العدد 741 - الأربعاء 15 سبتمبر 2004م الموافق 30 رجب 1425هـ

افتحوا القلوب قبل أن تغلقوا المتاجر!

«حتى أودري ستيفانوف انتقدكم»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إذا ما ذهبتم إلى مكّة المكرمة، وصادف وجودكم يوم الجمعة، فسترون المصلين يزحفون بالآلاف ظهراً باتجاه الحرم الشريف من كل جانب. وعلى شاشة التلفاز ستشاهدون المصلّين يتجهون من القرى المحيطة بالقدس نحو المسجد الأقصى لأداء الصلاة، رغم كل ما يلاقونه من عنت وإطلاق رصاص. وفي طهران يتجه الناس نحو ساحة الجامعة لأداء الجمعة، وكذا المنظر في جاوة أو الرباط أو القاهرة.

كل هؤلاء لم يكن هناك قانون صادر عن برلمان بلادهم يجبر الناس على غلق محلاتهم التجارية والتوجه نحو أماكن إقامة الصلاة. شيء واحد كان يسوقهم نحوها، وهو نداء الضمير. فليس هناك غير الضمير من يجبر عجوزاً على التوجه إلى الحرم المكي في جوّ حار قائظ، أو عجوزاً إيرانية على التوجه تحت الثلج المتساقط نحو جامعة طهران، أو كهلاً فلسطينياً تحت زخات الرصاص. ولو كان هناك فرضٌ بالقانون الاجباري لانفض الناس من حول أئمة الجمعة هنا وهناك. من هنا يحقّ للناس في بلادنا التساؤل عن صحة موقف من يريدون فرض الالتزام بالعبادات عبر «البوابة الخاطئة».

هذا البلد محتاجٌ إلى أشياء أهم من الدعوة إلى غلق المحلات التجارية يوم الجمعة، وأشباهها من الدعوات التي انطلقت في أجواء البحرين في الفترة الأخيرة. وهي دعوات تستدعي بعض المراجعة النقدية والموضوعية ودون انفعالات، لكيلا نقع فيما وقع فيه الآخرون من أخطاء، فالعاقل من اتعظ بتجارب غيره، لا من يصرّ على تكرار أخطائهم!

قبل يومين كتبت عن حضوري في ليلة واحدة مكانين مختلفين، ونقلت الاجواء السائدة فيهما: جمعية سياسية ذات خلفية يسارية، ومؤسسة دينية... ولكن ما لم أكتبه هو ما كنت أفكر فيه بعد خروجي من حسينية القصاب، وهو اننا في البحرين محكومٌ علينا بـ «حتمية» التعايش السلمي، بين مختلف الانتماءات الفكرية والفقهية والمذهبية، فهذه من سمات هذه الأرض، التي أخذت من جوهر الرسالة المحمدية فضيلة التسامح، وأخذت من لون البحر صفة الانفتاح.

إذا عدنا لمراجعة هذه المقترحات، وعلى رأسها إغلاق المحلات يوم الجمعة، فعلينا أن نعيدها إلى أصلها، والحجة هي أقوال وأفعال صاحب الرسالة (ص). فهو (ص) لم يفرض الصلاة على أحدٍ بالقوة، وكانت نافذته إلى الآخرين تحكيم الضمير. ومن دون الضمير لن يوجد إيمان أصلاً.

الممارسات العبادية الجسدية (من صلاة وصوم) أو المالية (الخمس والزكاة) وغيرها من أمور تتصل بالعقيدة والايمان، لا يمكن فرضها باستخدام الهراوة والعصا، ومن كابر واستخدمها، ارتدّت وبالاً عليه، وعلى هذا الدين الجميل الذي يتم تشويهه بمثل هذه الفروضات القسرية، التي تولّد ردود فعل في الاتجاه المعاكس تماماً.

حتى ستيفانوف!

لذلك نرى أن مواطنات بعض الدول الخليجية اللاتي يتعرضن لمثل هذه «الاجراءات» بالقوة، يصبحن أكثر «تحرّراً» أو «انفلاتاً» من غيرهن عندما تحين لهن أدنى فرصة، كالطير الخارج من القفص. والمسألة واضحة لنا في البحرين بما نراه أيام العطل الاسبوعية من سلوك الزائرين والزائرات. وهذه الظاهرة ليست بارزة لنا في البحرين فقط، بل انها لفتت نظر شخص أجنبي عاش في المنطقة ثلاثين عاماً، وشارك في حرب اليمن وحرب الاستنزاف، وهو نائب مدير القسم الدولي في صحيفة «ترود» الروسية اودري ستيفانوف، الذي التقيته قبل فترة في قبرص، فحدّثني أول ما حدّثني وأنا أسأله عن انطباعاته عن المنطقة العربية، قائلاً: «ان المرأة في ذلك البلد تكون مختفية وراء الحجاب، ولكن عندما تطير بها الطائرة في السماء، تخلع عباءتها وتظهر ما ترتديه من لباس على آخر موضة»!

هذه المواطنة الخليجية تنتظر اقلاع الطائرة... لـ «تتحرّر» من القانون الذي يفرض عليها بالقوة، عدم ظهور شعرة واحدة منها! مقابل هذه الفتاة هناك فتياتٌ في بلدان أخرى، أكثر انفتاحاً وتسامحاً، وأقل تشدداً، يقدمن برامج على الهواء مباشرة في التلفزيون، من دون مكياج وفي منتهى الحشمة والوقار، بينما تلك الفتاة تدبغ وجهها بطبقةٍ «فظّةٍ» من الالوان عند نزولها في مطار اسطنبول مثلاً، ولا تدري أيّ جزءٍ من جسدها تكشفه للمسافرين.

مثل هذه المقترحات المتكاثرة هذه الأيام، الخوف أن تنداح كالكرة حتى تنتهي بالتلصّص على الناس وتصيّد أخطائهم. وإذا عجزتم عن اقناعهم بالخيار الذي تقدّمونه فالخطأ خطأكم أيها الدعاة إلى تطبيق الشريعة. فمن غير الصحيح أن تسلك طريق القوة لفرضه على غيرك، أو التزلف إلى السلطة لتقهر الناس على الالتزام، فالخمر التي أدمن العرب الجاهليون القساة معاقرتها قروناً، أهرقوا دِنانها بعدما سمعوا العتاب القرآني الرقيق: «فهل أنتم منتهون»؟ فابحثوا عن أخطائكم أولاً يا أصحاب الاقتراحات

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 741 - الأربعاء 15 سبتمبر 2004م الموافق 30 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً