العدد 793 - السبت 06 نوفمبر 2004م الموافق 23 رمضان 1425هـ

تجربة زايد في بناء الهوية

يوسف البنخليل comments [at] alwasatnews.com

برحيل الشيخ زايد طيّب الله ثراه يكون الفكر العروبي الإسلامي تعرض لانتكاسة جديدة، فقد حمل الرئيس الراحل فكراً قومياً عروبياً إسلامياً متقدماً لم يسعَ إلى التنظير فيه بقدر ما حرص واستطاع تحقيقه على أرض الواقع ليثبت قدرته على تطبيق الفكر ببراعة ويؤسس كياناً عربياً متحداً من سبعة كيانات كانت ضعيفة فأصبحت اليوم كياناً متحداً ومتطوراً يضاهي في تجربته التنموية الكثير من بلدان العالم.

تأملات كثيرة ودروس كثيرة يمكننا أن نتأملها اليوم برحيل الرئيس القائد، فالعارف في الشئون الإماراتية بإمكانه أن يشاهد أكثر من حال نمو مطّردة شهدها اتحاد الإمارات في عهد زايد (1971 - 2004). وأهم ما يمكننا تسليط الضوء عليه مسألة الهوية في تجربة اتحاد الإمارات، وهي باعتقادي تجربة مفيدة للغاية للمجتمع البحريني الذي مازال يعاني من أزمة في هويته وإشكالات متعددة مرتبطة بها.

ففي العام 1968 أعلنت بريطانيا رغبتها في الانسحاب من شرق سيناء بأقصى موعد في العام 1971 وترتب على ذلك ضرورة إعادة ترتيب الكيانات السياسية الناشئة في المنطقة بحيث تضمن أمن الخليج واستقراره. وسعت بريطانيا عن طريق الممثل الشخصي لوزير الخارجية البريطاني وليم لوس، وبلدان كثيرة مثل: السعودية والكويت المستقلة آنذاك والعراق ومصر إلى دعم جهود كل من: البحرين، قطر، أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة ورأس الخيمة لتشكيل كيان سياسي اتحادي بإمكانه الاستمرار، وعقدت آنذاك سلسلة مفاوضات ومباحثات لمناقشة مشروع الاتحاد التساعي.

إلا أن عمق الخلافات بين حكام هذه الإمارات بشأن 15 مسألة في مشروع الاتحاد حال دون تشكيل ذلك الاتحاد وأفشل الوساطات العربية والدولية من أجل إنجاح هذا المشروع. وظهر ذلك واضحاً في مؤتمر أبوظبي الذي عقد في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 1969.

بعد ذلك استقلت البحرين وأنشئت دولة الإمارات العربية المتحدة التي تكونت من ست إمارات فقط في العام 1971 وسط رفض إمارة رأس الخيمة الانضمام إلى الدولة الاتحادية الوليدة، ولكنها وسط ضغوط ووساطات تقدمت بطلب في 23 ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام للانضمام إلى الاتحاد ووافق عليها المجلس الأعلى لتنضم في 10 فبراير/ شباط 1972 وتكون الإمارة السابعة في الاتحاد.

ونظراً إلى قوة الانتماءات القبلية في المجتمع الإماراتي، استطاعت الدولة التقليل من حدة تلك الانتماءات لصالح الدولة الاتحادية. وفي العقدين الأول والثاني من عمر الاتحاد ظهرت انتماءات أخرى وهي انتماءات لصالح كل إمارة، فسكان الفجيرة يشعرون بأنهم ينتمون إلى إمارتهم أكثر من انتمائهم إلى الكيان الاتحادي، وهكذا في بقية الإمارات. والسبب في ذلك يعود إلى قيام كل إمارة فور الاستقلال بإنشاء مؤسساتها الحديثة وهي التي أتاحت الفرصة لمواطنيها بالانخراط والعمل فيها وساهمت في توزيع قدر مناسب من الثروة، ما زاد من ارتباطهم المكاني والإقليمي (أو ما يسمى هنا في البحرين بالمناطقية). ولكن هذه المساعي بتشكيل الحكومات المحلية خلق إشكالات أخرى، وهي حال من التناقض وأحياناً الصراع بين المؤسسات المحلية والاتحادية.

إلا أنه مع دخول العقد الأخير من القرن العشرين بدأت ملامح (الصراع المحلي الاتحادي) بالتراجع بعد المساعي التي بذلها الشيخ زايد طيّب الله ثراه من أجل تقوية دور المؤسسات الاتحادية أمام مؤسسات الحكم المحلي، وكان من أهم إنجازات هذه المساعي توحيد القوات المسلحة للدولة في التسعينات وإلغاء الجيوش الخاصة بكل إمارة في وقت استطاعت فيه الدولة الاتحادية تحقيق قدر معين من التنمية لجميع المواطنين بالثروة النفطية الضخمة التي تمتلكها.

ونتج عن تلك السياسات والتوجهات التي قام بها الرئيس الراحل طوال أكثر من ثلاثين عاماً خلق هوية وطنية لشعب الإمارات مصدرها العروبة والإسلام هي اليوم أكثر وضوحاً من ذي قبل تنتمي إلى الكيان الاتحادي قبل انتمائها إلى كيانات تقليدية.

وأعتقد أن النظام السياسي البحريني بحاجة ماسة اليوم إلى دراسة هذه التجربة في خلق الهوية الوطنية التي بدأت في الوقت الراهن تهتري وتتفتت بين انتماءات طائفية وأخرى مناطقية

العدد 793 - السبت 06 نوفمبر 2004م الموافق 23 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً