بعض الذين أنت على دراية بهم، تتوهم أنك قادر على التفكير بالنيابة عنهم لأنك ملم بتفاصيل تعنيهم قد لا يلاحظونها هم... تتمادى فتقرر أن تمارس ذلك التفكير قبلوا أم لم يقبلوا! تعجبك الحال فتتمادى أكثر: أن تنظر وتتذوق وتسمع بالنيابة عنهم أيضا! بمعنى آخر تؤكد لا جدوى لهم في هذه الحياة، تحشرهم في ركن لا يملكون خياراً أن يصرخوا من ضيقه وتفاهته.
ذات يوم استوقفني رجل طاعن في السن وأنا خارج من المسجد بعد صلاة الجمعة ليسألني أن أوصله الى منطقة تبعد عن منطقة سكني أكثر 50 كيلومترا... لم أعبأ كثيرا بطول المسافة، كنت منشغلا بالسنين التي يحملها الرجل الوقور، كم من الوجوه رأى؟ وكم من الأيدي صافح؟وكم من مفارقات ومصائب وويلات وأفراح عايش وعاصر؟ وكم من فتن وحروب شهدها وإن في مكان بعيد من ميادينها؟
في الطريق الى منطقة «الوثبة»... تحدث الرجل طويلا بعد أن استدرجته الى الكلام عن سني الغزوات التي مرت بها بعض الامارات والتي كانت تسمى سابقا ساحل الامارات المتصالحة، وكيف أنها تركت الناس تحت رحمة أيام بل سنوات عجاف، أهلكت الكثير من الحرث والنسل، وكيف هي الحياة بعد أن توحدت الامارات تحت راية واحدة، وكيف أن الإنسان بإشاعة الحب والتواؤم والسلام يمكنه أن ينجز ويتجاوز المستحيل بل لا مكان للمستحيل في حياته، على العكس من الحروب التي تجعل السهل صعبا والصعب مستحيلا والمستحيل لا يمكن حتى مجر التفكير فيه
العدد 756 - الخميس 30 سبتمبر 2004م الموافق 15 شعبان 1425هـ