العدد 2379 - الأربعاء 11 مارس 2009م الموافق 14 ربيع الاول 1430هـ

من أجل مستقبل حرية التعبير

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن الكتابة والمجادلة والمقارعة... ليست فزعة لأشخاص وزملاء أعزاء مهدّدين بقانون العقوبات، ولكن استنفارا من أجل الكلمة الصادقة المستقلة ومستقبل حرية التعبير.

الموضوع أكبر من أية محاولةٍ للشخصنة، فبعد غلق بعض المواقع المختارة، وإسكات بعض الأصوات الناقدة للوضع السياسي، وإغلاق المساجد... حان وقت استهداف الصحافة الوطنية والأقلام غير التابعة... وهذه خلاصة القصة باختصار شديد.

إن أكبر ثمار الفترة الإصلاحية هو هذا الهامش من حرية التعبير، فإذا تم تقليصه أو تخويف الصحافيين بالمحاكمات بسبب ممارسة حق التعبير عن الرأي في الشأن العام، فما الذي سيبقى أمامهم غير ممارسة التقية أو تلميع الأحذية؟

من حقّ الصحافة أن تدافع بشراسةٍ عن نفسها وعن دورها كسلطةٍ رابعةٍ في المجتمع، وهي لا تخجل من هذا الدور الوطني الذي تؤديه بمنتهى المسئولية. ومن هنا فأية دعواتٍ في الاتجاه المعادي لحرية التعبير، أو التحريض على الصحف المستقلة، لن تُقابَل منها بالورود والتصفيق.

بالإمكان أن نستوعب موقف بعض النوّاب المعادين للصحافة بسبب بنيتهم الفكرية المنغلقة، ومعارضتهم بالتالي لصدور قانونٍ لائقٍ بالإصلاح، لكن أن تصدر دعواتٌ تحريضيةٌ من عاملين في الصحافة بين فترةٍ وأخرى... فهذا هو المُستَنكَر والمُدان.

من يتابع التراجعات الأخيرة، وخصوصا في مجال الإعلام والصحافة، سيشعر بالقلق على مستقبل حرية التعبير. فهناك أطرافٌ لا يهمها ما تؤول إليه الأوضاع إلى سالف عهدها، من رقابةٍ مسبقةٍ ومقص الرقيب.

هذه الأطراف لا يهمها مستقبل البلد ولا وضع الحريات العامة ولا حقوق الإنسان، لأنها ببساطةٍ لا تؤمن بحرياتٍ ولا حوارٍ ولا بمشاركةٍ شعبيةٍ ولا هم يحزنون. والجمهور لم ينس استهزاءها بمطالب شعب البحرين بعودة المجلس التشريعي فيسموّنه «البرطمان». وبعد الإصلاح ركبوا الموجة وأصبحوا ينظّرون في مقالاتهم للبرلمان ودولة القانون والمؤسسات التي ضحّى الآخرون بالغالي والنفيس من أجلها، لتكون البحرين بين الأمم المتحضّرة.

المخاطر التي نشير إليها ليست وهما، وإنما هي واقعٌ يجري التأسيس له، باستهداف الأقلام الناقدة للوضع (السياسي والاقتصادي)، وجرجرتها قلما قلما إلى المحكمة. والذريعة التي أسّست لها دعوى ديوان الخدمة المدنية، يمكن تطبيقها على أي رأيّ أو انتقاد، فليس من الصعب تكييفه على صورة «إهانة» لهذه الجهة الحكومية أو تلك، أو الإساءة لهذا المسئول، أو الحط من شأنه، وغيرها من التكييفات المطّاطة. وهي بالمناسبة «تهمة» يمكن بها اصطياد 70 في المئة من الصحافيين وقتما شاءت الجهات المحرّكة للدعوى. ولو طُبّقت على مقالات جميع الزملاء، لعُثر على مقالٍ واحدٍ على الأقل شهريا، تتوافر فيه عناصر «الشبهة» بما يضمن إدانته حتى لو كان من المقرّبين جدا للسلطة.

إنها دلائل تؤكد ظاهرة الضيق بالنقد، في مجتمع تعدّدي، متنوع الأطياف والتيارات والمشارب الفكرية، والعودة للرقابة الذاتية ومقص الرقيب سيزيد من احتقانه السياسي ويعيده إلى حالة الاختناق.

إن من أسهل الأمور اللجوء إلى المحكمة كلما انتقَدَنا أحد، وخصوصا في المؤسسات العامة التي تكون على احتكاك دائم بالجمهور ينعكس على الصحافة وتغطياتها. ولا تنسوا أن الصحافة البحرينية لم تعرف بعدُ تلك الكتابات الساخرة كما هي في الشام والعراق ومصر، فثلاثة عقود من أمن الدولة جفّفت عروق ذلك النوع من الأدب الساخر، وكل ما لدينا هو «نقد» ومزاحٌ في حدود المتاح!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2379 - الأربعاء 11 مارس 2009م الموافق 14 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً