العدد 802 - الإثنين 15 نوفمبر 2004م الموافق 02 شوال 1425هـ

تحرير سوق العمل... ودور القطاع الخاص

مهمة اقتصادية وطنية...

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

منذ أن أطلق ولي العهد سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة مبادرته الجريئة لتحرير سوق العمل في المملكة لم تتوقف النقاشات بشأنها. البعض من تلك النقاشات كان حاداً وساخناً... البعض الآخر منها كان سياسياً محضاً إذ تناولت المبادرة من زاوية انعكاساتها المحتملة على الساحة السياسية... لكن في خضم تلك النقاشات كانت هناك مجموعة مختارة منها أخذت بالمدخل الاقتصادي/ التنموي. ربما تكون هذه الفئة أقلية في هذه المرحلة لكنها حتما ستشكل تيارا مهما في جوانب الحياة السياسية والاقتصادية في البحرين.

العامل المشترك بين جميع الأطراف كان البحرين، فمما لا يشك فيه أن كل من ساهم في وضع المشروع أو أدلى بدوله في مناقشته كان يضع مصلحة البحرين في أعلى سلم أولوياته.

الحسن في كل ذلك أن جميع من ساهم في تلك النقاشات بمن فيهم مطلق المبادرة كان حريصاً وبدرجات متفاوتة ومن منطلقات مختلفة، على تأكيد المسائل الآتية:

1- ان موضوع سوق العمل: تحريره أو إعادة هيكلته مسألة وطنية تمس كل قطاعات المجتمع (مؤسسات وأفراداً)، القطاع العام والقطاع الخاص، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.

2- ان تجليات إصلاح أو تحرير سوق العمل عملية معقدة مستمرة، وتحتاج إلى فترات طويلة ولا ينبغي التوهم بحلها بكبسة زر أو بإصدار الأوامر.

3- ان عملية الإصلاح ينبغي أن تسير في أكثر من اتجاه، لكن هذه الاتجاهات هي ذات طابع تكاملي وليس تصادمياً، بمعنى انه من المتوقع من صاحب المبادرة أن يطلقها وينتظر وبرحابة صدر ردود الفعل أزائها فيأخذ ما يعتقده ممكناً وما يراه مناسبا وإيجابياً فيها ويقنع من يدافع عن سوى ذلك بعدم جدوى وربما مضار ما يدعو إليه. الأطراف الأخرى مطالبة بالتعامل الإيجابي مع تلك المبادرة وتحاشي وضع العصا في الدواليب كما يقال، وأن تطرح ما هو عقلاني وقابل للتنفيذ دون مجاملات أو خجل.

على هذه الأرضية يمكننا أن ننتقل كي نشخص دور القطاعين (الخاص والعام) اللذين سيحسمان مشروع المبادرة بشكل مباشر، وستقع عليهما مسئوليات التنفيذ والمراجعة ومن ثم النجاح أو الفشل. وسنبدأ هذه المرة بالقطاع الخاص، لكي لا يقال عنا اننا من دعاة المعارضة بالمطلق وإلقاء اللوم على القطاع العام وتبرئة ذمة القطاع الخاص.

تعتبر هذه المبادرة فرصة ذهبية للقطاع الخاص كي يقول كلمته في موضوع أو مشروع استراتيجي بهذا المستوى. وقول الكلمة لا يعني المعارضة المطلقة، لكنه يعني أيضا الابتعاد عن سلوك المجاملات أو الدخول في مساومات هامشية، بعيدة عن صلب الموضوع وتغرق نفسها في هوامشه. ولكي ينجح القطاع الخاص في إنجاز هذه المهمة عليه أولاً وقبل كل شيء تجاوز وتحاشي المصالح الفردية الصغيرة وعدم التوقف عندها والبحث عن الموضوعات العامة والكبرى التي تمس هذا القطاع ككتلة واحدة تجمعها مصلحته كقطاع وليس كأفراد.

ونقطة الانطلاق في هذا الطريق هو حق هذا القطاع الذي لا ينبغي أن يحيد عنه أو يتنازل عنه. ذلك الحق حصوله على الدراسة الكاملة التفصيلية التي قدمها الفريق الاستشاري ووافق عليها مجلس التنمية. فطالما تنفيذ الدراسة مناط بقدرة القطاع الخاص على تنفيذ ما جاء فيها فمن مسلمات تلك الحقوق حصول القطاع الخاص على تلك النسخة الكاملة، فليس هناك ما يبرر إخفاء أي جزء منها عنه. ففي غياب الاطلاع على الدراسة يفقد القطاع الخاص قدرته على مناقشة الجوهر ويراوح عند مناقشة القشور أو الجزئيات. وهنا يبرز دور غرفة تجارة وصناعة البحرين ومؤسسات وجمعيات رجال (سيدات) الأعمال وأية جمعية ترى أن لها علاقة بشكل أو بآخر بالموضوع كي تأخذ موقعها القيادي الصحيح. ولا ينبغي أن ينحصر هذه الدور أو يتوقف عند عقد الندوات - على رغم أهمية ذلك في المراحل الأولى - بل ينتقل الأمر من هذا المستوى من المعالجة إلى مرحلة أعلى تصل إلى مستوى طرح مشروع بديل متكامل. أو نسخة معدلة من الدراسة الأصلية بعد أن يضاف عليها ما تحتاجه من تطويرات. مثل هذا المشروع بحاجة إلى هيكل مهني يتصدى لهذا المشروع سواء كان بدأ بناء هذا الهيكل بتعيين بيت استشارة أو تشكيل لجنة من الخبراء والكفاءات... يترك ذلك للغرفة ذاتها. لكن غرفة تجارة وصناعة البحرين مطالبة أكثر من أي وقت مضى أن تمارس دورها الريادي والقيادي في تمثيل القطاع الخاص... لكن تمثيله بشكل راق ومتطور يليق به وبها.

وطالما ان مشروع الرد بحاجة إلى تمويل فنترك للإخوة في مجلس إدارة الغرفة البحث عن وسائل تمويل متطورة إن كانت هناك صعوبة في تمويله من أموال الغرفة مباشرة.

وعلى رغم اللقاءات المتعددة التي عقدها المسئولون مع الجهات المعنية - بمن فيهم سمو ولي العهد - فلم ترشح أية معلومات حول أية اتفاقات ملموسة حول ذلك المشروع. فحتى ما رشح من معلومات عن اللقاء الذي تم أخيراً بين صاحب السمو ولي العهد وبين أعضاء مجلس الغرفة يشير إلى أن النقاشات لاتزال تراوح عند العموميات والشكليات دون المساس والغور في أعماق المشروع والدخول في خطوات عملية للتنقيح. ونتوخى أن يكون طرفا اللقاء قد ابتعدا قدر الإمكان عن تبادل المجاملات كي تحل مكانها مداخلات عبرت عن تمسك القطاع الخاص بضرورة إصلاح سوق العمل ورغبته فيه.

إن القطاع الخاص وفي مقدمته الغرفة مطالب أكثر من أي وقت مضى بمغادرة صفوف الاتكالية ومقاعد التلقي والانتقال منها إلى مواقع الفعل والتأثير... هذا الانتقال له اكلافه المالية والسياسية والاجتماعية التي ينبغي علينا جميعاً كقطاع خاص أفراداً ومؤسسات وشركات أن نتحملها بروح المسئولية.

على أن الدراسة ليست سوى نقطة في محيط وخطوة على طريق طويلة، إذ على الغرفة، ونقولها من باب حرصنا على ألا يخرج دور الريادة والقيادة من يد مجلس إدارتها، أن تبدأ في حشد مؤسسات المجتمع المدني تحت برنامج عمل متكامل هدفه الاساسي المساهمة في مشروع إصلاح سوق العمل.

هنا ينبغي التكرير والتشديد على مسألة في غاية الأهمية سبقت الإشارة إليها، وهي أن المساهمة لا تعني إطلاقاً المصادمة أو النقد السلبي للمشروع، فهناك إجماع من كل الأطراف على أن الواقع الحالي لسوق العمل ليس صحياً وليس في مصلحة أحد أن تستمر على النحو الذي يسودها حالياً. لكن الاتفاق على هذه الحال السقيمة لا يعني أيضاً الاتفاق المطلق على سبل وطرق المعالجة... وهنا تكمن عناصر النجاح أو الفشل في مشروع تحرير سوق العمل. وطالما أننا نتكلم عن القطاع الخاص ومسئولياته فهناك جهة مطالبة بالانضمام إلى هذا القطاع في سياق مساعيه للوصول إلى أفضل مشروع لإصلاح سوق العمل، والمقصود بهذه الجهة المتكاملة مع الغرفة هما المجلس الوطني بجناحيه: النواب والشورى، فلربما جاء اليوم الذي على الغرفة أن تبادر إلى عقد لقاءات موسعة معهما فإصلاح سوق العمل من صلب مسئولياتهما وسيمس بشكل مباشر وعميق برامجهما ومشروعاتهما. لذلك جاءت ضرورة مخاطبتهما والطلب منهما المشاركة... وهناك عدة مستويات وأوجه للمشاركة، فيها الكثير من الفوائد والإضافة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 802 - الإثنين 15 نوفمبر 2004م الموافق 02 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً