العدد 759 - الأحد 03 أكتوبر 2004م الموافق 18 شعبان 1425هـ

مداخل لمعالجة دراسة تحرير سوق العمل (2 - 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

استطرادا لما أوردناه في الحلقة الأولى التي نشرت (الجمعة) الماضي، نعود هنا للتأكيد أن المداخل لمعالجة الدراسة التي تقدمت بها شركة ماكينزي الأميركية ينبغي معالجتها من المداخل كافة: الاقتصادية، الاجتماعية، وأخيرا وليس آخرا السياسية.

الجانب الاقتصادي: تركز الدراسة كثيرا على تطوير وضع ومستقبل الموارد البشرية المحلية في سوق العمل بما يؤهلها لاكتساب مهارات تبيح لها منافسة القوى العاملة الوافدة، ومن حق الجهات ذات العلاقة بهذه السوق ان تثير الأسئلة الآتية:

1- لقد دأبت أجهزة الإعلام الرسمية وعلى امتداد العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من هذا القرن على تكرار تأكيد تفوق البحرين، مقارنة مع سواها من دول العالم الثالث وخصوصاً العربية منها، في برامج تنمية الموارد البشرية، وإننا نلنا جوائز تقديرية كمكافأة على المنجزات التي تحققت في هذا الميدان. ترى من هو الأكثر دقة اليوم: تقارير الأمم المتحدة أم أرقام دراسة شركة ماكينزي؟

2- ما الأرقام التي اعتمدتها شركة ماكينزي عند قراءتها لواقع سوق العمل البحريني؟ فحتى الآن لم تنشر أية إحصائية رسمية تعطي أرقاما موحدة وصحيحة حول: عدد قوة العمل التي تقذف بها مؤسسات تخريج اليد العاملة البحرينية، جامعات كانت أم مؤسسات تدريب، يضاف إلى ذلك لم تزودنا أية مصادر رسمية بعدد فرص العمل الجديدة التي يولدها سنويا الاقتصاد البحريني. باختصار شديد ليست هناك أرقام دقيقة للمدخلات القادمة أو المخرجات المولدة. كيف بوسع مؤسسة استشارية استخلاص النتائج وتقديم الحلول المناسبة في غياب ذلك الأمرين؟

3- على امتداد السنوات العشرين الماضية تحمل القطاع الخاص عشرات الملايين من الدنانير البحرينية المرصودة لتطوير الموارد البشرية لاحلالها بشكل تدريجي مكان الوافدة. واليوم وبعد مرور عشرات السنوات نجد أنفسنا لانزال - كما تقول دراسة ماكينزي - نراوح في المكان ذاته ونعاني من المشكلة ذاتها: عدم كفاءة اليد العاملة المحلية مقارنة بمنافستها الأجنبية، فالسؤال المنطقي الآن كيف أهدرت هذه الملايين العشرين، وفي أي المجالات؟

4- لقد ركزت الدراسة على مسألة تأهيل اليد العاملة المحلية، لكنها أغفلت أو غاب عن بالها تأهيل الشركات المحلية، وعلى وجه الخصوص الصغيرة والمتوسطة منها. فمن المعروف أنه في الاقتصاد الحديث تولى تلك الشركات أهمية خاصة لأنها أوسع قطاع اقتصادي يولد القيمة المضافة. هل أخذت الدراسة في الاعتبار مصير صناعة الملابس البحرينية التي تضخ ما يربو على 200 مليون دولار سنويا للاقتصاد البحريني، وما هو، بالتالي، مصير اليد العاملة البحرينية في حال فشل هذه الشركات في الاستمرار عندما يطلب منها تحمل عبء لا يستهان به من كلفة بناء صندوق تبلغ كلفته السنوية ما يقرب من 200 مليون دينار بحريني؟ وهذه الصناعة ليست سوى نموذجا لصناعات صغيرة ومتوسطة أخرى مثل صناعة الأثاث، والصناعات الحرفية الأخرى. من المفترض أن يكون هناك فصل خاص في الدراسة يتوقف بالتفصيل عن واقع هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة، وما الحلول الصحيحة التي تحتاجها من أجل ضمان تطورها وزيادة نسبة مساهمتها في الاقتصاد الوطني. فالصناعة والموارد البشرية هما صنوان الاقتصاد الكفؤ القادر على المنافسة والاستمرار والنمو.

الجانب الاجتماعي: انصبت كل العروض والمناقشات التي تلتها على الجوانب اقتصادية والمالية والسياسية، والملاحظ ان هناك إغفالاً وربما إهمالاً للجانب الاجتماعي، فمن الطبيعي أن تؤدي إعادة هيكلة سوق العمل بهذه الطريقة الراديكالية وفي الفترة القصيرة نسبيا التي تنصح بها دراسة ماكينزي إلى إعادة هيكلة موازية للتركيبة السكانية الاجتماعية ناهيك عن الديمغرافية للقاطنين في البحرين، سكانا أصليين أم وافدين. فهي - أي الدراسة - في نهاية المطاف ستؤدي إلى: إعادة ترتيب النسيج الاجتماعي للبحرينيين بما يتلاءم والظروف المستجدة المتوقعة، تقليص عدد الوافدين إلى البحرين وبالتالي هز العلاقات القائمة في صفوفهم من جهة، وبينهم وبين القوى الاجتماعية المحلية من جهة ثانية.

ولا ينبغي إغفال انعكاس هذه الأمور على أوجه النشاط الاجتماعي الأخرى، مهنية كانت ام ترفيهية أم استثمارية.

الجانب السياسي: على رغم اننا نحذر من تسييس كل الأمور، ونؤكد ضرورة أن تدعو الدراسة القطاع الخاص إلى تحمل كلفة الصندوق الذي سيبلغ دخله السنوي - بحسب ما جاء في الدراسة - ما يربو على 200 مليون دينار، ستدار بشكل مستقل وبشفافية مطلقة. كيف يطلب من القطاع الخاص أن يضع ثقته في هذا الصندوق وجروح صندوقي التأمينات والتعويضات لم تندمل بعد. إننا نجد انفسنا أمام وضع يدعونا لوضع ثقتنا في صندوق مستقبلي قبل ان يعيد ثقتنا في صندوق قائم ويمارس أعماله في القطاع نفسه الذي سيؤسس من أجله الصندوق المستقبلي.

بعيدا عن أي تصنيف للبند الذي يضع على كاهل القطاع الخاص تأسيس ذلك الصندوق، لكن لو تجاوزنا كل الشكليات واعتبرنا المساهمة بمثابة شكل من أشكال ضريبة الدخل، فمن الطبيعي أن يكون من حق القطاع الخاص أن يتساءل: ما المردود السياسي لهذه الفاتورة الباهظة الثمن التي سيكون مطالبا بدفعها خلال فترة زمنية قصيرة؟

من جانب آخر تطالب بشكل أو بآخر إعادة هيكلة نفسه كي يكون جاهزا للانخراط وبكفاءة في السوق الجديدة، لكنها لم تشر - من بعيد أو من قريب - إلى ما الآلية التي ستتبع لإعادة هيكلة القطاع العام كي يكون مؤهلا للانخراط في السوق ذاتها.

لاشك في أن السوق الجديدة المحررة لا يمكن أن تتكئ وتسير على ساق واحدة هي القطاع الخاص، وإلا فإنها ستعاني من عاهة دائمة ترغمها على السير عرجاء طيلة عمرها. وفي نهاية المطاف، لابد من التأكيد على الأمور الآتية:

1- إطلاق مبادرة الإصلاح خطوة صحيحة - بغض النظر عن التوقيت وشكل التنفيذ المطروح - تستحق الترحيب والإشادة وأيضا المساندة والدعم من قوى المجتمع كافة.

2- الحاجة ماسة للتغيير ليس في سوق العمل فحسب، ولكن في قطاعات مالية واقتصادية ينبغي رصدها وجدولتها وفقا لأولويات تحددها المصلحة الوطنية قبل أي شيء آخر.

3- منطق البناء الإيجابي يقتضي مشاركة القوى ذات العلاقة بالمشروع في اتخاذ القرار المناسب والمسار الصحيح لضمان تحمل المسئولية في التطبيق أولا والدفاع عن المشروع ثانيا وليس أخيرا.

وتبقى البحرين ومستقبلها فوق مصلحة الجميع وهو ما تدعو إليه مبادرة تحرير سوق العمل

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 759 - الأحد 03 أكتوبر 2004م الموافق 18 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً