العدد 743 - الجمعة 17 سبتمبر 2004م الموافق 02 شعبان 1425هـ

قصائد في خفة الطير وقوة الحجـر

ما بين ظما الوجدان وتحليق الشاهين

للشاعرة ظما الوجدان والشاعر عبدالرحمن شاهين المضحكي حضورهما المتألق الذي يحظى باهتمام كبير من قبل المهتمين بالشعر الشعبي. غير أن الأمسية الأخيرة التي جمعتهما في الملتقى الثقافي الأهلي مساء الثلثاء الماضي 14 سبتمبر/ أيلول الجاري فاقت التوقعات وخلقت حالا متميزة من التفاعل والاحساس بروعة الشعر الشعبي.

فقد كانت الشاعرة المتوهجة المشاعر والأحاسيس والمتمكنة من الأدوات الفنية والتعبيرية جديرة بالانتباه الى قصائدها، تلك التي كانت تتمحور حول الأنا ذات الشاعرة التي تكفلت بالتواصل مع المستمعين. تقول الشاعرة في احدى قصائدها المعنونة باسم شهادة طب فخرية

«أنا اللي من شربني من علتّه يشفى

أنا علاج الذي ما فاده علاج ولا دكتور

لساني تذكرة داوود فيه من الوصوف ألفا

ومنطوقي سحر وحروف شعري ترقى المسحور،

أنا الرازي وابن سينا أنا طب العرب وأكفا

أنا شعري شهادة طب فخرية لها جمهور»

إذ إن القصائد التي ألقتها وعلى رغم محاولاتها المبدعة في اكسابها صفة انسانية تهم كل إنسان من خلال تعبيرها عن أبسط المشاعر الانسانية كالحب والكره والوطنية فإنها ظلت تراوح مكانها بين كلمة أو اشارة عبارة تحكيها هي وكيف أنها تنطلق منها للحديث عمن يشاكسها أو يستقل من شاعريتها، تقول الشاعرة في موضع آخر من القصيدة:

«أنا بي علة من بعضكم ما آظنها تخفى

دواها زاد من داها وقبري جنبها محفور

عجزت بطبي المغرور أعالج بالحشا نزفا

يا كيف أوقف شعور بالظما في داخلي مبتور

نزيفه غرق الوجدان وعروقه غدت عجفا

أفكر بالسنين المقبله واللي بها مذخور

رغم هذا ولي نفس أبيه ما تبي عطفا

ولي فكرٍ مخير ما هو بمسير ولا مأسور

وتاريخ الشعر لي من رشف من خاطري رشفا

تكبر كل صفحاته ويحيا ساكني لقبور»

وتبدو الشاعرة هنا وكأنها تصفي جملة من الأقوال التي حاولت التقليل من شأنها من دون أن يعني ذلك أنها لم تجتهد في قصائدها في طرح ما هو جميل وملفت وصبغه بكل ما من شأنه تحقيق قصيدة رائعة عامرة بالتشبيهات والصور فهي تقول مثلا في قصيدة جميلة أخرى بعنوان «أمي» من دون أن يغفل المستمع الى العلاقة بين لفظة أمي والياء التي تعني الأنا أيضا:

«مرت على ذهني خيالات وطيوف

وسحايب بيضه خيالي ندفها».

بينما جنح الشاعر المضحكي ليلتها الى اشعار الحضور بأنه الشاعر الحكيم الذي صقلت التجارب الانسانية قصيدته وخبرته فكانت الجزالة وسلامة التركيب والنفس المتطاول وسعة الادراك الى جانب القوة التي كانها تنحت من الصخر علامات على تلك السعة التي وصلت اليها قصيدته في اثاراتها المبدعة. والمضحكي ليلتها لم يتنفس في فضاء الأنا وعلاقتها بمن حولها ولم يكن ليوجه قصائده للحضور وكأنه في خطاب يدافع فيه عن نفسه فهو الشاعر العريق الذي لم تكن تخفى عليه أمور الساحة الشعبية ولا طبيعة متذوقي الشعر الشعبي ولا الحوادث الكبيرة التي تعصف بالعالم العربي فهو في حبه للبحرين كان يمثل حبه لجميع البلاد العربية ففي الوقت الذي يتحدث فيه عن حبه للبحرين في قصيدته «غرام الأرض» والتي يقول في بعض أبياتها:

«يفوق الوصف حبي لك يا دارٍ حبها مولود

معي من جيت للدنيا بدمي حل وعظامي

ويكبر كلما أكبر وشوقه دايم في زود

يحرك وجد في قاصي الحنايا دايما كامي

يصرّح بالغرام اللي تفجر والحشا موقود

ويشكي من صدى جرحٍ نزيفه دايما دامي

أنا شاعر رهن شعره لداره والقوافي شهود

ربع قرن وأنا اترنم بحبك واعزف انغامي،

هوى داري ينطقني واسهر بالليال السود

وشيطان الشعر عندي يصول وتنزف أقلامي»

تجده يقول في قصيدة أخرى بعنوان «خيم الصمت»:

«خيم الصمت من فات الضمير الغيور

واختفت مع طبول الجعجعه صرخته

وأصبح الحق ظلم يحسبونه وجود

في ثنايا نظام من جمر قبضته

الصليبي يمارس سطوته في الأمور

من منابر تعينه لي عرض حظته»

فهو قد اختار الحكمة سلما له للوصول لأنه يعلم أن النفس الإنسانية تطلبه في مظانه

العدد 743 - الجمعة 17 سبتمبر 2004م الموافق 02 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً