العدد 765 - السبت 09 أكتوبر 2004م الموافق 24 شعبان 1425هـ

قادة حزبيون ومثقفون يناقشون موضوع إعادة هيكلة المشهد السياسي المغربي

في أفق إصدار قانون الأحزاب السياسية المغربية

المصطفى العسري comments [at] alwasatnews.com

تعرف الساحة السياسية المغربية سجالاً بشأن مشروع قانون الأحزاب السياسية المزمع تشريعه لتنظيم العمل الحزبي في المغرب في ظل الواقع الحالي الذي أدى إلى تناسل أكثر من 30 حزباً سياسياً معظمهم لا يسمع به إلا عند الانتخابات المحلية أو البرلمانية.

الأحزاب السياسية المغربية التي يتوزع توجهها بين ما هو محافظ كحزب الاستقلال، أو يساري كحزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، وسلفي كحزب العدالة والتنمية أو أحزاب غير مؤدلجة كتلك التي ظهرت حديثاً، فضلاً عن تلك التي حكمت المغرب على امتداد العقود الماضية قبل مرحلة التناوب وأبرزها الاتحاد الدستوري والوطني الديمقراطي والحركات الوطنية والوطنية الشعبية ذات التوجه الأمازيغي، كان بعض زعمائها حاضراً لمناقشة مشروع القانون الجديد من خلال ندوتي الرباط والدار البيضاء اللتين تمحورتا بشأن الوضع الحزبي المغربي واستخدام الخطاب الديني في العمل السياسي. ونظمت الندوتان قبل أيام فقط من دعوة الملك محمد السادس خلال افتتاحه للبرلمان يوم الجمعة الماضي (2 أكتوبر/ تشرين الأول) إلى استنفار الجهود من أجل وضع قانون للأحزاب يصلح الشأن السياسي والحزبي بالبلد في انتخابات العام 2007.

الأحزاب والخطاب الديني

في الندوة الأولى التي نظمت من قبل «مجموعة الديمقراطية والحداثة» ضمن محورين «السياسة والإسلام» و«الإسلام والسياسة»، والتي دأبت المجموعة على تنظيمها لتسليط الضوء على التحولات العميقة التي يعرفها المغرب على المستويات السياسية، الاجتماعية والاقتصادية ما يطرح على نخبه ومثقفيه وعلى هيئاته السياسية ضرورة بلورة مشروعها المجتمعي بشكل يكرس التضامن والوفاق بين أفراد المجتمع. كان هناك شبه إجماع لعدد من قادة الأحزاب السياسية وباحثون مختصون في الدراسات الإسلامية على أن الانخراط في مشروع بناء الدولة المغربية الحديثة يقتضي الفصل بين الدين والسياسة وتفويض الشأن الديني لملك البلاد، باعتباره أمير المؤمنين الذي يسهر على صيانة القيم السمحاء للإسلام وسدّ الطريق أمام التوظيف المغرض للدين.

وأكد كل من رئيس التجمع الوطني للأحرار أحمد عصمان، والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إسماعيل العلوي، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي سعد الدين العثماني، والأمين العام لحزب اليسار الاشتراكي الموحد محمد مجاهد، والأمين العام لحزب القوات المواطنة عبدالرحيم الحجوجي، وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال محمد خليفة... ان تفويض الشأن الديني للدولة وفصله عن السياسة ليس فيه حد من الحريات أو تعارض بين القيم الدينية النبيلة ومسايرة العصر.

وفي قراءة لفحوى الخطاب الذي ألقاه الملك المغربي يوم 30 يوليو/ تموز الماضي بمناسبة عيد الجلوس الذي شدد فيه «على وجوب الفصل بين الدين والسياسة» أبرز المتداخلون أن الدعوة الملكية تفتتح الطريق أمام المغاربة للانخراط في مشروع حداثي يرتكز على مبادئ الحرية والتسامح واحترام الاختلاف كسبيل وحيد لإغناء خصوصيتنا ومقوماتنا الثقافية والحضارية.

وحذّر المتداخلون من خطورة احتكار الدين وتوظيفه لأغراض سياسية مشبوهة قد تؤجج الصراع بين أفراد الأمة وتحول دون إشاعة الفكر الحداثي الديمقراطي المتمثل في تعزيز وتحصين التعددية الفكرية والسياسية.

ومن جهة أخرى، ركز الباحثون الجامعيون أحمد الريسوني، مصطفى بوهندي ومحمد الصغير ضمن محور «الإسلام والسياسة» على أهمية تفويض الشأن الديني لأمير المؤمنين ووجوب إيمان جميع التنظيمات السياسية ومختلف شرائح المجتمع بالديمقراطية والتعددية، باعتبارهما واجباً دينياً يدخل في إطار احترام الجماعة والانخراط في الحضارة الإنسانية المعاصرة.

وأوضحوا أن الخطاب الملكي يندرج ضمن مشروع مجتمع حداثي متعدد يكرس صورة الإسلام المعتدل ويقف في وجه دعاة العنف والتطرف.

هيكلة المشهد السياسي

في الندوة الثانية التي نظمها «اتحاد أحزاب الحركات الشعبية» الأمازيغية بشأن موضوع «إعادة هيكلة المشهد السياسي المغربي»، أكد باحثون وأكاديميون أن إعادة هيكلة وتأهيل المشهد السياسي بالمغرب ليس مشكلة أحزاب فقط بل هو مشكلة ممارسة سياسية لم ترتق بعد إلى مستوى التطلعات والغايات التي ينشدها المغرب.

ودعا المشاركون إلى توفير بيئة ملائمة تسمح للأحزاب السياسية بالاضطلاع بالأدوار المنوطة بها في إطار مشروعٍ مجتمعي يهم جميع الفاعلين في الحقل السياسي.

وهكذا تطرق الاستاذ الجامعي ميلود بلقاضي في مداخلة تحت عنوان «المرجعية الحزبية في الخطب الملكية» إلى تناول الخطب الملكية لواقع الممارسة الحزبية عبر مستويات مختلفة، موضحاً أن هذه الخطب ميزت بين مستويين هما الممارسة السياسية وآليات اشتغالها ثم الحزب كفاعل سياسي.

وأوضح الباحث أن الخطب الملكية انتقلت في تناولها للممارسة الحزبية من الإشارة إلى المكاشفة ثم النقد، مبرزاً أن هذا النقد انصب أساساً على ما تعرفه الممارسة السياسية من اختلالات ودعوة الملك في المقابل إلى تشكيل مشهد سياسي عماده قطبان أساسيان يتمثلان في غالبية منسجمة ومعارضة بناءة وإحداث القطيعة مع التحالفات الهجينة.

وأكد الباحث أن «الممارسات الانتخابية والنتائج المبلقنة التي أفرزتها تبرز الحاجة - تأسياً بالتوجيهات الملكية - إلى العودة إلى العمل الحزبي النبيل وجعل الأحزاب مدارس حقيقية للمواطنة واعتماد الشفافية في تدبير الشأن الحزبي سواء على مستوى القيادات أو القواعد».

وتطرق الباحث المتخصص في ظاهرة الإسلام السياسي محمد ظريف من جانبه في مداخلة بشأن موضوع علاقة السياسي بالديني، إلى ما اعتبرها «مسلمات مغلوطة» تغذي الالتباس في العلاقة بين الدين والدولة، مبرزاً في هذا السياق الحاجة إلى عقل سياسي نقدي لمناقشتها.

وميز الباحث في مداخلته بين مستويين لعلاقة السياسي بالديني يهم الأول العلاقة بين الدين والدولة كمؤسسة، معتبراً ان هذا المستوى من العلاقة لا يطرح أي إشكال لوجود نصوص دستورية صريحة تؤطرها وتحدد ضوابطها.

أما المستوى الثاني فيتعلق - بحسب الباحث - بعلاقة الدين بالسياسة كممارسة، إذ أكد في هذا الإطار ان الدين باعتباره أحد الثوابت التي تواضعت عليها الأمة ينبغي أن يظل بمنأى عن أي توظيف سياسي، مشيراً إلى أن وظيفة الحزب السياسي تتمثل أساساً في تطبيق برنامج سياسي والمساهمة في تدبير الشأن العام «لأن السياسة كممارسة لا تستحضر الدين».

أما الأستاذ الجامعي علي سدجاري فدعا في محاضرته التي كانت بعنوان «الأحزاب السياسية والمواطنة» إلى التأسيس لعلاقة جديدة بين الأحزاب والمواطن تحكمها قيم الشفافية وحسن التدبير والالتزام. واعتبر أن المعيار الأساسي للتمييز بين الأحزاب هو تدبيرها العقلاني للشأن العام وليس اصطفافها السياسي أو الإيديولوجي، مؤكداً ضرورة تقريب المسافة بين الخطاب والفعل لدى الفاعلين السياسيين وتكوين نخب قادرة على كسب الرهانات والتحديات المطروحة على المغرب.

مقترحات لمشروع قانون الأحزاب

وفيما يخص قانون الأحزاب السياسية المنتظر قال رئيس مركز الديمقراطية أحمد الجزولي: «إن قانون الأحزاب قد يكون أداة لتكريس الديمقراطية في المغرب إذا ما راعى مجموعة من العناصر».

وأوضح الجزولي الذي كان يسلط الضوء على مقترحات سبق أن وجهها المركز للحكومة في موضوع مشروع قانون الأحزاب السياسية أن هذه الاقتراحات تطول 31 مادة من مسودة القانون المشكل من 47 مادة، مشيراً إلى أنها تتوزع على اقتراحات تتعلق بالجوهر وأخرى بالشكل. واقترح المركز بالخصوص ضرورة وضع ديباجة للقانون يتم فيها تحديد الإطار العام لإحداث الحزب وتثبيت مرجعيته. وأشار إلى أهمية الالتزام بحرية التأسيس «باعتبار هذا يدخل في إطار حرية التعبير عموماً»، مشيراً إلى أنه يتعين على مشروع القانون أن يركز على مسألة تنظيم تمويل الأحزاب السياسية «وفق معايير مندمجة، توازن وتجمع بين التمويل العمومي ومساهمة المناضلين في تمويل أنشطة حزبهم وفرض ضريبة الحزب على من يتولون مناصب عليا باسم الحزب». وأضاف أنه يتعين أيضاً اقتراح تمويل خاص بالبحث لضمان تجديد البرامج وتمويل خاص بالمهمات في الخارج.

واقترح المركز ضرورة إقرار شفافية التدبير والتسيير واعتماد آليات المراقبة المالية الدورية والمباغتة وفرض نشر التقارير السنوية على أعمدة صحيفتين على الأقل، مؤكداً من جهة أخرى ضمان الديمقراطية الداخلية بفرض انتخاب جميع الأجهزة «بما في ذلك فرض الانتخابات الداخلية للمرشحين باسم الحزب في مختلف الانتخابات العامة».

وأكد ضرورة فرض عدم تغيير الحزب خلال أداء مهمات باسمه «الولاية الانتخابية» في إطار «التمييز بين حرية التنظيم المشروعة والإقدام على ممارسات تشكل خطراً على الديمقراطية».

وشدد مركز الديمقراطية على ضرورة ضمان جسر تشريعي بين قانون الأحزاب وقانون الانتخابات «بهدف أن يكون ولوج الانتخابات من حق الأحزاب ذات حد أدنى من التمثيلية، والتي تمارس مهمتها التأطيرية بشكل مستمر» مع اعتماد مجموعة من الإجراءات للنهوض بالمشاركة السياسية للمرأة

العدد 765 - السبت 09 أكتوبر 2004م الموافق 24 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً