العدد 2807 - الخميس 13 مايو 2010م الموافق 28 جمادى الأولى 1431هـ

نهضة أوروبا بين دنيا الدين ودين الدولة (4)

محمد خاتمي comments [at] alwasatnews.com

كانت سلطة الملوك تبدو ضرورية للحيلولة دون أن يؤدي هذا التنازع إلى حل الكيانات السياسة وتفتيتها. ومن هذا المنطلق اتجهت حركة التاريخ إلى الفكرة القومية أو تشكيل كتل مستقلة، أو شعوب بالمعنى السياسي الحديث للكلمة.

لقد أدى تفتح الروح الوطنية وتعاظم الدور الذي أخذ الملوك يضطلعون به، باعتبار كل واحد منهم ممثلا لـ الشعب الذي يملك عليه، ورمزاً لاتحاد المجتمع - أدى إلى رفد ما اشتهر فيما بعد تحت اسم القومية بعناصر القوة والمشروعية، بحيث لم يعد من سبيل أمام مختلف قوى المجتمع في كل ناحية سوى الالتحاق بهذه النزعة، ومن هذه القوى التيارات الدينية التي كان انفصالها إلى كاثوليكية وبروتستانتية قد تكرس.

ومع أن هدف دعوة الإصلاح لم يكن في حال من الأحوال إيجاد نظام حكم مطلق، فإن الملكية على مدار أوروبا كانت الرابح الأكبر من النزاعات التي شهدتها الكنيسة.

لقد كان لحركة الإصلاح الديني تأثير كبير في كسر هيمنة المنظومة الدينية السائدة، بما في ذلك خلفياتها الأخلاقية والسلوكية، وفي تحرير المجتمع من التسليم تسليما مطلقا بالمرجعية البابوية. وعلى نحو ما، ورغم ما استفادته السلطات الملكية في مرحلة أولى، فلقد أسهمت حركة الإصلاح، على المستوى التاريخي، في إضعاف القوتين الحاكمتين على المجتمع، الدولة والدين، اللتين كانتا تتحركان إحداهما بموازاة الأخرى، وتؤيدان على نحو ما النظام القائم. وهذا جميعا خليق بأن يعد منعطفا حاسما على مستوى التطور السياسي، كما على مستوى التطور العام إجمالا. غير انه لابد، وقبل التقدم في موضوع بحثنا ، من التنبيه على أن حركة الإصلاح الديني لم تكن كتلة واحدة بل يمكن توزيعها على ثلاثة تيارات: أولا، تيار يميني محافظ، ثانيا، تيار متطرف يطالب إلى الإصلاحات الدينية، بإصلاحات اجتماعية واقتصادية والحاق الهزيمة بالنظام الطبقي، وتمثل هذا التيار الحركة المعمدانية وثورة الفلاحين في العام 1525. ثالثا، التيار المعتدل الوسط بين التيارين الآنفي الذكر، والذي يعتبر لوثر وكالفن من قادته، وهو التيار الذي كتب له الانتشار الأوسع والتأثير الأعمق، لاسيما جناحه اللوثري.

واجهت الملكية في حرب المصير هذه ثلاثة منافسين: الكنيسة، والإقطاع، والحركات الدينية والشعبية المتشددة، لكن الفوضى والدمار الناتجين عن الاضطرابات والتمردات والصراعات الدينية أرهقت الناس، ووجد الجميع انفسهم يطمحون إلى نظام قوي ذي دور مؤثر ومحوري في المجتمع، يهب الناس الدعة والاطمئنان. وباعتبار أن الملكية كانت أيام ذاك حاضنة المثقفين والمصلحين المعتدلين، ونصير طبقة أهل المدن (البرجوازية) في صراعها مع خصميها (الكنيسة والإقطاع)، فلقد تألق نجمها وبدت كأنها الطريق المفضي إلى الليبرالية في أعين كثيرة.

في هذه الظروف، برز ماكيافللي وأمكنه، بفضل مواهبه الذاتية، أن يكون لسان حال الصفوة غير الدينية الصادق، مما يتيح اعتباره الممثل البارز لتيار النهضة الحديثة في ساحة السياسة.

والمهم، لفهم أفكار هذا الكاتب السياسي، ملاحظة وضع إيطاليا الخاص، مسقط رأس ماكيافللي ومسرى نشأته، والتنبيه على الأوضاع والأحوال العامة لتلك الفترة عامة.

كانت إيطاليا تعيش توترات حادة للغاية عهد ماكيافللي. فعندما كان هذا السياسي، الكاتب البارع، يسجل آراءه في السياسة، كانت إيطاليا تتألف من خمس حكومات مستقلة هي: مملكة نابلولي في الجنوب، إمارة ميلان في الشمال الغربي، جمهورية الأشراف في الشمال الشرقي، جمهورية فلورنسا، دولة الفاتيكان.

وكان لتوزع البلاد على هذا النحو، وإلى غياب القوة الموحدة، أن صار شعبها عرضة لأنواع الظلم والذل من جهة، ولاعتداء الفرنسيين والإسبان والألمان من جهة أخرى.

هذا ما كانت عليه إيطاليا في ذلك الحين. وفي ظل هذه الأوضاع المضطربة كتب ماكيافللي، وفي الطليعة من كتاباته «الأمير» الذي يعنى، على مدار فصوله الستة والعشرين، بإثبات ضرورة الإمارة باعتبارها حجر الزاوية من أي مجتمع سياسي و»المقالات» الذي يعنى بموضوع الجمهورية. ومن المفيد، تحاشيا لأي لغط، تدارك الالتباس الذي قد يفضي إليه عنوانا هذين الكتابين بسبب من تعارضهما في مصطلحنا الحديث - تداركه بالإشارة إلى أن مدارهما أولا وآخرا على السياسة بمعناها الواسع.

فرغم أن ماكيافللي يبدو في «الأمير» أميل إلى قيام نظام ملكي قوي منه في «المقالات»، فإن هذا الميل له ما يفسره من الظروف الخاصة التي وضع «الأمير» في ظلها، والتي لا عبرة من التوسع في استعراضها ههنا طالما أن هذا الميل لا يلحق بأصل رأيه في السياسة.

فرغ ماكيافللي من كتابة «الأمير» أواخر العام 1513، في حين استكمل «المقالات»، الذي كان قد بدأ بكتابته قبل «الأمير»، بعد الفراغ من هذا الأخير بقليل. ويبدو أن الظروف الخاصة المشار إليها أعلاه، والتي كانت السبب لان يترك ماكيافللي كتاب «المقالات» معلقا لفترة، هو استيلاء أسرة مديتشي على السلطة، ورغبته في وضع كتاب يرضي السلطة الحاكمة ويشتمل على آرائه الأساسية أيضاً.

إقرأ أيضا لـ "محمد خاتمي "

العدد 2807 - الخميس 13 مايو 2010م الموافق 28 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:35 ص

      انه احب كتابات خاتمي لانه معتدل ومع الانفتاح.

      وكل انسان حر لازم يعني يمشي وراكم؟

    • زائر 2 | 4:46 ص

      زائر واحد

      وايد مغتر بإيران يبه لك ون وي تكيت لإيران حق تتعرف أكثر على نهضة الثورة الإسلامية في إيران.

    • زائر 1 | 2:52 ص

      لماذا اوربا؟؟

      السيد خاتمي صباحك خير
      ابرك لك ياسيد ان تكتب مقالاتك عن النهضة الايرانية الواعدة.النهضة على الظلم والثورة على الجهل.التقدم العلمي الملموس والمشاهد في ايران.اكتب ياسيد عن مفجر الثورة الاسلامية في ايران الامام الخميني قدس سره.حلل ياسيد لماذا اغلب الحكومات العربية تعادي ايران،نريد ان نعرف منك هل هذا العداء طائفي مذهبي ام عداء مصالح ونفوذ؟؟
      ياسيد تكتب عن اوربا البعيدة عنا والظالمة لنا والسارقة لقوتنا،لكناا نريدك ان تكتب عن قريبنا وجارنا،لا ان تهرب الى الامام،لديك ثورة عالمية اسلامية اكتب عنها.

اقرأ ايضاً