العدد 779 - السبت 23 أكتوبر 2004م الموافق 09 رمضان 1425هـ

السياسة الخارجية الألمانية الجديدة: المصالح الاقتصادية قبل حقوق الإنسان

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

أبدى الزعيم الليبي معمر القذافي اهتماما كبيرا بضيفه القادم من ألمانيا. وعلى مدى ثلاث ساعات تحادث القذافي مساء الخميس الماضي مع المستشار الألماني غيرهارد شرودر داخل خيمة بدوية إذ تناولا معاً طبقاً من الأرز واللحم. قبل كل شيء ركز القذافي على موضوع محدد: الألغام التي وضعتها القوات الألمانية في الصحراء الليبية خلال الحرب العالمية الثانية وقال إنه ينبغي على الألمان القيام بدور رئيسي في الجهود الرامية لإزالة هذه الألغام. غير أن المستشار الألماني لم يأت إلى ليبيا ليبحث الماضي مع الزعيم الليبي وقال: طبعاً سنقدم المساعدة في إزالة الألغام ولكن ينبغي علينا اليوم عدم النظر إلى الوراء والتطلع نحو المستقبل.

يبدو أن شرودر تنبأ بالمستقبل ورأى فيه أن ليبيا دولة جذابة. منذ سنوات تتصدر ليبيا قائمة الدول العربية التي تستورد ألمانيا النفط منها. ويعتقد أن في ليبيا ثروات طبيعية كبيرة أبرزها نسبة عشرة بالمئة من احتياطي النفط العالمي. بحلول العام 2010 تريد ليبيا مضاعفة حصص الإنتاج السنوي من النفط ويعتقد أن حجم الاستثمارات لذلك يقدر بثلاثين مليار دولار. وتستعد شركات ألمانية كبرى مثل لوفتهانزا وونترزهال للقيام بتعاون اقتصادي جديد مع هذا البلد وخصوصاً أن الحكومة الألمانية وضعت تسهيلات جذابة أمام الشركات الألمانية حين قررت في الصيف المنصرم توفير ضمانات هرمس للشركات الألمانية التي تفوز بعقود في ليبيا.

إن كان في ليبيا أو الصين أو تركيا، أينما حل المستشار الألماني فإنه يشعر أنه في ضيافة أصدقاء. وأصبحت مبادئ دولة القانون وحقوق الإنسان ثانوية بالنسبة إليه. في المقابل يعمل شرودر بدبلوماسية المصالح وكما قال خلال وجوده في ليبيا: الجيد هو ما يفيد الاقتصاد الألماني. تعمل ألمانيا بسياسة الأمر الواقع وذلك بحلول العام السابع لعهد الائتلاف الاشتراكي الأخضر ومن أبرز دلائل هذه السياسة تسهيل صادرات الأسلحة الألمانية والتي كانت معقدة للغاية حتى وقت قريب وأصبحت اليوم مسألة عادية.

ففي منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي قرر مجلس الأمن القومي الذي يتألف من المستشار ووزراء الخارجية والدفاع والداخلية والتعاون الاقتصادي والإنماء ، تزويد العراق بعشرين دبابة من طراز(فوخس). وقالت كلاوديا روت المتحدثة باسم قيادة الخضر إن هذه الصفقة ليست عملية تصدير سلاح للعراق بقدر ما هي مساعدة لتحقيق الاستقرار في هذا البلد. وحين زار شرودر الهند قبل أسبوع عرض على رئيس الوزراء الهندي مانموهان استعداد ألمانيا لبيع الهند غواصات وطلب مضاعفة حجم المبادلات التجارية بين البلدين. في اليوم التالي أدلى يوشكا فيشر نائب المستشار ووزير الخارجية بتصريحات دلت على أن حزب الخضر تخلى عن معارضته بيع تركيا دبابات من طراز ليوبارد 2 وتحدث لأول مرة عن تغييرات مرضية طرأت على الوضع داخل تركيا كما تحدث عن سياسة الأمر الواقع. في العام 1999 كادت حكومة شرودر/ فيشر أن تنهار بعد نشوب خلاف حاد بعد أن وافق الاشتراكيون على بيع تركيا دبابات ليوبارد 2 لكن الخضر عارضوا بشدة وهددوا بنسف الائتلاف. بين قادة الخضر الذين وقفوا عرضة في طريق شرودر كان فيشر وكلاوديا روت.

لم يستسلم الأتراك لليأس حين بلغهم رفض طلبية الدبابات وظل حبل الاتصال قائما بين العسكريين الأتراك والألمان وزادت هذه الصلة عمقا مع زيادة احتمال بدء مفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن العضوية. قبل ذلك زار وفد عسكري تركي مخازن سلاح تابعة للقوات المسلحة الألمانية لهدف تفقد دبابات ليوبارد 2 مستعملة وفي النهاية كشف الأتراك عن رغبتهم في الحصول على 350 دبابة. أما الحكومة الألمانية فإنها عقدت العزم على تنفيذ هذه الصفقة ويجري التفاوض بشأن قيمتها المادية. لكن الأتراك سيتقدمون بطلب رسمي لشراء الدبابات في حال حصولهم على ضمان بأن مجلس الأمن القومي الألماني سيوافق على الصفقة. أبرز المتحمسين للصفقة هو بيتر شتروك وزير الدفاع الألماني الذي يكون ضرب عصفورين بحجر إذا تمت الصفقة. أولا يتخلص من الدبابات المرابطة في المخازن وثانيا تحصل خزينته التي خضعت لتقشف حاد على نحو 150 مليون يورو.

في الوقت الحالي يعمل شرودر لهدف التوصل لرفع حظر بيع أسلحة إلى الصين في إطار سياسته الجديدة الرامية لتسهيل شروط تصدير أسلحة ألمانية. وأبلغ مقربين منه أنه سيوافق على قرار أوروبي يدعو لرفع الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على الصين في العام 1989 على أثر مجزرة دامية قام بها العسكريون في الصين ضد حملة احتجاج قام بها طلبة في ساحة رئيسية وسط العاصمة بكين. وقال شرودر إنه وعد القادة الصينيين في زيارته الأخيرة إلى بكين بأن يحقق رغبتهم. يلاحظ أن المستشار الألماني لا يعمل وحيداً في هذا السياق ويساعده في ذلك الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي زار الصين قبل أسبوع ودعا إلى التخلي عما أسماه مواقف معادية للصين. لم يجد شيراك ما يمنع بيع الصين أسلحة. بذلك يسعى شرودر وشيراك لإحياء حلم مشترك بتنشيط صناعة وبيع أنظمة الأسلحة التي تقوم بها الشركة الألمانية الفرنسية EADS التي تسعى لبيع طائرات نقل وصواريخ ومعدات عسكرية فائقة التقنية إلى دول آسيوية. المحور السياسي الألماني الفرنسي يسهم منذ وقت قصير في زوال المعارضة الأوروبية بيع الصين أسلحة وضد المحاولات التي تقوم بها بريطانيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة منعا لتسليح الصين، القوة العظمى القادمة، بترسانة من الأسلحة الأوروبية. ويعتقد راينر هيرتريش رئيس مجلس إدارة شركة EADS أن رفع قرار بيع أسلحة أوروبية للصين سيصدر بحلول العام 2005.

لم يسبق وأن دب الحماس بحكومة الائتلاف الاشتراكي الأخضر بعقد صفقات أسلحة بالشكل الذي يتم الآن، وبعد أن كان الخضر بالذات يبدون معارضة شديدة لصفقات الأسلحة. بعد مجيء حكومة شرودر/ فيشر إلى السلطة في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2002، تعهدت بالعمل من أجل تحقيق السلام العالمي والدعوة لاحترام حقوق الإنسان كما جاء في اتفاق الائتلاف أن الحكومة الألمانية ستعمل في حصر تجارة الأسلحة. لا يبدو أن أحدا في المعسكر الحكومي الاشتراكي الأخضر يرغب في قراءة اتفاق الائتلاف. التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية اتهم تركيا بالإساءة لحقوق الإنسان. تريد ألمانيا تزويد تركيا بدبابات ليوبارد 2 وأن الأمر يعتمد على تركيا وحدها إذ تنتظر برلين طلبا رسميا لشراء 350 دبابة مستعملة. كما نسي الخضر القرار الذي اتخذته المجموعة البرلمانية التابعة لهم تجاه الصين قبل عشرة أشهر: وضع حقوق الإنسان في الصين مأسوي للغاية. لم يعد انتقاد إرساليات الأسلحة يصدر عن الخضر بل فقط من قبل بعض الاشتراكيين ومن بينهم هايدي ماري فيتشوريك تسويل وزيرة التعاون الاقتصادي والإنماء التي قالت إنها تفضل أن تعمل ألمانيا في استثمار أموال في مشروعات تخدم مصالح الناس بصورة مباشرة بدلاً من بيع تركيا دبابات. يقول الخضر إن الإرهاب فرض صعوبات على احترام حقوق الإنسان لكن ينبغي عدم التضحية بحقوق الإنسان في مواجهة الإرهاب. يُذكر أن قيادة الخضر تجاهلت قرار اتخذته القواعد الأساسية حين انعقد مؤتمر للحزب بمدينة كيل شمال البلاد في مطلع الشهر الحالي إذ طالب قيادة الحزب العمل من أجل منع تزويد العراق بعشرين دبابة. ما كان يعتبره الخضر في السابق محرماً أصبح حلالاً ويقول وزير الخارجية فيشر إن بلاده تعمل بسياسة الأمر الواقع. من علامات السياسة الخارجية الجديدة لألمانيا أن شرودر دعا القذافي لزيارة ألمانيا. القذافي معروف بأنه يصحب في ترحاله حرسه الأنثوي الشخصي وجمال وخيام وبرلين لا تجد ما يعوق تنفيذ الزيارة. ففي مقر المستشارية حديقة واسعة بوسع القذافي افتراش خيمته فيها وسيزوده الجيران بكل ما يلزمه ليقضي إقامة طيبة في برلين

العدد 779 - السبت 23 أكتوبر 2004م الموافق 09 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً