العدد 2806 - الأربعاء 12 مايو 2010م الموافق 27 جمادى الأولى 1431هـ

إخوة الغياب...!

راس الخيمة – عبدالله السبب 

12 مايو 2010

فريد رمضان ...

مثال حي وحيوي على أصالة المعدن وصدق المبدأ، وعلى أن الدنيا مازالت بخير وعافية، وأن «البحرين» صافية بقلوب أبنائها الذين يحسنون وفادة القادمين إليها وقتما شاءوا وكيفما جاءوا... حتى ولو لم يكن ثمة لقاء مسبق طيلة فترة عمرهم الذي مضى في حقبة ذهبت في حال سبيلها من قبل أن يلتقيان فيما بعد، حتى وإن كان اللقاء بهواتفهم النقالة أو عبر البريد الإلكتروني الذي يصلك بالعالم دون دفع قيمة تذكر سفر لأجل هذا...

هذا المبدع الذي يكبر في القلب يوماً بعد يوم، ويزيد من رصيده في أعين المعنيين بعلاقة جامعة له وإياهم في سفينة واحدة توحّد أحلامهم بسلامة من مغبّات البحر والحرب...

هذا النبيل الذي يجلس معك في منتصف الأسبوع الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2009، تاركاً «أمه» الفاضلة «عافاها الله» في معية الله رفقة آلامها وآمالها...

هذا الذي كلما أطللت عليه أو أطل عليك من ثقوب الهاتف الجوال، كلما فرش لك قلبه بالورد والود والوداعة والوعود الصادقة، بعدم تخليه عن مبادئه التي جبل عليها واستمسك بحبلها... دون أن يمس ذلك طرف علاقته بالأشياء والأنفاس التي تشترك معه في هواء الحياة وماء الكتابة والإبداع...

هذا الذي تحركت إليه في صبيحة يوم الإثنين 29/04/2010 برسالة نصية أطمئن عبرها على صحته الأخيرة وعلى جديد حراكه الإبداعي وأحمله سلاماً إلى والدته الفاضلة... فيجيبني في تمام الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق من ظهيرة ذات اليوم برسالة كبيرة هذا نصها: (تسلم عزيزي عبد الله. أنا بخير ولكن حزين لأننا ودّعنا اليوم صديقنا الكاتب «محمد البنكي»)...!!

محمد البنكي ...

هذا الذي لا يعرفني ولا أعرفه... هذا الذي لا أدعي معرفتي به بالكيفية التي أرغب وبالقدر الذي أستطيع أن أصف، هو ذاته الذي تشرفني معرفته التي جاءت متأخرة عن موعدها المحتوم، وفي صورة غير التي أرغب... وهذا شأننا حين لا نلتقي بإخوتنا الذين نشاطرهم أرغفة الحب ومحرقة الإبداع الذي ندرك من خلاله حقيقة الأشياء التي تحيط بنا من كل حدب وصوب، ودواخل الأسماء التي تقاسمنا مقتنيات الحياة، الملموس منها والمحسوس...

رجل ننتمي وإياه إلى النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين...

رجل رحل بفعل فاعل سرطاني خبيث... لا يدعك تمضي في حال سبيلك في دنياك هذه سليماً معافى، في بدنك وروحك ورواحك، وبعيداً عن مفاوضات لا طائل منها مع منغصات الحياة التي زاد أوارها في هذا الوقت من الزمن الحالي... ولا يدع لك فرصة استجماع قواك أو قراراتك تجاه نفسك أو تجاه المحيط الذي أنت فيه أشبه ما تكون بعابر سبيل، شئت أم أبيت...

محمد البنكي...

رجل رحل إلى الله، تماماً كرحيل الشاعر الإماراتي «خليفة محمد خليفة المر (رحمه الله)» في نفس هذا الشهر من العام 1992... دون أن نراه أو نلتقي به، إلا من خلال صحيفة «البيان» الإماراتية التي كنا في معيتها منذ أواسط ثمانينيات قرن مضى في حال سبيله، ومن خلال نشرة رؤى الأدبية التي أسسها الشاعر والسينمائي الإماراتي مسعود أمر الله في العام 1990...

الرحيل هو الرحيل، والحزن هو الحزن، والنقيون هم الخالدون في حياة الناس...

رحمك الله يا محمد، يا خليفة، يا كل الجميلين الذين ذهبوا دون أن نتمكن من إلقاء تحية الوداع على أرواحهم الطاهرة... في لحظة ما، في ليلة ما، وفي مكان ما... ينبض بالبياض من أنفاس الناس وهمساتهم...

***

«ســـفـر»:

إلى الراحل «خليفة محمد خليفة»: عازف... على سعف النخيل...!!

إلى الراحل «محمد البنكي»: عازف... عن الحلم النحيل...!!

إلى كل الخيول التي رحلت دون صهيل...!!

أيها الأنت...

يا قِبلة الشعر... يا قُبلة المطر

أنت...

يا سدرة العشق... يا سنبلة النهار

يا نطفة الشمس... يا تعويذة النبلاء

أنت،

يا ذا البهاء والإقدام...

لا تغادر،

دون أن نرانا أو نسمعنا

ودون أن نتوافد إلى أنفاسنا المسدلة

لا تغادر...

دون أن نسترق الخوض

في غمار صمت

مترع

باحتضارات ومحن

لا تغادر دمي سريعاً

أيها المغدور في دمه

لا تغادر...

أيها المسكون

بانهيارات

وأنهار مسرطنة

أنت...

أيها الطافح أبداً

بابتهالات وبِيَع...

لا تغادر...

دون أن نبايعنا

أو نهامسنا

ودون أن نتناول

احتراقاتنا المشهرة

لا تغادر...

فثمة حلم،

لم ترتده بيارق الغثيان

لا تغادر...

فالرحمة،

سيدة الوقت...

والصبر،

قطيع أشرعة للسفر...

العدد 2806 - الأربعاء 12 مايو 2010م الموافق 27 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً