العدد 741 - الأربعاء 15 سبتمبر 2004م الموافق 30 رجب 1425هـ

العصا لمن عصا... وللعصا مآرب أخرى (...)

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

حاولت أن أجد تفسيراً مقنعاً لاستخدامات العصا «سياسياً واجتماعياً وتربوياً، وأكثر تدقيقياً، استخدامها باللهجة البحرانية الرأس رمانية «اليريدة»، وهي مستوحاة من «الجريد»، كما في قصيدة علي عبدالله خليفة: «يا ما أكلت فيه الجريد... رافض أنت ومرفوض عنيد»، على اعتبار انها مسألة متصلة بالعقاب على إثم ارتكب باسم «العصيان والتمرد»، بينما هي في الحقيقة ليست إثما ولا هم يحزنون، وإنما ممارسة حق قد تكون «نزوة مراهقةً، أو طيش شباب»، أو شيئاً آخر متصلاً بهذه الموضوعات ممزوجاً ببراءة الأطفال والشباب ووسائل الاتصال والتوصيل بحسب الروابط الاجتماعية والمفاهيم، لكن الحقيقة العصا تبقى «عصا» في الماضي كما هي في الحاضر، باستثناء الآباء واستخدامهم لها من جعلهم لها «الرِجْل الثالثة في شيخوختهم ووهنهم وهش أغنامهم من دون أن يضربوها أو يؤذوها»، بحسب رأي الكاتب العراقي عبدالأمير حسين علاوي.

العصا تبدأ من البيت ولا تنتهي بالشارع، ومن المدرسة التي ينسى فيها المدرس أحياناً علبة الطباشير ولا ينسى العصا. والعصا يتفنن في استخدامها الجلاد أيضاً؛ وهي من فرط بساطتها القديمة المؤذية يظنها البعض وسيلة للتربية، وتربي الأجيال على الاستقامة أو لترهيبهم، وثمة ابتكارات «تطويرية» مؤذية إضافية اتبعها بعض المدرسين المتلبسين بالعقلية القمعية وكذلك الجلادون، لتكون أكثر قمعية وفاعلية في فصول المدرسة، وفي غرف التعذيب، وعلى ما كانت عليه في الكتاتيب، وفي الشارع بالأساليب الصبيانية.

تساءلت «الوسط» في عدد الثلثاء 14 من الشهر الجاري: «لماذا تستخدم بعض المدرسات الجدد في المدارس الابتدائية أسلوب ترهيب الطالبات في بداية العام الدراسي لفرض شخصيتهن باستخدام العصا... أليس الأجدر بهن أن يحببن الطالبات الصغار فيهن منذ البداية بدلاً من جعلهن يكرهن المدرسة بمن فيها؟».

السؤال يعاد تكراره في كل عام تقريباً عدة مرات، وظنّي أن وزارة التربية غصت من كثرة المشكلات التي سببّها المدرسون حاملو «العصا»، وربما المسئولون بالوزارة وجهوا المربين الأفاضل بالنهي عن استخدامها، لأنها «عادة تربوية قديمة» غير نافعة، وغير عصرية درج عليها أجدادنا، وما إلى ذلك من كلام جميل يتلاءم وروح العصر وابتكاراته التربوية، لكن ما جدوى ذلك وقد تعددت في أدمغتهم «فوائد» العصا ورسخت، والأنكى من ذلك، باتت مصطلحاً سياسياً يعتد به؛ ألم يقال دائماً في لغة السياسة: «سنستخدم العصا الغليظة» أو «الإمساك بالعصا من الوسط» أو «التلويح بالعصا»، في إشارة إلى المواقف السياسية، وضرورات مراحلها والوضع القائم؟

هناك فرق بطبيعة الحال، بين استخدامات العصا، فالمدرس الذي يعتقد انها ستقيّم الطالب وتجعله مستقيماً في المستقبل قد يجد تبريراً لفعلته وان كانت غير محببة، لكن الجلادين عندما يستخدمونها «سياسياً» يعتبرون من «فقهاء» الدم والقتل بالهوية، وهي مرفوضة قطعاً لأنها محاولة رخيصة لانتزاع اعتراف تحت تهديدها؛ ألم يقل أحدهم لضحيته: «سأجعلك تتذكر اليوم الأول الذي رضعت فيه من ثدي أمك!».

فعلاً، شتان بين مفهومين لاستخدام الأنبياء للعصا، وبين مآربها عند بعض المدرسين والجلادين، فالمفهوم الأول رديف للاستقامة من دون أذى، والثاني؛ لتشويه الكرامة الإنسانية واستقامتها تحت يافطة «ضرورات الوضع السياسي». والحديث يطول عن العصا وتعدد استخداماتها، لكنه من المفيد أن نختزل بخاتمة الكاتب علاوي في أحد مقالاته المنشور في العدد الأخير من صحيفة «طريق الشعب» العراقية حين قال: «إذا كانت العصا قد فعلت فعلها في الماضي مع التلاميذ فإنها فشلت أكثر الأحيان في العمل لصالح الطغاة والجلادين. فكلما ازدادت لسعاتها على ظهور المناضلين كانوا يزدادون صلابة وقوة. فهل كانت العصا فعلاً لمن عصا؟ وأين العدالة من العصا، حين تفقد العدالة الاستقامة ولا تبقى سوى العصا؟ وهل ستتوارى العصا وسيلة للتقويم وتبقى فقط رِجْلاً ثالثة، ويهش بها الرعاة الأغنام؟».

كاتب بحريني

العدد 741 - الأربعاء 15 سبتمبر 2004م الموافق 30 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً