العدد 763 - الخميس 07 أكتوبر 2004م الموافق 22 شعبان 1425هـ

نصر أكتوبر 1973... يوم المجد العربي

أحمد عبدالحسن زردة comments [at] alwasatnews.com

تعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 من أهم الحوادث في التاريخ العربي المعاصر، فالعبور العظيم الذي أنجزته القوات المصرية في العاشر من رمضان 1393 هـ (السادس من أكتوبر 1973) كان نصراً عسكرياً وسياسياً مؤزراً حطم زيف الأسطورة التي صنعتها «إسرائيل» لنفسها بأنها الدولة التي لا تقهر، وغيّر الواقع السياسي الذي حاول البعض ترسيخه «حال اللا سلم واللاحرب»... لتبدأ مفاوضات متكافئة فرضتها الأوضاع الجديدة... فما كان لـ «إسرائيل» أن تقبل بالجلوس على مائدة التفاوض من دون اقرار بنصر أكتوبر، وما كان لمصر أن تستعيد كامل ترابها الوطني من دون أن تمهد لذلك بنصر عسكري عظيم صحح موازين القوى وأعاد إلى الشعب المصري ثقته بذاته وأعاد إلى الأمة العربية عزتها وكرامتها.

وينبغي التأكيد أن حرب أكتوبر كانت معركة قومية جسدت التلاحم والتنسيق العربي في ساحات القتال بين مصر وسورية، إلى جانب المشاركات الرمزية للقوات العربية.... فقد كانت هناك قوات كويتية وجزائرية على جبهة القناة، وكانت هناك قوات عراقية وأردنية على جبهة الجولان، ولا ننسى تفاعل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج ومؤازرتها للمرابطين على خط النار من خلال حملات التبرع بالدم والمال، كما استخدم سلاح النفط لخدمة القضايا العربية أثناء الحرب وما بعدها.

لقد استغرق الإعداد ليوم النصر نحو ست سنوات من التدريب الشاق والتمارين المضنية والتعبئة العامة حتى حانت لحظة العبور... وهي معجزة بكل المقاييس العسكرية... وحتى تتضح الصورة للشباب الذين لم يعاصروا يوم المجد العربي... نقول إن القوات المسلحة المصرية وجدت نفسها أمام ترسانات من الموانع المائية والترابية والرملية والنقاط الحصينة جعلت العدو في مأمن، وولدت اعتقاداً بأن من يريد تجاوزها سيكون مصيره الهلاك ولم تكن المشكلة في الساتر الترابي الضخم الذي أقامه العدو على الضفة الشرقية لقناة السويس لتغطية النقاط الحصينة في خط بارليف، بل كانت المشكلة في الساتر الترابي الذي أقامته القوات المسلحة المصرية على الضفة الغربية لقناة السويس... ومن ثم كان من الضروري إجراء فتحات في هذا الساتر وتم إيجاد فتحة في كل 250 متراً حتى لا يستطيع العدو تحديد اتجاه عبور القوات المصرية... وكان عبور المانع المائي على امتداد القناة التي يبلغ عرضها نحو 180 متراً وعمقها 15 متراً باستخدام القوارب المطاطية والجسور والكباري عملاً بطولياً وخصوصاً أن العدو كان يهدد بتحويل القناة إلى كتلة من اللهب إذا ما فكر أحد في عبورها.

أما اقتحام خط بارليف فكان عملاً عسكرياً مذهلاً تضافرت عناصر كثيرة لتحقيقه في مقدمتها عنصر المفاجأة، وقوة العزيمة وروح الفداء ومشروعية الهدف: تحرير الأرض. ونترك لقائد سلاح المهندسين اللواء مهندس جمال الدين محمد علي وقتذاك ليصف لنا تحصينات خط بارليف الذي تكلف بناؤه 338 مليون دولار - وفقاً للتقديرات الإسرائيلية - إذ قال: «أقام العدو على كل 4 كليومترات نقطة قوية بتوصيلها بالساتر الترابي الذي بلغ ارتفاعه 30 متراً في بعض المناطق، وكانت النقاط بمثابة هيئات حاكمة على المحاور الرئيسية في المناطق الصالحة للعبور وتبلغ مساحتها في المتوسط 200 * 350 متراً ومحاطة بأسلاك شائكة وحقول ألغام بعمق 200 متر في المتوسط أيضاً، وبها جميع مرابض نيران الأسلحة ودبابات في شكل دفاع دائري بمدخل واحد، وبها ملاجئ للأفراد من طوابق متعددة وبدرجة وقاية عالية جداً لمقاومة قنابل الطائرات زنة ألف رطل وأكثر، ومزودة بأجهزة تهوية وتنقية ضد الغازات، وأسلحة التدمير الشامل، وبها وحدات إنارة وتكييف هواء وغير ذلك من المرافق الصحية.

وواجه جنود مصر كل هذه الاستحكامات والحصون العسكرية المنيعة وسطروا ملحمة بطولية على ضفاف القناة... وفي جعبة كل جندي شارك في الحرب ذكريات وقصص وحكايات تذكر منها قصة الجندي البسيط «عبدالعاطي» الذي لقب بصائد الدبابات، وزميله «فتحي شلبي» الذي دمر 13 دبابة وعربتين مجنزرتين وقام بفك حصار السرية الثالثة من اللواء الرابع كتيبة 13 على تبة «أبو كثيرة» في سيناء، والجندي محمد العباسي... أول من رفع علم مصر على أول نقطة تم تحريرها يوم العبور العظيم وهي النقطة 1 بمدينة القنطرة شرق وتمكن من قتل 30 من الإسرائيليين وأسر 21 منهم، والبطل محمد إبراهيم المصري الذي حصد 27 دبابة إسرائيلية من بينها دبابة قائد اللواء مدرع 190 الإسرائيلي عساف ياجوري. كان الجميع يتنافس على شرف البطولة في ساحات النضال، القادة والضباط والجنود... وكلنا نتذكر الشهيد أحمد حمدي أحد مهندسي كباري العبور الذي كان يتنقل من معبر إلى معبر ليطمئن على تشغيل معظم الكباري... وعلى تراب سيناء ووسط أبنائه الجنود والضباط استشهد على أرض المعركة في 14 أكتوبر بعد أن سطر اسمه بأحرف من نور في سجل العسكرية المصرية وكرمته القيادة المصرية بإطلاق اسمه على أشهر نفق في مصر «نفق الشهيد أحمد حمدي» الذي يربط سيناء بمدن القناة.

وخلال أيام معدودات تكبد العدو خسائر فادحة، إذ تقول احصاءات وزارة الدفاع الأميركية «إن إسرائيل خسرت خلال الحرب 5000 قتيل وجريح و120 طائرة و800 دبابة ومدرعة» وكان بالإمكان أن تتضاعف هذه الخسائر لولا الجسر الجوي الذي أقامته الولايات المتحدة في 16 أكتوبر مع «إسرائيل» وزودتها بالطائرات والأسلحة المتطورة بعد أن تأكدت أن القتال سيطول والطيران الذي تعتمد عليه «إسرائيل» بدأ يضعف... ومن ثم رأت القيادة السياسية المصرية أنها لا تحارب «إسرائيل» وحدها بل تحارب أقوى دولة عرفها التاريخ المعاصر وهي الولايات المتحدة التي لم تكتف بتزويد «إسرائيل» بكل أنواع العتاد بل كانت تقوم بإبلاغها بكل التحركات المصرية... في الوقت الذي لم يتمكن فيه الاتحاد السوفياتي من القيام بعمل مماثل لصالح مصر... ومن ثم كان إعلان قبول وقف اطلاق النار في 21 أكتوبر بعد أن حدث الاتزان العسكري على أرض الواقع بفضل نصر أكتوبر المجيد الذي أرغم «إسرائيل» على الدخول في مفاوضات أسفرت عن عودة كامل التراب الوطني المصري... ومن ثم تم وضع سابقة مهمة وهي أن الاحتلال لا يمكن أن يدوم، وأن القوة لا تفرض أمراً واقعاً، وأن الانسحاب من الأراضي التي احتلت في العام 1967 هو أساس أية تسوية عادلة وشاملة في الشرق الأوسط كما تؤكد ذلك قرارات الأمم المتحدة.

والآن وبعد مرور 31 عاماً على حرب أكتوبر المجيدة... نستعيد بكل الفخر بطولاتها وذكرياتها العطرة لنستمد منها العزم والإصرار ونستلهم منها كل المعاني الجميلة، الايثار ونكران الذات وروح التضحية والفداء... لنواجه تحديات العصر من خلال توظيف الامكانات والموارد المشتركة المتاحة بما يحفظ للأمة العربية مكانتها ومصالحها على الساحة الدولية.

المستشار الإعلامي بالسفارة المصرية في البحرين

العدد 763 - الخميس 07 أكتوبر 2004م الموافق 22 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً