العدد 739 - الإثنين 13 سبتمبر 2004م الموافق 28 رجب 1425هـ

أياد سمراء وعيون بحرينية

الوسط - غسان الشهابي 

تحديث: 12 مايو 2017

قبل شهرين تقريبا، ظهر اسم «الورّاقون» على استحياء، كمؤسسة للنشر والتوزيع، قبل أيام ظهرت أولى ثمار هذه المؤسسة، وهو كتاب «أيادي بحرينية»، وهو كتاب فوتوغرافي من القطع الكبير، يتخذ من البحرين موضوعاً له، ولكنه بدلاً من أن يراها بعين السائح، فضل المصوران والمحرران فيه، وهما محمد عبدعلي بوحسن، وميساء محمد الأنصاري، أن ينظرا إلى موضوعه بقلبيهما، وليس بمجرد تصيد الجمال والتاريخ.

فكرة كتاب «أيادي بحرينية» التطواف على الكثير من المهن، والعريقة العتيقة منها على وجه الخصوص، لتصوير «ثيمة» واحدة من كل هذا الأمر، وهو «اليد» التي تعمل في هذه الحرف، لم تكن تهمها الوجوه والترتيب البالغ الأناقة، بل اليد إذ تعمل، وتجدل وتبدع، تحيك وتطبخ وتزرع وتسقي وتزخرف.

بوحسن والأنصاري، قالا لـ «الوسط» إن الفكرة اختمرت لديهما قبل حوالي سنة أو أكثر بقليل، إذ كانا ينويان إصدار كتاب به الكثير من الصور، القليل من الكلام، ليكون سهل الإبحار في جنباته، قاما بتصوير الكثير من المناطق في البحرين، سواحل وقلاع وجسور وبنايات، تقول الأنصاري: «فكرنا، لماذا لا نكون أكثر إبداعية من تلك الكتب التي صورها أجانب عن البحرين، ولم يصورها بحرينيون قط؟».

في تلك الفترة، ظهر كتاب مشابه لمصور أميركي ركز على «ثيمة» اليد بالنسبة إلى رعاة البقر في بلاده، فكان هذا هو الجواب.

يقول بوحسن: «انتقلنا إلى القرى، وحاولنا الإلمام بما أمكننا في حرف تدخل فيها اليد البحرينية كعنصر مبدع وصانع لها، دخلنا البيوت والمصانع وأشباه الورش لنلتقط هذه الصور».

عادة ما يحتاج التعامل مع الأشخاص الاعتياديين غير المعتادين على التصوير، إلى الكثير من الصبر والشرح والأناة لتوصيل الفكرة، إلا أن الأنصاري تقول إن البحرينيين أكثر عفوية وسهولة في التعامل مع الشباب من أي إنسان آخر، فما أن رأوا شباباً بحرينيين متحمسين لإصدار كتاب يوثق هذه الحرف التقليدية، حتى هبوا لمساعدتنا، وسهلوا أمورنا، وكانوا متعاونين إلى أقصى الحدود».

في معمل صناعة الحلوى، كان الجو حاراً جداً، وكان على المصور أن يكون هناك في الخامسة فجراً موعد صنع الحلوى، فكان أن هيئت له غرفة خاصة للاستضافة والاستراحة حتى يتمكن من التقاط الصور المناسبة في اللحظة التي يريدها.

يقول بوحسن والأنصاري، إن همّ الكثيرين من الذين تم تصويرهم وهم يعملون في حرفهم أن يتم التعريف بهذه الحرف، فالكثير منهم يعتبرون آخر من يعمل في حرف محددة في البحرين، وأنه برحيلهم ستكون هذه الحرف مجرد أثر بعد عين «فاتل الحبل رجل في الثمانين من عمره، تقطعت به السبل، وهو لا يجد منقذاً له من الفقر إلا فتل هذه الحبال والعيش منها... لم يكن يطمع إلا في التفاتة»، وإلى ذلك، فالنفوس الكريمة كانت هي القاسم المشترك بين أصحاب المهن البسيطة هذه.

تناول الكتاب حوالي 27 من المهن وتفاصيلها، من صناعة السفن كبيرها وصغيرها، إلى الغوص واللؤلؤ، وصوغ الذهب، والحدادة، والحناء، والخباز، والدلال، إلى صناعة الفخار والصناديق المبيتة والمنتوجات النخيلية والأحجار الكريمة والحواجة، وغيرها من المهن.

كان من اللافت أن يبدأ فتح الكتاب من الجهة اليسرى، اللافت أيضاً أن المقدمة العربية لم تستغرق إلا أقل من صفحة، بينما المقدمة أو التوطئة الإنجليزية جاءت في ثلاث صفحات، ولكن العنصر الأكثر جذباً في النصوص، هو الناحية الاستقصائية أو البحثية.

يقول المصوران: «المصادر التي توثق الأعمال اليدوية والحرف، قليلة جداً، وقليل منها ما يمكن الاعتماد عليه، فقد رأينا ألا نثقل الصور بالكثير من النصوص، ولكننا وضعنا في مؤخرة الكتاب 44 صفحة باللغتين، للتعريف بقدر الإمكان عن كل حرفة... إنها حرف تندثر وليس لها امتداد، فأبناء العاملين فيها اليوم ليست لهم أية رغبة في مواصلة ما عمل عليه آباؤهم لسنين طوال مضت».

يرى المؤلفان/ المصوران، أن ترجمة هذه الحرف إلى اللغة الإنجليزية في كتاب مختص بالمهن، ويتخذ الأيادي طريقاً للتوصيل، سيكون الأول من نوعه عن البحرين.

الكتاب الذي سيطرح في الثلث الأخير من هذا الشهر في المكتبات والمطارات، أدخل الاثنين في تجربة جديدة مع الطباعة، إذ انبثقت فكرة «الوراقون» أثناء الإعداد لهذا الكتاب، فرأى كل منهما أنه بالإمكان الاستمرار في إصدار الكتب الفوتوغرافية الجديدة الطرح عن البحرين، ومن هنا أتت الفكرة، ولكنهما كانا يمران بالتجربة الأولى، وكانت الاستفادة كبيرة من طرفهما من هذه التجربة.

يقع «أيادي بحرينية» في أكثر من 200 صفحة، وكان جهداً ذاتياً، في التصوير (اعتمدا على التصوير الرقمي)، وفي الإخراج والتصميم في كل المراحل، فقد كان بوحسن من الداخلين في فن التصميم بحرفنة.

دخلت الأنصاري عالم التصوير الفوتوغرافي في نهايات التسعينات لتكون هاوية، ثم مصورة جادة، وكذلك كان بوحسن مهتماً بالتصوير، ولكنهما لم يتصورا كل على حدة أن تتطور هذه الهواية لتكون يوماً ما بهذه الدرجة من الجدية، إذ يقولان إن عملية إصدار كتاب فوتوغرافي أمر مكلف جداً، تضحك الأنصاري لتقول: «لا أود أن أكشف عن الكلفة الحقيقية للكتاب، ولكنها عالية... عالية».

في هدأة الإصدارات الفنية الجيدة، والعالية الجودة، سواء في مضمونها أو شكلها العام، يأتي «أيادي بحرينية» ليصطف بين هذا وذاك، إذ إنه فخم طباعياً، في حين أن الجانب الأكبر من مضمونه الفوتوغرافي، قد روعيت فيه الحدة والإضاءة الموحية والبحث عن التفاصيل الدقيقة، وقد زينت هذه الصور، العدسات التي اقتربت من تفاصيل الأيادي السمراء بمسامها وعروقها وشعيراتها التي غزاها الشيب... عيون بحرينية كانت تنظر بمحبة إلى الطرف الأقصى من حاضره، شفقة عليه من المضي





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً