العدد 779 - السبت 23 أكتوبر 2004م الموافق 09 رمضان 1425هـ

التفاعل السياسي بين العاطفة المسرفة وعقلانية المنطق

أحمد عبدالله الدفاري comments [at] alwasatnews.com

القضية السياسية النابضة هي التي تنبض بتفاعل شعبي عند كل حدث، ولا ينحصر التفاعل على تأييد فقط أو معارضة، بل تتوسع بطرح المواقف الفكرية والسلوكية للقضايا السياسية المتعارضة لبعضها بعضاً. فيرى هنا مؤيد وهناك معارض، وتسجل المواقف. ولا يقف التفاعل عند حد التأييد أو الرفض، بل تمتد للطرح الخطابي والممارساتي. ولا خلاف في ذلك كون التفاعل نزعة سياسية طبيعية في المجتمعات النابضة.

ولكن الخلاف يكمن في نوعية الرفض أو القبول لأية قضية ما، ولاسيما في حال الرفض التي تتنوع أساليب تداولها أكثر ما تتنوع أساليب الموافقة. والأسلوب الأكثر انتشارا على مستوى الوطن العربي هو الحماس والانجراف عاطفيا في كل حال رفض، التي تصب عواقبها الوخيمة في مضرة المتفاعلين أولا وآخرا. حتى ولو كان الموقف سليما والأنسب في مرحلة ما فإن العاطفة المسرفة تحيل القضية لهامش ما ويتمحور التفاعل والاهتمام حول عواقب هذه العاطفة.

لم يعد الجمهور يؤمن أن لكل قضية متطلبات، أهمها دراسة القضية وتحديد حال التفاعل معها، وإن هناك ممارسات يجب ألا تطبق واقعا خلال مرحلة حدوث القضية، بحيث يكون لوقوعها نتائج ليست سليمة، بل تبعدنا كثيرا عن الهدف الأساسي للقضية. ولم يعد يأسف على حماسه المتزايد في عصر تتكاثف فيه مؤسسات المجتمع الواعية، التي غاب عنها ضرورة وعي الجمهور بنوعية الممارسات المطلوبة لكل حدث وقضية.

أما ما يخص الخطابات فهي منذ القرن الماضي لم تتغير، ذات اللهجة الكوكنية التي كان الجمهور يخاطب بها الاستعمار في منتصف القرن الماضي، والتي لابد لها أن تتغير فنحن لسنا في عصر استعمار، بل هو عصر مختلف، واختلافه يتطلب ملازمة التغيير في الخطابة الشعبية قبل الممارسة السلوكية.

تراجع الجمهور في الأداء السياسي لا يبشر خيرا في توقعات المستقبل السياسي، لأن الجمهور من يقرر نجاح أي مشروع شعبي أو فشله. وطالما وافق بغالبية ساحقة على مشروع ميثاق العمل الوطني، فعليه أن يعرف ما هو الأداء المناسب لكل قضية وحدث، حتى تقع موافقته في إطار الصواب والعدل. وليس كمن بنى أساس داره وما إن وضع عدة طوب همّ بتكسيرها انجرارا خلف عاطفة أو حماس ما.

ولا ننسى اننا في بداية إعادة البناء السياسي والتنظيمي، التي تبدأ بصوغ فكر سياسي جديد، استفادة بتجربة ماضية وطموح جديد. وتقييم هذا البناء ما زال الوقت مبكرا عليه، ولن يأتي الوقت المناسب لتقييمه طالما هممنا بالتفاعل الحماسي، لأنه يؤخره كثيرا. وليس بالحماس تقيم التجارب، بل بعقلانية المنطق ممارسة وخطابا، الذي يؤدي للحوار الناتج عنه النتيجة الإيجابية

العدد 779 - السبت 23 أكتوبر 2004م الموافق 09 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً