العدد 793 - السبت 06 نوفمبر 2004م الموافق 23 رمضان 1425هـ

عروبتنا... بين صلاح الدين وروبي

منصورة عبد الأمير mansoora.amir [at] alwasatnews.com

من منا لم يشاهد رائعة المخرج مصطفى العقاد «أسد الصحراء» التي قدم فيها سيرة المناضل الليبي عمر المختار، ومن منا لم يعاود مشاهدة الفيلم أو بعض لقطاته مراراً وتكراراً، ومن منا لم تأخذه حوادث الفيلم ليعيش أجواء تلك الفترة المعتمة في حياة الشعب الليبي التي تمثل نقطة سوداء في تاريخ المستعمر الايطالي.

الفيلم عرض في مطلع الثمانينات أي منذ عقدين مضيا، وأراهن على أن تأثيره يظل واحداً على المشاهدين حتى يومنا هذا، مشاهدته جعلتنا جميعاً نؤمن بعدالة حركة عمر المختار ونضاله، ونكره المعتدي الايطالي، والفضل فيما كشفه العقاد من جرائم واعتداءات بحق الشعب الليبي، وما قدمه من صورة مشرفة لهذا الشيخ المجاهد الذي دفع حياته ثمناً لحرية شعبه.

عمر المختار هو واحد من مئات من النماذج المشرفة في تاريخنا العربي، وابراز هذه النماذج هو مهمة مقدسة أحسن العقاد استخدام وسيلة عرضها وتقديمها، إذ إنه نقل هذه الشخصية من بين صفحات التاريخ لتمثل أمامنا على الشاشة، وليكون المختار شخصية مجسدة نتعايش مع آلامها ونحمل همها وقضيتها بل ونقيس همومنا وقضايانا بما تحمله، وقد نمتثل مواقفها ونتبناها.

من كان يعرف عمر المختار لولا العقاد، من كان يسمع باسمه، من كان يعرف ما عاناه الشعب الليبي من وحشية وعجرفة المحتل، من كان يعرف ما قدمه هذا الشعب من شجاعة نادرة أجبرت المحتل على الخنوع لإرادته التي لم تعرف الخضوع حتى انسحاب آخر قوات الغزاة المعتدين من أراضي ليبيا، ما كنا لنعرف كل ذلك لولا رائعة العقاد.

العقاد لمس أثر فيلمه العظيم ذاك، وتأثيرات سابقه فيلم «الرسالة»، الذي قدمه بنسختين إحداهما إلى العالم العربي، والأخرى إلى اوروبا وأميركا والذي اعتبره الكثيرون نافذة أطل منها عدد من المهتمين بتراثنا الإسلامي على وقائع من حياة الرسول (ص). ولذلك أراد العقاد ان يعيد الكرة ويقدم صفحة مشرقة أخرى من صفحات تاريخنا فجاء بفكرة أخرى وبشخصية أخرى من تاريخنا الإسلامي العربي، هي شخصية صلاح الدين، إذ شاء أن يقدمه في فيلم يحمل الاسم نفسه «صلاح الدين» ويقدم من خلاله صورة من صور البطولة والشهامة العربيتين الإسلاميتين، لكن أحلامه التي أتمت عامها العشرين أو ما يزيد بقليل لم تجد لها أية صدى في نفس أي ممول عربي أو مسلم، وحين وجدت جاءت مشروطة بكثير من التنازلات التي أبى العقاد ان يقدمها لأي طرف أو جهة كانت.

نعم رفض العقاد أية تعديلات على نصه وعلى رؤيته التاريخية لأنه يعقد آمالاً كبيرة على هذا الفيلم، فهو فيلم أجنبي يحكي قصة بطولات وملاحم عربية وهو موجه إلى جمهور أجنبي لكنه يحمل رؤية عقائدية جديدة تستهدف تعريف الغرب بجزء من تاريخنا الحافل بالبطولات والإنجازات والمواقف المشرفة.

العقاد يؤمن بأهمية الفيلم ولذلك استغرق في حلمه عشرين عاماً، فهو يرى اننا بأمس الحاجة اليوم لأمثال صلاح الدين، لنواجه كثيراً من التحديات المحيطة بنا، تحديداً كما يقول فيما يتعلق بقضية القدس، التي يسعى من خلال فيلمه هذا الى تأريخها عربياً وإسلامياً، ليعرض ما فعله صلاح الدين من أجلها في مقابل ما فعلته يد أعدائه من الصليبيين في هذه الديار المقدسة.

العقاد يريد أن يثبت عروبة القدس لكنه يعجز عن إيجاد ممول يتفق معه في الأهداف والرؤى، في المقابل تصعقنا وكالات الأنباء منذ أسابيع مضت بإعلان فيلم يحكي «يوميات روبي»!، العمل على تصويره يجري على قدم وساق والممول موجود ولا شروط لديه، إذ يمكن لروبي أن تعرض فيه ما تشاء من مؤهلاتها الجسدية، وبعض الفضائيات تتنافس للحصول على حقوق عرض حصرية ليوميات روبي العربية!

العقاد يريد أن يقدم صورة لبطولات صلاح الدين ولجانب إنساني مشرف في تاريخنا، والممولون العرب يريدون أن يقدموا صورة من صور العري الفاحش والأخلاقيات الهابطة ليخبروا العالم أجمع بأننا قادرون على أن نفعل ما تفعلون، وننجز ما تنجزون في مجالات العري والفحش والانحطاط الأخلاقي

إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"

العدد 793 - السبت 06 نوفمبر 2004م الموافق 23 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:06 م

      رائف

      والله هذا من اروع التقارير اللي شفتها وياريت توصل للعالم كله

اقرأ ايضاً