العدد 788 - الإثنين 01 نوفمبر 2004م الموافق 18 رمضان 1425هـ

أميركا «الثورية»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الآن يمكن القول ان استطلاعات الرأي انتهى دورها ليبدأ العد الحقيقي للأصوات وسنعرف لاحقاً كيف فرزت الأصوات ولمصلحة من صوتت الاقليات الأميركية (العرب، المسلمون، اليهود، السود والهاسبانكس) وما هي الاستقطابات التي حققها كل حزب في مجموع الولايات؟

الا ان الانتظار لا يمنع التفكير بالمستقبل ولا تحليل النتائج قبل صدورها. فهذه الانتخابات تعتبر حاسمة في تاريخ أميركا المعاصر لانها الأولى من نوعها التي وضعت أمام الناخب قضايا الأمن والارهاب والتخويف من الآخر (الغريب) على رأس جدول الاهتمامات.

حملة بوش قلبت الأولويات وبدلت الاهتمامات بينما فشلت الحملة المضادة في تدوير القضايا وإعادة الانتباه الى النقاط الساخنة التي تهم عادة الناخب الأميركي. هذا الانقلاب في التعاطي مع المسائل الحيوية يشير الى وجود تحولات داخلية في ترتيب العلاقات بين الإدارة المركزية (واشنطن) ومصالح الولايات التي تكون عادة غير منسجمة ولا تتفق دائماً على جدول اعمال يوحد المشاعر الوطنية مع الخصوصيات الاقتصادية.

هذا التحول يجب ملاحظته لأنه في النهاية يعكس نهوض تكتلات اقتصادية جديدة لا تتوافق مع التاريخ الأميركي المعاصر. فالولايات المتحدة الآن هي غير تلك التي قدمت نفسها للعالم بعد الحرب العالمية الأولى، ثم أعادت تقديم نفسها بعد الحرب العالمية الثانية، وهي أيضا غير تلك الدولة التي قادت الهجوم ضد الاتحاد السوفياتي في فترة «الحرب الباردة».

نحن الآن أمام أميركا جديدة في عقليتها وإدارتها وسياستها واقتصادها واجتماعها وذهنيتها وهويتها وهي بالتالي مختلفة كثيراً في دبلوماسيتها ولغتها وخطابها عن الفترة التي ظهرت بها في مرحلة «الحرب الباردة». أميركا الآن لم تعد تقليدية ومحافظة وتحترم ثقافات الشعوب ومصالح الدول وسيادتها. وأميركا الآن لم تعد تقبل بما يتوافق عليه بين الأمم والشعوب والدول. أميركا اصبحت «ثورية» في معنى من المعاني التي يطرحها خطاب ما يسمى بتيار «المحافظين الجدد» الذي يسيطر الآن على السياسة الخارجية. والثورية لا تعني بالضرورة تلك الأفكار اليسارية بل هي ثورية في المعنى اليميني المتطرف. واليمين المتطرف لا يقل خطورة عن اليسار المتطرف لأنه يتفق معه في مسألة واحدة وهي: النزوع نحو الايديولوجيا في اعتبار ان الافكار المسلحة بالقوة العسكرية تغير الواقع وتعدل الكثير من الوقائع.

أميركا الثورية (المحافظون الجدد) هو العنوان الذي سيقود استراتيجية جورج بوش في حال أعلن غداً فوزه في الانتخابات، وهذه الثورية لا تعني سوى الاستقواء بالفوز الأميركي لتدشين سلسلة حروب يتوهم قادتها انها تختزل الزمن وتعدل الوقائع الميدانية من طريق القوة والعنف.

هذا التحول من المحافظة (سياسة مراعاة الأنظمة التقليدية) إلى الثورية (سياسة أصولية تسيطر عليها نزعة انجيلية) جاء بعد تحولات دولية كبرى بدأت في تسعينات القرن الماضي وهي انهيار الاتحاد السوفياتي (القوة المنافسة) وصعود الاتحاد الأوروبي (القوة الجديدة) وبروز الصين في اقصى الشرق كمنافس اقتصادي محتمل على الصعيد الدولي. وترافقت مع هذه التحولات الخارجية (الموضوعية) تغيرات داخلية بدأت في ستينات القرن الماضي حين نمت الصناعات العسكرية بطريقة جنونية (موازنة الدفاع) واتسع استهلاك السوق الداخلية للنفط مقابل تقلص القدرات الانتاجية على تلبية فاتورة الطاقة.

أسهمت التغيرات الداخلية في تكوين طبقة سياسية (ايديولوجية ثورية) تعكس رغبات السوق المحلية وتلبي حاجاتها نحو الطاقة والبحث عنها في الخارج اعتمادا على تعذية نزعة التوسع والحروب الدائمة. وهذه الطبقة السياسية وجدت في عائلة بوش (الاب والابن) الوعاء الفارغ الذي يمكن تعبئة طموحاته من خلال استعداده الدائم نحو الخضوع لتوجيهات تلك الكتلة الايديولوجية الثورية (الاصولية المسيحية) التي تكره الانظمة التقليدية وتعادي الاسلام وتكره العرب.

التقت كل تلك التحولات الخارجية والتغيرات الداخلية على مصادفة تاريخية - جغرافية وهي ان معظم احتياط الطاقة العالمي (الغاز والنفط) يقع في ذاك الشريط من الدول العربية والمسلمة الممتدة من غرب الهند الى غرب افريقيا. وهذه المصادفة وفرت الاسباب الاقتصادية والاستراتيجية لذاك العداء الايديولوجي (الديني) للعرب والمسلمين. وما شهدناه في السنوات الأربع الماضية هو عينة لما سنشهده في السنوات الأربع المقبلة في حال جددت ولاية بوش.

غداً ستعلن النتائج وفي حال سقط بوش تكون أميركا قررت تأجيل معركتها الحاسمة أو على الأقل قررت عقلنة المشروع الايديولوجي وتطعيمه بقليل من الواقعية والانسانية من خلال المصالحة مع العالم

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 788 - الإثنين 01 نوفمبر 2004م الموافق 18 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً