العدد 799 - الجمعة 12 نوفمبر 2004م الموافق 29 رمضان 1425هـ

رحل عرفات... فأين المشكلة؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الآن ماذا ستقول الإدارة الأميركية وحليفها الإقليمي ارييل شارون بعد رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. فالذريعة التي كانت تتعلق بها واشنطن بالتفاهم مع تل أبيب رحلت ولم يعد بالإمكان تكرار الأكاذيب السابقة مثل «عرفات عقبة في وجه السلام» و«عرفات يعطل التفاهمات الدولية» و«عرفات يتحمل مسئولية عدم انسحاب الاحتلال من الأراضي الفلسطينية».

رحلت الذريعة (الضحية) إلى عالم آخر ولاتزال المشكلة عالقة. فهل ستعيد الإدارة الأميركية انتاج تلك الأكاذيب للتغطية على الاحتلال الإسرائيلي وتسويق مشروع شارون الذي يرفض «اتفاق أوسلو» ويعارض الانسحاب من الأراضي المحتلة أم ستقلع عن تلك السياسة وتعيد النظر بمقولاتها؟

الكرة الآن في الملعب الأميركي وواشنطن تملك القرار وهي تتمتع بإمكانات الضغط على شارون لإجباره على الالتزام بالمرجعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة. والسؤال: هل تستطيع واشنطن الاقدام على تدشين مثل هذه السياسة؟ وبكلام آخر: هل يملك جورج بوش الجرأة على اتخاذ مثل هذه الخطوات؟

الجواب يميل إلى النفي ويرجح أن تلجأ «كتلة الشر» في البنتاغون الموالية لـ «إسرائيل» إلى اختراع ذرائع جديدة لتمرير المشروع الشاروني والأهداف الصهيونية في فلسطين والمنطقة.

المشكلة كما ظهرت ميدانياً ومن خلال رؤية المسار العام للسياسة الأميركية في المنطقة كانت ولاتزال في الجانب الإسرائيلي الذي يرفض تطبيق القرارات الدولية منذ العام 1947 حتى أيامنا. كذلك كانت المشكلة دائماً في تملص الحكومات الإسرائيلية من تنفيذ تلك الاتفاقات التي وقعتها منذ أوسلو إلى رحيل عرفات.

«إسرائيل» دولة مخالفة للشرعية الدولية منذ تأسيسها على أرض الغير وعلى حساب الشعب الفلسطيني. وهي أيضاً مخالفة لكل المواثيق والمعاهدات التي نصت عليها الاتفاقات والقوانين والدساتير الصادرة عن مؤسسات الأمم المتحدة. ومثل هذه المخالفات الإسرائيلية تفسر إلى حد كبير كل هذا الاضطراب الذي تعيشه المنطقة العربية وتحديداً فلسطين والدول المجاورة لها. وعرفات ضحية من ضحايا تلك السياسة الاسرائيلية المدعومة أميركياً والمسكوت عنها دولياً.

المشكلة إذاً ليست قيادة عرفات وإنما هي تتعلق أصلاً بمصير قضية كبيرة تتجاوز حدود إمكانات الأفراد ودورهم المحدود في تخطي حواجز اتفقت الدول الكبرى ولأسباب مختلفة على السكوت عن الجانب المسئول فعلاً عن تعطيل كل الحلول والقرارات التي وضعت بشأنها. فالدول الكبرى، وتحديداً الولايات المتحدة، تعلم أن «إسرائيل» هي الجانب المسئول عن التعطيل وهي الطرف المعتدي في الموضوع الفلسطيني وتشاركها المسئولية بعض الدول الأوروبية التي عجزت في بلدانها عن حل «المسألة اليهودية» فأقدمت على طردها وتصديرها من أوروبا ومحاولة حلها في فلسطين وعلى حساب الشعب الفلسطيني.

عرفات هو الرئيس المظلوم في المعادلة الدولية. وواشنطن تعلم قبل غيرها أن شارون هو الطرف الفاجر وهو الذي قاد حركة التمرد والعصيان ورفض اتفاقات أوسلو واعترض على الانسحاب ليس من الأراضي الفلسطينية المحتلة فقط بل اعترض على الانسحاب من جنوب لبنان.

إدارة البيت الأبيض تعلم أن شارون هو المشكلة وهو الذي تسبب في تدهور كل ما حققته المفاوضات ميدانياً على الأرض وأنه طالب منذ البداية بطرد عرفات أو قتله وإعادة احتلال الأراضي التي انسحبت منها «إسرائيل» في فلسطين وجنوب لبنان.

البيت الأبيض يعلم كل هذه الحقائق، ولكنه بالتكافل والتضامن مع كتلة الشر (المحافظون الجدد) في البنتاغون عمد إلى قلب الطاولة وتحميل الجانب المظلوم في المعادلة ما يتحمل مسئوليته الجانب الظالم وتبرير أفعال المعتدي والتغطية على جرائمه اليومية في مناطق فلسطين المحتلة.

الآن رحلت الضحية عن عالمنا فهل ستبقى الذريعة أم سترحل مع رحيل عرفات؟

كل المؤشرات تدل على أن السياسة الأميركية لن تتغير وخصوصاً في عهد إدارة كتلة الشر التي تسيطر على قرار البيت الأبيض. والكلام عن دولة فلسطينية يبقى من العموميات؛ لأنه لم يخصص معنى تلك الدولة ولا مبناها ولا مساحتها ولا موقعها ولا دورها ولا حظَّها في الحياة والاستمرار.

شارون سيخترع ذريعة جديدة للتستر على أفعاله التي وصلت إلى حد منع عرفات من حقه الشرعي في أن يدفن في القدس. ومن يعترض على دفن جثمان في أرض فلسطينية احتلتها عصابات سرقة ونصب لا يتوقع منه أن يتنازل عن تلك الأرض لأحياء يرزقون

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 799 - الجمعة 12 نوفمبر 2004م الموافق 29 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً