العدد 789 - الثلثاء 02 نوفمبر 2004م الموافق 19 رمضان 1425هـ

القاسم المشترك بين قاتل الإمام علي (ع) وقاتل غاندي

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

كلما تعمقت في القراءات الفكرية للوسطية في الاسلام ازددت قناعة بأنها الأمثل في الاستقامة والأصعب في الممارسة، فمن السهل أن يصبح الإنسان متطرفاً يصارع حتى الثيران والجدران، ومن السهل أن يصبح هابطاً ممسوخاً يمارس دور حملة البخور، لكن من الصعب أن يصبح متزناً. ما نحتاج اليه في حياتنا الثقافية والسياسية هو ثقافة الوسطية التي تعني الاعتدال.

ألا تصبح على مستوى الاسلام إسلامياً أشد من الاسلام وألا تكون على مستوى الشعب شعبياً أشد من الشعب فتغرقه في الوهم، وألا تكون حكومياً أشد من الحكومة فتكون الطريق الى غوايتها وفسادها.

على طريقة ذلك الشاعر الذي راح يغازل حكومة زمانه قائلا:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار

فاحكم فأنت الواحد القهار

فكأنما أنت الرسول محمد

وكأنما انصارك الأنصار

يذكر النابلسي في كتابه القيم «الشارع العربي» ص 106 «كان بعض أشياخ الأردن يقسمون بأنهم رأوا صورة صدام حسين مرسومة في وسط القمر في ليالي الصيف»، كذلك الأمر بالنسبة الى الوسطية في الدين. يجب الا نعقّد الدين وان نلزم الناس بأمور مختلف فيها لأن ذلك مدعاة لهروب الناس الى حيث الغلو للضفة الأخرى.

عندما كنا ندرس في إيران... بدأ جمع من الشباب المؤمن بحركة غريبة على المجتمع فابتدعوا طريقة للدخول الى ضريح الامام الخميني (رحمه الله) فعندما يريدون الدخول يبدأون بالدخول زحفاً على بطونهم إلى أن يصلوا. أوقفوا وسئلوا: لماذا تقومون بذلك؟ فقالوا: مبالغة في الاحترام والتقدير فخرج على اثر ذلك بيان لاحد الفقهاء يمنعهم عن الأمر لأن الاسلام ليس موقعا للاجتهاد الشخصي والاستمزاجات.

وهذا الأمر يقودني أيضاً الى قصة وقعت في الجزائر يذكرها هويدي في كتابه «التدين المنقوص»، اذ يذكر أن جماعة من الشباب المتدين أرادوا أن يبنوا جامعاً فجاءوا بناقة واطلقوها فلما استقرت وجثمت على الأرض حددوا الأرض التي سيبنى عليها المسجد. يريدون بذلك أن يسقطوا الواقعة التاريخية لرسول الله (ص) على واقعهم الحالي.

ما أريد أن أقوله إنه ليس لأحد أن يجتهد في نشر «الاحتياطات» الشخصية ما دام ليس فقيهاً، فالفقيه وحده هو الذي له حق الافتاء ومقلدوه هم وحدهم ملزمون بفتاواه. في أحد كتب الجامعة درسنا أن بعضاً من طلبة الفقه المبتدئين قاموا بتحريم لبس المرأة الذهب واستدلوا بأحاديث مرسلة وبعضها موضوعة. من يطلق لنفسه العنان ينسى نفسه فيحرم حتى ما أحله الله وقد يقع في اشكالية أن يحلل ما حرمه الله. إذاً التطرف الثقافي يؤدي الى التطرف السياسي. الاسلام واضح والفقهاء قدموا فتاواهم وليس لاحد غيرهم أن يلزم الناس على طريقة «إسلامي أشد من الاسلام». يقول الامام محمد الغزالي في كتاب «الاسلاميون حوارات حول المستقبل» لمؤلفه عمرو عبدالسميع ص 29 «في يوم من الايام تبرعت بمبلغ من مالي الخاص الى ضحايا احداث ديروط من المسلمين والاقباط، فجاء الى منزلي أحد المتطرفين يلبس سروالا باكستانيا - على طريقتهم - ليحتج، فرفضت استقباله وطردته، هذا مالي وتبرعت به لله فما دخله؟ كان كطفل غبي عنيد، يريد أن يسيطر على أبويه».

يخبرنا التاريخ أن المهاتما غاندي محرر الهند من الاستعمار الانجليزي قتل على يد متطرف هندوسي... ما الغريب في الأمر؟ فالإمام علي بن أبي طالب (ع) قتل على يد متطرف يدعي الاسلام هو عبدالرحمن بن ملجم الذي قال وهو يشير إلى الامام علي «لا تصلح الحياة الا بقتل هذا» وفعلا قتل الامام في ليلة القدر وكان يردد «تعمدت قتله ليلة القدر مبالغة في الثواب».

أعرف صديقاً عراقياً ألف كتباً ضد السيدمحمد باقر الحكيم وراح في بعض كتبه يتطرف فيلقي سهامه حتى على السيدمحسن الحكيم على أنه مرجع «صامت»، لكن بعد استشهاد السيدالحكيم تغير الحال، سألت عنه فقيل لي: لقد بكى على الحكيم وندم على كتبه، فقلت: تلك هي نهاية التطرف والغباء والجهل.

العظماء يبقون غرباء فاذا رحلوا امطرناهم دموعاً و«فواتح» و«قصائد مدح».

فعلاً كما قال هاني فحص «الدوس الأيديولوجي العالي يقود الى الزنا السياسي»، وأقول: وأحياناً الى التوبة (...)

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 789 - الثلثاء 02 نوفمبر 2004م الموافق 19 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً