العدد 788 - الإثنين 01 نوفمبر 2004م الموافق 18 رمضان 1425هـ

ليبرالية الغرب التعسفية تحت المجهر!

القلوب «الديمقراطية» لاترق للفلسطينيين

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

غريب أمر هذا الغرب الليبرالي الحر الرافض للديكتاتورية وحكم الفرد والرأي الواحد! خصوصا عندما يتعلق الأمر بما لا ينسجم مع معاييره وقياساته التي اعتاد عليها.

يقولون لتركيا انك لا تستطيعين الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي اذا لم تتخلي عن قانون تجريم الزنى في بلادك.

ويقولون لإيران إنك لا تستطيعين ان تنتجي الطاقة الكهربائية بواسطة علوم الذرة وتكنولوجيتها المتقدمة ما لم تأخذي هذه العلوم كبضاعة مستوردة من بلاد المجتمعات الحرة! بحجة انها دولة غير ديمقراطية - طبعا على المذهب الليبرالي الغربي - وبالتالي يخاف منها ان تخرج على النادي النووي الاحتكاري.

ويقولون للفلسطينيين انكم لا يحق لكم العيش في اطار دولة ووطن معترف به ما لم تقبلوا وتقروا باغتصاب جماعات مستوردة وطارئة على بلادكم يقال انها عندما قدمت إلى فلسطين جاءت الى ارض ليس فيها شعب! وبالتالي ينبغي التعايش مع غاصبي بلادكم ويقولون لكل صاحب ايديولوجيا أو دين أو عقيدة إن عليك ان تنسى كل ما تعتنقه لان عصر الايديولوجيات والاديان والعقائد قد انتهى وولى إلى غير رجعة، بل ان التاريخ قد وصل إلى نهايته ولم يبق في الدنيا غير المذهب الليبرالي الغربي ايديولوجية وديناً وعقيدة وحيدة لا تقبل الجدل والنقاش بشأن اصولها ولا فروعها!

بل إن الامر ذهب بهم أخيراً إلى عدم تحملهم لأي رأي او وجهة نظر متمايزة بعض الشيء عن بعض مبادئ هذا الدين العالمي الأوحد، حتى لو صدرت عن عنصر أو فرد من داخل مجتمعهم أو قلعتهم الايديولوجية المحصنة كما حصل أخيراً مع احد نواب البرلمان الاوروبي من ايطاليا عندما اوقفوا اعتماد تمثيله الى حين تراجعه عن رأيه المعارض للمثلية الجنسية ودور المرأة في اطار الاسرة على رغم ان الدين العالمي الجديد الذي يروجون له يمنع اكراه اي فرد أو جماعة على عقيدة معينة!

غريب فعلاً أمر هذا الغرب المتعالي على الآخر من كل الاجناس والاعراق والمذاهب والاديان مهما تكن ضاربة جذورها في اعماق التاريخ والجغرافيا السياسية، كيف يسمح لنفسه ان يكون المعيار الاوحد والحاكم «الاحد»! على العالم برمته وهو الذي لا يعدو كونه سوى المولود الاخير من بين الحضارات المتعددة التي تشكل العالم الكبير المتنوع!

غريب فعلا أمر هذا الغرب الذي ما انفك يباهي العالم كله بدعوته للعدالة والسلام والدفاع عن حقوق الأمم والجماعات والافراد، وهو الذي لم يبد حرجا يوما بدعمه المطلق واللا محدود والسافر لدولة الارهاب المنظم المصممة على نفي واستئصال الشعب الفلسطيني المقهور والمظلوم من دون ان يرجف لها جفن أو تتردد في تشغيل ما كينة القتل والتدمير والابادة الجماعية امام الرأي العام العالمي وعلى الهواء مباشرة!

غريب أمر هذا الغرب المحموم بنداءات الديمقراطية المحمولة جواً وبراً وبحراً إلى الشعب العراقي المظلوم والمقهور، كيف يبرر لنفسه ذبح هذه الديمقراطية المصدرة والمعلبة الى الشرق الأوسط من خلال ماكينة القتل المتنقلة في كل ارجاء العراق، الشهيد والجريح وذلك في اطار دائرة من العنف الدموي المريع الذي يبقى هو المسئول الاهم عن وقوعها على رغم كل ما يحكى ويقال عن مسئولية خصومة واعدائه أو مقاوميه؟!

غريب أمر هذا الغرب الذي لا يتردد في توجيه النداءات التي تحذّر من الغش والتزوير والتضليل والفساد الاداري والمالي في بلدان يسميها ببلدان العالم الثالث المتخلفة، كيف يسمح لنفسه ان يمرر ويبرر ويسهل كل معاملات وممارسات وتداولات التزوير والخداع والتضليل والرشوة والمحسوبية والمنسوبية التي تجتاح شركات بلاده ودوائر سلطاته التي اخذت على عاتقها نقل الديمقراطية والنزاهة والعدالة الى الشرق الأوسط الكبير عبر بوابة العراق - كما يرد يوميا في تقارير إعلامه ودوائر مخابراته - مكتفيا بإشارات بائسة عن محاكمة هنا أو تحقيق هناك وكأن ما جرى أو يجري ليس سوى اكتشاف تفاحة واحدة فاسدة في البضاعة الكلية! بينما الواقع يشير إلى عكس ذلك كما يقول الملياردير الاميركي جورج سيروس الشهير؟!.

غريب أمر هذا الغرب النرجسي والشفاف والمهذب والمسالم كيف لا يرتد له جفن وهو يشاهد قوافل الشهداء العراقيين والفلسطينيين يسقطون يوميا أمام آلة القتل والدمار الاسرائيلية الاميركية من دون دفاع يذكر إلا بلحمهم العاري، بينما يقيم الدنيا ولا يقعدها عندما يقتل أو يختطف انجليزي أو اميركي أو ياباني واحد علما بأن فلسطين كلها مختطفة منذ نحو نصف قرن فيما العراق مختطف منذ نحو سنة ونصف السنة؟!

غريب أمر هذا الغرب الليبرالي المعتدل كيف يسوغ لنفسه اتهام الآخرين ولا سيما العرب والمسلمين هكذا وبالجملة بالارهاب والتطرف وشهوة القتل انطلاقا من كون بعض العمليات الاخيرة كان يقودها عرب أو مسلمون، فيما هو يمارس أقسى درجات الترويج للارهاب والعنف والقتل وحسم النزاعات بالقوة المسلحة منذ اكثر من خمسين عاما على الأقل في بلداننا وعلى رغم ذلك يصبح هو الداعية إلى السلام فيما نحن دعاة الارهاب والعنف بالجملة والمفرق؟!

غريب أمر هذا الغرب المدعي كيف يسمح لنفسه ان يفرض كل ما يراه هو صحيحاً ومناسباً وحكماً نهائياً على الحوادث والوقائع والمقولات والقيم والمصطلحات بقوة ميزان القوى المائل إلى صالحه ويمارس بشكل عملي وملموس حل النزاعات كافة في بلاد العالم المختلفة بالذخيرة الحية، ثم يطلق على نفسه رجل السلام والاعتدال، فيما نحن المقهورين والمظلومين الذين لانكاد نقدر على الصراخ ورفع صوت المعارضة على ما يجري بحق مصائرنا ومقدرات بلداننا، يحكم علينا بتهمة السعي لامتلاك اسلحة الدمار الشامل! والتحريض على العنف! ووجود النية لابادة الآخر واستئصاله؟!

غريب أمر هذا الغرب صاحب الدين العالمي الاوحد الذي لا راد لحكمه كيف يصبح هو البريء المعتدى عليه على رغم تلبسه بالجرم المشهود يوميا على الهواء مباشرة فيما نحن المجرمين والمطلوبين الأوائل بحجة حملنا لنوايا سيئة

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 788 - الإثنين 01 نوفمبر 2004م الموافق 18 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً