العدد 2796 - الأحد 02 مايو 2010م الموافق 17 جمادى الأولى 1431هـ

المختلف موجود فما هو الرهان؟

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

يحدث الاختلاف في الأسرة الواحدة ذات العدد القليل والمحدود، وتتباين وجهات النظر في الجماعات الكبيرة لتعدد آراء فعالياتها ومفكريها، ويحصل التغاير في التصور والرؤية والتحليل في المجتمعات وهي تشترك مع بعضها في العيش على بقعة جغرافية واحدة.

كل ذلك قد يحصل وربما يدفع لصراع إرادات داخل كل دائرة من الدوائر التي ذكرت، لكن لا خلاص لكل هذه الدوائر، ولا نجاة لها إلا بالانسجام والاعتراف ببعضها؛ لكي تحفظ إطارها العام كأسرة أو جماعة أو مجتمع، ولكي ترعى مصالح من فيها.

لقد كتب متعب بن فرحان القحطاني مقالا بعنوان «من ينصفنا من أنفسنا» وتحدث فيه بوضوح عن الصراع الداخلي الذي يعتري المجتمع السعودي بين الإسلاميين أنفسهم وبينهم وبين الليبراليين مستشهدا هنا بمقالة للكاتبة مها فهد الحجيلان بعنوان «الليبراليون السعوديون، وما انتابها من ردود غاية في القسوة والإقصاء» أما فيما يرتبط بإلغاء الآخر في التيارات الدينية فقال:

«بل وحتى داخل هذه التيارات الإسلامية نفسها تجد روح الإقصاء والأحادية تسري في عروق أبنائها فهذا يقلل من شأن ذاك وأولئك يتهمون بالعمالة آخرين وقس على ذلك مما لا يخفى على من كان قريباً من دوائرهم.

وأغلق الجميع الأبواب على أنفسهم وتمترسوا خلف أطروحاتهم ولم يسمع أحدٌ من أحد» صحيفة اليوم 20 سبتمبر/ أيلول 2005.

يقول العلامة محمد حسين فضل الله في محاضرة مثبتة على موقعه بعنوان «صناعة الشخصية بالحوار والانفتاح».

نحن مجتمع عدم الاعتراف بالآخر ولذلك هذا العنف، عنف الفكر ضدّ مَنْ يحمل فكراً آخر، عنف الدين ضدّ مَنْ يحمل ديناً آخر، عنف الموقف ضدّ مَنْ يحمل موقفاً آخر... إنّنا لا نعترف بالآخر، ولأنّنا لا نعترف بالآخر لم نستطع أن نكون مجتمعاً يلتقي فيه الناس على التنوّع ويلتقي فيه الناس على الفكر المتنوّع والموقف المتنوّع ليكون الحوار القاعدة التي تتحرّك فيها الحقيقة، لأنّنا لم نعترف بالآخر... انطلقت مسيرتنا في هذا الاتجاه، الأب لا يعترف بأسرته أن يكون لها موقف يختلف عن موقفه، الرجل لا يعترف بالمرأة أن تكون شريكة له تفكّر معه وتقف الموقف الذي قد يختلف معه.

إنّ هذا التمييز العنصري للرجل ضدّ المرأة ينطلق من قاعدة عدم الاعتراف بالآخر. الرجل لا يعترف بأنّ للمرأة عقلاً يفكّر، وأنّ لها قلباً يمكن أن يأخذ استقلاله بالحبّ، وأنّ لها ثقافة يمكن أن تنتج فكراً، وأنّ لها موقفاً يمكن أن تؤصله في حياتها، ولذلك عدم الاعتراف بالآخر وإنكار الآخر تحوّل إلى ظلم للآخر.

كما أن الكثير من الصراعات الاجتماعية والأسرية تنطلق من الاستصغار والتحقير، فالكثير من الآباء يخوضون صراعات مريرة مع أولادهم بسبب الازدراء لهم والتهوين من شأنهم، وأنهم مازالوا صغارا لا يفقهون ولا يعون ولا يستطيعون تحمل المسئولية، ومن ثم لا يمكن الاعتماد عليهم وإعطاؤهم مكانتهم الحقيقية في وسطهم الأسري.

وسواء نظرنا لأطر صغيرة أم انتقلنا لدوائر كبيرة فإن الانسجام هو عمود الخيمة وقاعدة الأمن والتقدم والرقي، ولعل دولا كثيرة نلحظ ضعفها وتفتتها وانفراط عقدها بسبب تجاذباتها الداخلية الحادة وزهدها في الوصول للمشتركات بين مكوناتها، فالصومال شاهد مازال يدفع الثمن غاليا جراء المصالح المتباعدة التي لا تعرف للتفاوض والتوافق طريقا.

لن نعدم المختلف معنا رأياً وفكراً وتصوراً في كل مكان وكل عمل، لكن علينا ألا نعدم السبل ليكون المختلف صديقاً وقريباً منا سواء كان ابناً أم قريباً أم جاراً، وسواء كان فرداً أم جماعة أم طيفاً.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 2796 - الأحد 02 مايو 2010م الموافق 17 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 6:17 م

      الحذر واجب ... ان موضوع اخونا الشيخ الصفار من افضل المواضيع الذي يجب ان تقرأ وعلى قائمة اي موضوع آخر

      فالاختلاف وتضارب الآراء والافكار نراها بين الصغير والكبير وبين الجاهل والعاقل وبين العامل والمدير والحاكم والمحكوم والابن والوالد وفي كل زاوية تذكر فأينما تولّي وجهك فثم الاختلاف في الآراء والافكار .وان كان وجودها محتما بين عقول البشر
      لاختلاف مستويات عقولهم فهذا لا ينتفي من التعقل والوقوف الى جنب آراء الأخرين وانصافها
      فالانصاف بحد ذاته ينم عن رقي عقل صاحبه
      ولكن لن يحدث هذا الانصاف الا مِن مَن طلب حقاحلا للقضية وتسويتها وليس لهدف آخر .

    • زائر 8 | 5:58 م

      الحذر واجب ... لو استعضنا بكلمة الناس بكلمة آراء لأجدنا في ذلك

      . ان الناس آراء وكل يرى ان رأيه هو الصواب
      فلما عدم التعقل ؟ صحيح ان رأيي الذي نطقت به من تكوين فكري وانتاجه ونظرته الخاصة للأمر الذي أدليت برأيي فيه فلابد ان اكون على ثقة بأنه الاصح .ولكن حين ارى آرى الآخرين واقارنها برأيي وارى ان راي غيري قد قهر رأيي وأنه الاعقل في رؤية ذلك الأمر المطروح فلما لا أشيد برأي الآخرين واقدر عقولهم وانتاجاتها ام ان المسالة فيها تحدي الآخرين؟ والمشورى التي سار عليهانبينا (ص) اليست تندرج تحت الاخذ بنتاج آراء وافكار الآخرين ام ان ذلك تهميش لعقول الغير ؟

    • زائر 7 | 5:27 م

      الحذر واجب ... حقا يا شيخنا الصفار ان الردود هنا من الاخوة الزوار تستوجب كتابة موضوعك هذا

      شيخنا الصفار سلمت وسلم عقلك الفذ
      وانا اشكر زائر رقم 3 فقد وفر علي ما سأقوله
      حقا اجدت في الرد أخي الكريم .
      اليست الاسرة هي اللبنة الاولى لكل المجتمعات البشرية ؟ والخلافات الاسرية والمجتمعية التي تحدث عنها الشيخ واعطاها حقها من النظر في الأهمية لخطرها المتشكل في نتائجها الوخيمة
      المولدة للنزاعات والتفككات التي لا نهدف لها
      والا لن تحل الازمات وسيحل الدمار والخراب في كل شبر بالارض. لك مني الشكر الجزيل يا شيخنا الصفار موضوع حاز على رضانا واعجابنا واني لأراه أساس وقاعدة يتوجب قراءته

    • زائر 6 | 12:21 م

      السياسة القاتلة

      مانبيييييييييي سياسية قمنا نتنفس سياسة بسنا خلاص
      الصحفيين ماقصروا خلصت احبارهم من السياسية خلنا على هالكلام الي يبرد القلب الي نحتاجه في محتمعاتنا الحين .. بسبب السياسية اولادنا انحرفوا اجسادنا انهلكت ماعندنا وقت نفكر وناكل ونفرح

    • زائر 5 | 6:37 ص

      سيدى الكريم2

      اخى العزيز زائر3 الصراعات بين بني البشر لا تنتهى فلا بأس من التنوع فى الموضوعات وفضيله الشيخ لن يقصر,زائر4 الدين لا ينفصل عن السيايه وهداك الله

    • زائر 4 | 5:53 ص

      تحية تقدير للشيخ الصفار

      لماذا الضيق بالرأي الآخر والطرح المتنوع؟
      لماذا لا نتقبل كلام شخص يريد الاصلاح وينهج طريق الاعتدال ومخاطبة العقل؟ لماذا تاكلون وتشربون سياسة في سياسة؟ متى تنتبهون إلى قضايا المجتمع الذي ينخر من الداخل. فقط أقول للشيخ صبراً على هذه العقول الضيقة.

    • زائر 3 | 4:56 ص

      سماحة الشيخ و الزائرين 1 و2

      نعم يا شيخنا العزيز هذا هو واقعنا المزري للأسف لا نستطيع أن نتقبل بعضنا البعض والكل يدعي هو الصواب والآخرين هم الخطأ، إذن لا يوجد مخطئون!
      والأخوان زائر(1) و(2) لو نظرتم الى الأسباب الحقيقية للأزمات السياسية فسنرى انه السبب الذي ذكره الشيخ وهو الصراعات والتجاذبات بين بني البشر التي لا يستطيعون تجاوزها والتعايش بسلام هذا الذي يخلق كل الأزمات، وخلنا انحل أزماتنا الاجتماعية أولاً بعدين انروح للسياسة فاذا صلح المجتمع صلح فيه كل شيء ودمتم موفقين.....

    • زائر 2 | 12:58 ص

      إنزل عند رغبة القراء

      اثني بشدة على تعليق الزائر رقم واحد وحبذا لو تتحفنا بمواضيع أكثر تماسا للواقع الذي نعيشه

    • زائر 1 | 10:16 م

      سيدي الكريم

      الشيخ الصفار موضوعاتك تتطرق غالبا الى المشاكل الاسريه والتمييز بين الرجل والمرأه الخ....
      ولكن...
      اتمنى ان نرى موضوعات سياسيه وهى الاهم فى هذا الوقت

اقرأ ايضاً