من المعترض على سياسة «اوسلو» إلى رئيس للوزراء يقود معركة كسر إرادة سلطة عرفات في الضفة وغزة. واميركا استولت على العراق وعزلت سورية عن عمقها العراقي - الايراني.

عدة المعركة وأدواتها باتت برأي الكتلة الايديولوجية الحاكمة في واشنطن جاهزة لتطويرها من خلال فتح جبهات جديدة لاستكمال ما بدأته في العراق.

الكتلة الايديولوجية تنتظر الآن نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني فإذا فاز جورج بوش فمعنى ذلك ان الناخب الاميركي اعطى موافقته على سياسات الحزب الجمهوري في منطقة «الشرق الأوسط» وهذا تعتبره واشنطن إشارة خضراء للهجوم الجديد بذرائع يمكن اختلاقها عند الضرورة. واذا سقط بوش فإن آلة الهجوم قد تتعطل حركتها بعض الوقت. لذلك سارعت بعض المصادر إلى تسريب خطة هجوم اسرائيلية «منفردة» على مفاعل بوشهر الايراني في نوفمبر اي في الشهر التي تكون فيه الانتخابات الاميركية ارتسمت صورتها.

الحرب كما يبدو مقبلة في الحالين. اذا نجح بوش فإن «إسرائيل» ستعتمد على القوات الاميركية لزعزعة الاستقرار في المنطقة طوال ولاية السنوات الاربع المقبلة. واذا سقط بوش فإن «إسرائيل» ستخوض حربها الخاصة مستفيدة من مساندة القوات الاميركية الموجودة في العراق وفي فترة قصيرة لا تتجاوز مهلة 40 يوماً قبل موعد تسلم الرئيس الجديد مقاليد السلطة من الرئيس السابق.

الاحتمالات كثيرة لكن خطة المشروع الثنائي (الاميركي - الاسرائيلي) تتوافق على ضرورة زعزعة الاستقرار انطلاقا من استغلال الثغرات التي ظهرت او يمكن ان تظهر خلال الاسابيع المقبلة. ولبنان كما يبدو سيكون محطة رئيسية للمراقبة الدولية بعد ان رجحت كفة إعادة التجديد (التمديد لثلاث سنوات) للرئيس الحالي اميل لحود. واعترضت عليها عواصم الغرب من برلين وباريس ولندن إلى واشنطن.

مسألة التمديد او عدم التمديد ليست اساسية في التفكير الاميركي ولكنها ضرورية لتبرير سياسات اوسع من حدود لبنان. فالازمة الدستورية هي الشكل الظاهر للتوتر المتوقع بينما مضمون الازمة يرتكز على اقتناص فرصة ثمينة تريدها واشنطن لاستخدامها في المستقبل القريب في حال قررت الادارة تطوير هجومها من العراق إلى دول الجوار.

مسألة الرئاسة في لبنان هي الهم الاخير في العقل الاستراتيجي الاميركي. فالمهم الآن عندها هو ترقب نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة... وبعدها لكل حادث حديث

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 724 - الأحد 29 أغسطس 2004م الموافق 13 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً