عشرة أعوام مضت على إصدار قانون في بلجيكا (العظمى) يجيز للمحاكم البلجيكية النظر والمداولة في جرائم الحرب، وجرائم ترتكب ضد الإنسانية، أو جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكب أو ارتكبت في أية دولة في العالم.
ولقد رفعت إلى محاكم تلك الدولة أكثر من ثلاثين شكوى، ضد قادة وزعماء أجانب، وعلى رأسهم السفاح شارون، ومنذ أكثر من عدة شهور رفعت شكاوى جديدة ضد كل من الرئيس الأميركي بوش، ورئيس الوزراء البريطاني بلير، لتورطهما بشن حرب ظالمة على العراق، وخارج الشرعية الدولية، إذ وقعت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وسقط الآلاف من الأبرياء من أبناء الشعب العراقي قتلى وجرحى، بسبب هذه الحرب المجنونة والمدمرة.
وهذا القانون أحرج الكيان الصهيوني وأثار غضبه، لرفع الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا دعوة قضائية ضد السفاح شارون، الذي يصفه بوش برجل السلام، ويتعرض بوش نفسه للمصير نفسه، ما أثار حنقه وأجج غضبه، فهدد وتوعد بلجيكا بأنه سينقل مقر حلف شمال الأطلسي إلموجود في بروكسيل منذ العام 1967 م إلى دولة أخرى عضوة في الحلف.
ولذلك اضطرت بلجيكا إلى إعلانها وعلى لسان رئيس وزرائها فرهوفشتات، أن هذا القانون لا يطبق بصورة منطقية، ووافقه رؤساء الأحزاب الذين يشكلون حكومة الائتلاف الجديدة، ولهذا تنصلت بلجيكا من التزاماتها الأدبية والأخلاقية، وأعادت صوغ القانون بصورة أخرى، ومحورته ليتناسب مع القوانين المعمول بها في كل من فرنسا وبريطانيا وإسبانيا، كما صرح بذلك رئيس وزراءها ، وسيكون على النحو الآتي:
إمكان تطبيق القانون ، إذا كان المتهم بلجيكيا أو مقيما في بلجيكا، وإذا كان الضحية بلجيكيا أو كان يقيم في بلجيكا قبل ثلاث سنوات من وقوع الجريمة على الأقل، أو إذا كان المتهم من رعايا دولة لا تحرم تلك الجرائم أو لا يضمن محاكمة عادلة في دولته.
لقد تم التصويت على هذا القانون المحور والمعدل في البرلمان البلجيكي وتمت الموافقة عليه، وهو جاهز للتطبيق الآن.
وكما يقال (عش رجبــــا ترى عجبــــا) فقد أصبحت الإمبراطورية الأميركية العظمى تتدخل في كل كبيرة وصغيرة، وحتى في الشئون الداخلية للدول إلى درجة انها طلبت من بعض الدول الإسلامية إعادة النظر في تفسير وطرح خمسة عشرة آية قرآنية، لأنها تدعو وتحض على الجهاد وهو ما تسميه أميركا بالعنف والإرهاب، وهذا الطرح هو أقسى ما تتعرض له الدول العربية والإسلامية، وعليهم أن يعـوا فداحة الأخطار المحدقة بهم، ويتلاحموا ويتحدوا لتفويت الفرصة على هؤلاء الأعداء المتربصين بهم.
وحديثا الم يتم طرح مناقشة موضوع الحكم الصادر من قبل محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن جدار الفصل العنصري على مجلس الأمن، لإضاعة الفرصة على أميـركا وحرمانها من استخدام حـق النقض الفيتـو ، كما اعتادت أن تفعل كل مرة، لحماية الكيان الصهيوني من عقوبات الأمم المتحدة، والالتزام بتطبيق القرارات والقوانين الدولية.
وقد تمت مناقشته في الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة، فلم تتمكن أميركا هذه المرة من الاحتجاج ورفض الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بشأن عدم شرعية بناء جدار الفصل العنصري، ومطالبتها الكيان الصهيوني بتفكيك ذلك الجدار الذي يسلب الحقوق الفلسطينية ويستولي على المزيد من الأراضي الفلسطينية، ويجعل من الأراضي المتبقية سجنا يحاصر سكانها ويحرمهم من حرية التنقل والحركة، ويفرض عليهم طوقا وحصارا خانقا، كما طالبت المحكمة بتعويضهم عن الخسائر الناجمة عن بناء ذلك الجدار الفاصل الذي جرفت بسببه الأراضي الزراعية وهدمت البيوت والمنشآت والمحال التجارية، وتم تهجير وإبعاد سكانها عن مناطقهم، ما سبب في مضاعفة معاناتهم وصعوبة تنقلاتهم.
وصوتت الجمعية العمومية بالغالبية على مساندة حكم المحكمة الدولية، ومطالبة الكيان الصهيوني بالالتزام بقرار تلك المحكمة، وتنفيذ ما جاء في أحكامه، ولكن الكيان الصهيوني لايزال يرفض الانصياع لأوامر المحكمة ورغبة الجمعية العمومية، ويصر على مواصلة بناء الفصل العنصري، لكونه مسنودا من أميركا الخارجة على الشرعية الدولية، والمتحيزة والمنحازة بشكل سافر لذلك الكيان الغاصب.
محمد خليل الحوري
العدد 743 - الجمعة 17 سبتمبر 2004م الموافق 02 شعبان 1425هـ