العدد 776 - الأربعاء 20 أكتوبر 2004م الموافق 06 رمضان 1425هـ

علامة الشفافية تبدأ من حرية الوصول إلى المعلومات

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

عندما تتناول الصحافة العربية موضوع الموت و«تبحث» في أسبابه طبيعية كانت أو غير طبيعية، لا تقترب إلى بناء الحقيقة، فهي تفكر ضمن سقف محدد لا ينبغي تجاوزه في إطار «تدعيم رأي، والمحافظة على وضع، وحشد رأي خلف قرار، أو تهدئة لسلبية والتبرير لها بغمامة» تنتهي بالقول: «تعددت الأسباب والموت واحد» في أعقد الأحوال، أي «إنه توفي وانتهى كل شيء، أو انتقل إلى رحمة الله عن عمر يناهز كذا، أو فلان بن فلان في ذمة الله وما على الصحافة إلا نشر (c.v)، لحسناته ليقرأها الجمهور العريض» تحت مسمى «... وما على الميت إلا الرحمة».

هناك أنواع عدة من وسائل الإعلام والصحافيين عند تعاملهم مع قصص الوفاة التي تستحق النشر لدلالتها؛ بعضهم يراها نتيجة «لضرب مبرح أصابه»، وآخر يعتبرها ميتة طبيعية (قضاء وقدر)، وثالث يحللها بأن المتوفى «مات من القهر ولم يمت ميتة ربه!»، فيما تسري الشائعات التي تنتقل من أذن إلى أخرى وتكبر ببهارات صناع الكلام، على أن المتوفى «قد انتحر لأسباب كذا وكذا» إلى ما لا نهاية من «القيل والقال»، فيما يشطح الخيال، في «حالات المنع المبرمج لحرية التعبير، وضمان حرية الوصول إلى المعلومات» ليصل إلى قمة ذروته فيشير نفر بالقول إن: «الراحل لم ينتحر؛ بل نحروه!»، وهنا تكمن الخطورة؛ فكثرة الدخان دائماً يوحي أن هناك شيئاً ما غير صحيح!

تعرفون لماذا تنتشر الإشاعة في المجتمعات العربية؟

لسبب وجيه، وخصوصا في المجتمعات غير الديمقراطية، وجل الأنظمة العربية غير ديمقراطية، إذ لا تقوم الصحافة بدورها المعروف الذي لابد منه، لعدم وجود ضمان حرية الوصول إلى المعلومات، فمن دون معلومات توثيقية لا تكون هناك أخبار صحيحة ولا تغطية صحافية موضوعية، ولا تصورات سليمة، وتكون التحاليل عرضة للمبالغة أو لشطط الخيال، وفي كلتا الحالتين تكبر الإشاعة وتنتشر بالسلب وليس بالإيجاب.

نعرف أن هناك صحافيين عرب مهنيون، مدربون بشكل جيد، ومتمرسون في كشف الحقائق يقومون بدور الاستقصاءات، يضاف إلى ذلك امتلاكهم لحاسة شم قوية أيضاً، لكن القيود التي تأتي من التوجيهات الرسمية على وسائل الإعلام التي تمتلكها حكوماتهم تحول دون نشر أو بيع «بضاعتهم المعلوماتية» في سوق حرة متعددة الآراء، وبها من الشفافية ما يكفي للنهر أن يفيض وينتهي إلى مصب جديد يغني تربة جديدة متعطشة للماء والحياة.

ها نحن نعاصر إعلامنا من شبابه إلى كهولته، ونلمس بدواته ونزواته العقلية والفلسفية من دون فلسفة، وهو يمر بأطوار الجهل والغفلة وطيش الشباب، وانفعالات العواطف، ننتظر النضج لطرح أروع أمثلة التعقل وخير ما في حكمة الشيوخ، ومللنا انتظار ذلك اليوم الذي لم يأت بعد للحصول على معلومة صحافية نظيفة تساعد الجمهور على اتخاذ موقف أو قرار، وتنشط ذاكرته ودوره في المجتمع، وفي مقابل ذلك لم نحصل إلا على إشاعة تكبر وبث استنتاجات يتعب منها التعب عن طريق التخمينات والتحاليل والفذلكات غير المستندة على المعلومات!

فحين يأتي الحديث عن ضمان حرية الوصول إلى المعلومات، وحرية التعبير، يخرج علينا نبّاحون من هنا وهناك ليشيروا بسبابتهم إلى مواد دستورية وقانونية في دساتيرنا العربية، غير أن الحاصل والمتعارف عليه، أن ما يطبق من ذلك «عكس ما يشيرون إليه أينما التفت!»، ولذلك تكبر الإشاعة وتترعرع في مجتمعاتنا

العدد 776 - الأربعاء 20 أكتوبر 2004م الموافق 06 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً