العدد 771 - الجمعة 15 أكتوبر 2004م الموافق 01 رمضان 1425هـ

العمامة والقنديل الأخضر

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

كيف نقضي على الحرمان؟ كيف نكفكف دمعة اليتيم؟ وكيف نحارب الفقر والجهل؟ الفقير الواعي خير من الفقير الجاهل، لأن الثاني قد يتوهم المقصلة خبزاً والمسلخ تنوراً جميلاً. ولا يموت الجهل والفقر إلا بالوعي، والواقع السياسي المرير لا يتبدل إلا بثقافة سياسية واعية، وذلك لا يكون إلا عبر مؤسسات مجتمعية تسترشد عقول الناس بالانفتاح عليهم بلا فوقية وبلا نرجسية، وإنما تشاطرهم الحزن فتزيل عنهم جزءا من ألم الحرمان.

هكذا كان الإمام السيدموسى الصدر... جاء الى لبنان والى الجنوب وجدهم بلا خبز، حزمة من الفقر والعوز تحيط بالجغرافيا المنكوبة... الفقير يتضور جوعا والسياسيون وحدهم يزدادون بدانة... لم يطعمهم الكلام المجرد، ولكنه ابتدأها بمشروعات عملية وبمؤسسات فاعلة ترفع عنهم الفقر والجوع والجهل أيضاً، وكان يردد عبر منبر مسجد الصفا «إن الله يحب ان يرى عباده كراماً». يوزع الخبز على الفقراء وعلى يديه تلتصق رائحته... مراكز ومؤسسات ومدارس اطلقها في مرحلة الستينات 1962م، وهو يدعو إلى تركيز ثقافة المؤسسات. فالعالم قائم على المشروعات وليس الاشخاص. قد يرحل الشخص، ولكن تبقى مؤسساته.

أقول: كان يوزع الخبز وكذلك الورد لايمانه بالمثل الصيني «يلتصق اريج الزهرة باليد التي تقدمها». كان يحارب التمييز والتفريق بين بني البشر، ويدعو الى دولة الانسان أيا يكن عرقه وانتماؤه، سواء أكان مسلما أو مسيحيا، فلا عجب فقد قال فيه أمين عام الجامعة الاسلامية في لبنان السفير خوزي صلوخ «ناضل الامام موسى الصدر من أجل جميع اللبنانيين، وليس من أجل الشيعة فقط، لقد كان في خدمة الانسان اللبناني اينما كان، وكان همّه رفع الحرمان عن أهله في جميع المناطق اللبنانية، وهذا ما أكسبه ثقة الناس فالتف الجميع حول افكاره الاصلاحية والتجديدية الرامية إلى خدمة لبنان وابنائه»... انظروا اليه كيف يعلمنا ان نعشق الانسانية وان نكبر على لغة المحسوبيات.

في مكان آخر وزمان آخر تناهى الى سمعه ان أهالي صور المسلمين يقاطعون بائعا للمثلجات بسبب انتمائه الطائفي، فما كان من الامام الصدر الا ان توّج صلاة الجمعة بمسيرة جماهيرية تبعه الناس فيها وهم غافلون عما هو عازم عليه. أنهى بهم المطاف عند البائع وتناول مما عنده وقلده الباقون. عندما يكون العالم واعيا يختصر المسافة على الناس. كان السيد منفتحا على الدول العربية ودول العالم ويستقبَل استقبال الرؤساء. كان الرجل ضد التمييز وضد الطائفية، لكن ذلك لم يمنعه من ان يضع اصبعه على الجرح ليتكلم عن الحرمان والاهمال الرسمي في الجنوب.

يقول السيد: «من صور سلب الحريات وتحطيم الطاقات الاستبداد... ادعاء الوصاية على الناس واتهامهم بأنهم لا يفهمون... سياسة الاهمال لإبعاد الفرص عن الناس وحتى منع الصحة عنهم». دعونا نقرأ حركة السيد التي تقوم على الاستراتيجية، اذ كان السيد يعلم ماذا يفعل وماذا يريد.

- 1967 أقر مجلس النواب اللبناني قانون انشاء المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى استنادا الى الاسباب الموجبة التي بينها الامام الصدر.

- 1969 أسس روضة الاطفال وألحقها بمدرسة الهدى كما حوّل دورات الاسعاف الأولى الى مدرسة فنية عالية للتمريض مازالت قائمة حتى اليوم.

- 1970 أسس هيئة نصرة الجنوب، ودعا الى اضراب سلمي وطني نشأ بنتيجته مجلس الجنوب لتنمية الجنوب ورفع الحرمان عن لبنان.

- 1976 ساهم في اعداد الوثيقة الدستورية وبذل جهودا مكثفة لإنهاء الحرب الاهلية كانت نتيجتها انعقاد مؤتمر الرياض وقمة القاهرة.

- على رغم الظروف القاهرة المحيطة بالسيد موسى الصدر فإنه استطاع بالوعي والانفتاح والعمل الدؤوب انشاء مشروعات لصالح الناس، وهي: -

1- انشاء مبرّة الامام الخوئي لرعاية الايتام الذكور.

2- انشاء مبرّة الزهراء لرعاية اليتيمات.

3- انشاء مستشفى الزهراء في الضاحية الغربية لبيروت.

4- كان يعنى بحقوق المرأة فأسس بيت الفتاة في صور.

5- القضاء على ظاهرة التسول في صور من خلال جمع التبرعات لدعم صندوق الصدقة.

- اما في الجانب التربوي والمهني والثقافي فقد قام بـ:

1- انشاء معهد الدراسات الاسلامية في صور.

2- انشاء مدينة الزهراء الثقافية المهنية في بيروت.

3- انشاء مدرسة فنية عالية للتمريض.

4- انشاء جمعية التخصص العلمي.

5- انشاء مهنية جبل عامل في البرج الشمالي - صور.

ولقد كتبت صحيفة «السفير» عن مؤسساته في حينها بتاريخ 26 مارس/ آذار 1975م: «بعد تغييب السيد قامت أخته الفاضلة رباب الصدر بالاشراف على هذه المؤسسات وتطويرها وتوسعتها». وسأتكلم في مقال خاص عن هذه المرأة الحديد وماذا أسست.

اعتقد ان ثقافة المؤسسات ثقافة يجب ان تسود. شبعنا كلاما وتنظيرا، ودعونا كمجتمع ندخل التجارة والاستثمار وبناء المؤسسات الثقافية والفكرية والاقتصادية، وبدلا من ان نلعن الظلام فلنوقد شمعة كما قال حكيم الصين كونفوشيوس

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 771 - الجمعة 15 أكتوبر 2004م الموافق 01 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً