العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ

الديمقراطية والفيدرالية

تقدم الديمقراطية والفيدرالية حلولا للمسائل المهمة التي يواجهها أي نظام سياسي وخصوصا إذا تعددت القوميات في بلد ما أو اتسعت رقعة أراضيه. وتحددان سلميا من خلال الانتخابات من الذين سيحكمون كما تضفيان المشروعية على القرارات التي يتخذونها. والعوامل التي تشجع على هذا الاعتقاد، هي: حقوق الانتخاب والوصول إلى صناديق الاقتراع، والتي تتميز بشموليتها أكثر مما تتميز بالحصرية، ومبدأ مساواة الأصوات بحيث لا يكون لصوت تأثير يفوق تأثير صوت آخر، ونتائج انتخابات تقررها قواعد موضوعة سلفا. وكانت هذه المعايير للانتخابات الحرة والنزيهة متطورة خلال مراحل التاريخ السياسي الأميركي. وعكس تطورها تجربة كل جيل في التعامل مع طبيعة المجتمع السياسي الأميركي، والمدى المسموح به للمعارضة القانونية، والتمثيل في الولايات، وهيكلة الانتخابات وإدارتها.

أ- خصوصية الديمقراطية الأميركية

بعد إعلان استقلال الولايات المتحدة الصادر العام 1776 جوهر نظرية الديمقراطية بإشارته إلى «حكومات... تستمد سلطتها العادلة من رضى المحكومين»، وبعد سبعة وثمانين عاما من ذلك، عندما كانت الولايات الأميركية تخوض حربا أهلية فيها، وذلك بعد رفض 11 ولاية منها نتيجة انتخابات العام ،1860 أعاد الرئيس ابراهام لينكولن طرح مبدأ الرضى بقوله «حكومة من الشعب، يختارها الشعب، من أجل الشعب». ومهما يكن صوغه، فإن هذا المبدأ الأساسي يستلزم نظام انتخابات، أي نظام «الاعتماد على الشعب».

ب- نظام الولايات الفيدرالي

النظام الفيدرالي أو الفيدرالية هو نظام توزيع الصلاحيات بين حكومتين أو أكثر تمارسان السلطة على مجموعة الناس نفسها وعلى الإقليم الجغرافي ذاته. إن أنظمة الحكم الأحادي، وهي الأكثر شيوعا في العالم، لديها مصدر واحد للسلطة هو الحكومة المركزية أو الحكومة القومية «حكومة البلاد». ومع أن الديمقراطية يمكن أن تزدهر في ظل أي من نظامي الحكم، فإن الفارق بين شكلي الحكومات هو فارق حقيقي ومهم. فبريطانيا العظمى، مثلا، لديها حكم أحادي، ويتمتع برلمانها بالسلطة العليا فيما يخص كل الأمور التي تحصل داخل المملكة المتحدة، وحتى إذا فوض بعض الصلاحيات لهيئات أخرى في الشئون المحلية، باستطاعة البرلمان أن يفرض على البلدات والمدن أو المقاطعات كل ما يراه مناسبا. أما في الولايات المتحدة فالوضع مختلف تماما. فقوانين الحكومة القومية، ومقرها في واشنطن العاصمة، تطبق على أي فرد يعيش في داخل حدود البلاد، في حين تطبق قوانين حكومات كل من الولايات الخمسين على الناس المقيمين في تلك الولايات فقط. وبموجب الدستور الأميركي فإن الكونغرس لا يتمتع بسلطة إلغاء ولاية ما ولا يجوز لأية ولاية أن تتولى أي سلطة هي من صلاحيات الحكومة الفيدرالية وحدها. الدستور الأميركي هو في الواقع مصدر السلطات لكل من الحكومة القومية وحكومات الولايات. وهذه الوثيقة تعكس بدورها إرادة الشعب الأميركي التي تشكل السلطة العليا في أي نظام ديمقراطي. في الدولة الفيدرالية تتمتع الحكومة المركزية بصلاحيات محددة وتكون لها سيطرة تامة على الشئون الخارجية. أما ممارسة السلطة في الشئون الداخلية فهي أمر أكثر تعقيدا. وبموجب الدستور تتمتع حكومة الولايات المتحدة بالصلاحية الحصرية لتنظيم التجارة بين الولايات والتجارة الخارجية، ولسك النقود، ومنح الجنسية للمهاجرين، وتشكيل قوات برية أو بحرية، وأمور أخرى. والولايات المتحدة تضمن لكل من الولايات أن تكون لديها حكومة ذات نظام جمهوري، ما يضمن ألا تعمد أية ولاية إلى إقامة حكم غير ذلك. هذه المجالات هي مجالات من الواضح أن مصلحة البلاد ككل تتقدم فيها على مصالح كل من الولايات منفردة، ولذلك كان من الصحيح الاحتفاظ بها للحكومة القومية، وللحكومة القومية كذلك سلطة قضائية لحل الخلافات بين ولايتين أو أكثر، وبين مواطني ولايات مختلفة.

ج- التركيب السكاني»أكثرية/أقلية»

إذا كانت «الديمقراطية» تعني حكم الأكثرية، فإنه تبقى كيفية معاملة الأقليات من أهم مشكلاتها. نعني بالأقليات أولئك الذين يختلفون بصورة جلية عن الأكثرية بسبب العرق أو الدين أو الأصل الاثني. المشكلة الكبرى في الولايات المتحدة هي مشكلة العرق، فلم يتم تحرير السود إلا بحرب أهلية دموية. قبل ذلك كان السود والهنود الحمر ممنوعين من الانتخاب عموما. وما ان صمتت المدافع في العام 1865 بشرت ثلاثة تعديلات للدستور بحصول تغييرات كبيرة في مفهوم المجتمع السياسي الأميركي، أولئك الذين يحق لهم الانتخاب والذين يحق لهم أن يترشحوا لمناصب عامة. فقد ألغى التعديل الثالث عشر»1865» الرق. وأعلن التعديل الرابع عشر»1868» «أن جميع الأفراد المولودين في الولايات المتحدة والمتجنسين بجنسيتها الخاضعين لسلطتها يعتبرون من مواطنيها ومواطني الولايات التي يقيمون فيها». وبذلك أصبح دستوريا أمر تحديد المواطنية بالنسبة إلى البلاد عامة كما للولايات لأول مرة. وأعلن التعديل أيضا أنه «لا يجوز لأية ولاية أن تحرم أي فرد ضمن نطاق صلاحيتها من الحماية المتساوية للقوانين». أما التعديل الخامس عشر «1870» فألغى العرق معيارا للتصويت. على رغم ذلك، كانت نسبة المسجلين من السود في لوائح الناخبين في الجنوب في بداية ستينات القرن العشرين لا تتجاوز الربع أما نسبة الإقبال الفعلية على الاقتراع فكانت أقل من ذلك بكثير. أدى العمل على جبهتين إلى حصول تغييرات مذهلة في غضون عقد من الزمن جعلت نسب الاقتراع لدى السود تقارب نسب الاقتراع لدى البيض.أولا: جاءت الهجمات الناجحة على ضريبة الرؤوس «أي التي يدفعها كل فرد يريد الاقتراع» التي كانت تثني الفقراء، ولاسيما السود عن التصويت. ثانيا: قانون حقوق الاقتراع للعام 1965 وهو أهم قانون يصدره الكونغرس الأميركي الذي ألغى كل الوسائل التي كانت تستخدم لجعل السود يمتنعون عن الاقتراع. ونتيجة تدابير مثل الإشراف الفيدرالي على الانتخابات وإلغاء امتحانات معرفة القراءة والكتابة تضاعف تسجيل السود في قوائم المقترعين. ومنح الهنود الحمر المواطنية وحق التصويت أيضا. أما فيما يختص بحق النساء في الاقتراع فقد سمح التعديل التاسع عشر للدستور للنساء في كل أنحاء البلاد بالاقتراع قبيل الانتخابات العامة التي جرت العام .1920 من ناحية أخرى، إذا توافرت لدى شخص ما شروط السن والإقامة والمواطنية يصبح له حق في أن يرشح نفسه لأي منصب. وحاولت الولايات المتحدة الثني عن الإفراط في عدد المرشحين والأحزاب. وإذ إن الأحزاب السياسية تجمع بين مصالح مختلفة وتوفق بينها فإن التقليد السياسي الأميركي يفضل أكثرية حاكمة مشكلة من ائتلافات ضمن الحزب لا أكثرية حاكمة تعتمد على ائتلافات بين الأحزاب. وهذا التفضيل هو لنظام يزيد من احتمال أن يكون الفائز في الانتخابات فاز بأكثرية الأصوات أو على الأقل بعدد كبير منها وهو هدف يقل احتمال تحقيقه بوجود عدد كبير من المرشحين والأحزاب.

د- انتخابات الكونغرس

لانتخابات الكونغرس أهمية قصوى بسبب الدور المركزي الذي يلعبه في عملية صنع القرار. فالنظام الأميركي على عكس النظام البرلماني يقوم على مبدأ فصل السلطات بين الكونغرس ورئيس الجمهورية. والكونغرس هو المسئول عن صوغ كل القوانين والموافقة عليها قبل أن يوقعها الرئيس «أو ينقضها ويردها». وكذلك على عكس النظام البرلماني فإن النظام الحزبي لا يتم التقيد به بصرامة في الغالب كما الحال في النظام البرلماني. إن إجراء انتخابات منفصلة ومستقلة لانتخاب الرئيس وانتخاب أعضاء الكونغرس يعني أنه من المحتمل جدا أن يسيطر أحد الحزبين الرئيسيين على الكونغرس بينما يفوز مرشح من الحزب الآخر برئاسة الجمهورية. لقد أصبح هذا النمط من الحكومة المقسمة، كما تسمى، أمرا شائعا، فخلال السنوات الأربع والعشرين الماضية سيطر حزبان مختلفان على مجلس النواب ورئاسة الجمهورية مدة 16 عاما، وحظي الجمهوريون بالغالبية في الكونغرس منذ العام .1994 وسيطروا كذلك على مجلس الشيوخ من الفترة الممتدة بين 1994 حتى 2000 أي خلال السنوات الست الأخيرة من عهدي الرئيس بيل كلينتون في الرئاسة. يحظى مجلس النواب ومجلس الشيوخ بسلطات متساوية تقريبا غير أن طريقة انتخابهما تختلف تماما. فقد أراد مؤسسو الجمهورية الأميركية لأعضاء مجلس النواب أن يكونوا أقرب الناس إلى عامة الناس بحيث يمكنهم أن يعكسوا رغباتهم وتطلعاتهم في سن القوانين بشكل أكثر صدقا. وعليه قرر المؤسسون أن يكون مجلس النواب كبيرا نسبيا وأن يجرى انتخابه أكثر مرارا»كل عامين». يمثل كل مقعد في مجلس النواب دائرة جغرافية، وينتخب كل عضو بالغالبية البسيطة في دائرة انتخابية. ولكل من الولايات الأميركية الخمسين مقعد مضمون واحد على الأقل في مجلس النواب بينما توزع بقية المقاعد على الولايات بحسب تعداد سكانها. وبالنسبة إلى مجلس الشيوخ فقد كان القصد الأصلي من تصميمه على هذه الشاكلة هو أن يمثل الولايات. وفعلا فقد كانت المجالس التشريعية في الولايات هي التي تنتخب أعضاء مجلس الشيوخ. وتقرر بعد ذلك أن يكون لكل ولاية عضوان ينتخب كل منهما لمدة ستة أعوام، أي أن ثلث أعضاء المجلس ينتخب كل عامين. وفي الواقع ينتخب عضو مجلس الشيوخ بالغالبية على أساس أن الولاية بكاملها تمثل دائرة انتخابية أحادية

العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:44 ص

      alwastnews

      wonderful news
      chang news
      deffirent writer
      develop changabl
      more news it best and useful

اقرأ ايضاً