العدد 803 - الثلثاء 16 نوفمبر 2004م الموافق 03 شوال 1425هـ

واقع مراكز مصادر التعلم في المدارس والحلقات المفقودة

ضياء السيد علي comments [at] alwasatnews.com

لعل فلسفة انشاء مراكز مصادر التعلم في المدارس بدلا عن المكتبة في الاساس هو ما آل اليه التحول الكبير في التفجر المعرفي الآخذ في النمو السريع والمطرد بحيث يستحيل مواكبته ولملمة كل جوانبه، وأصبح التحكم به أشبه بسراب يحسبه الظمآن ماء، بحيث لم يقتصر كما كان في السابق على أوعية المعلومات التقليدية كالكتاب والقصة وبعض المراجع العامة والخاصة فقط، بل تنوعت المعارف والعلوم وأصبحت تشمل كل جوانب الحياة، فها نحن نرى أوعية المعلومات غير التقليدية كالانترنت والأقراص المدمجة والهواتف المتنقلة و«الستلايت» تغزو الحياة العامة للناس وتقدم إليهم المعلومات المطردة بشكل سريع ومحبب بناء على رتم الحياة.

ومن خلال ذلك يتجلى أمامنا عظم المهمة الملقاة على عاتق الوزارة لتطوير مراكز مصادر التعلم من خلال توفير الأجواء والاجراءات والحلول المناسبة للاستفادة القصوى من هذا التفجر المعرفي والتكنولوجي الذي شئنا أم أبينا تجب محاكاته ومسايرته والخضوع له في بعض الاحيان من أجل تطوير العملية التعليمية التعلمية. فالواقع يقول إن مراكز مصادر التعلم في المدارس لا تقوم بتنفيذ الاهداف الاساسية بالشكل المطلوب والتي انشئت من أجلها. ولعل الاسباب من وجهة نظري تكمن في الفجوة العميقة بين نظرة المسئولين في الوزارة والواقع المؤلم للمراكز. ففي حين نرى أن الوزارة تقدم الكثير من الامكانات والمستلزمات الاساسية للمراكز كالانترنت و«الستلايت» ومختبرات الكمبيوتر والاجهزة التعلمية الاخرى، نرى ان هناك جدارا سميكا يحول دون الاستفادة منه بالشكل العلمي الفعال والصحيح، وفي النهاية تذهب الجهود والامكانات هباء منثوراً، ولعل أهم الاسباب من وجهة نظري وخبرتي المتواضعة بمركز مصادر التعلم الآتي:

أولا - النظرة الفلسفية للمراكز: يجب تغيير النظرة الفلسفية للمراكز والقائمين عليها بشكل جدري فلم يعد للنظرة القديمة مجال في الوقت الحاضر بأن المركز مكان للقراءة والراحة فقط بعد جهد جهيد للمعلم داخل الصف، وان العاملين فيه أناس يتمتعون بالنصيب الأوفر من الراحة والاستمتاع بتصفح وقراءة الصحف والمجلات طول العام الدراسي، بل يجب ان ننظر للمركز بالمدرسة بنظرة فلسفية علمية صحيحة على أنه حلقة وصل بين المستفيدين والمعلومات المتوافرة بقسميها التقليدي وغير التقليدي وهذه الحلقة يجب ان تكون منظمة ومرتبة ومتطورة بشكل علمي، وهذا يعني ان يكون من مهمات الاختصاصي الرئيسية ان يبقى وسيطا بين المستفيدين من المركز والمعلومات التي ينظمها ويرتبها ترتيبا علميا ومنهجيا للاستفادة منها.

ثانيا - الوصف الوظيفي للاختصاصي: ففي ظل هذا الوصف الوظيفي المرهق والمزدحم بالمهمات والواجبات لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يقدم الاختصاصي في المركز العمل المطلوب منه بالشكل الدقيق والصحيح بل نراه يتخبط في العمل تارة يمينا وتارة شمالا فلا يعقل ان يقوم فرد أو اثنان بعمل يحتاج الى مجموعة من الكوادر العلمية والمهنية والفنية المتخصصة تقوم بالمهمات والواجبات بالشكل الصحيح فلا يعقل ان يقوم فرد بما يميله الوصف الوظيفي في بنوده المزدحمة كأن يقوم بتدريس مبادئ البحث وطرق استخدام مصادر التعلم وان يدّرس الحصص الثقافية والأدبية والعلمية لطلبة المدرسة وأن يدّرس المواقع التعليمية المتاحة على الانترنت، وان يقوم بتقديم المشورة للمعلمين فيما يتعلق باختيار وتوظيف التقنيات التربوية المتجددة في عملية التدريس للمواد التعلمية، وان يقوم بالعمليات الفنية الاساسية كالفهرسة والتصنيف للمواد التقليدية للكتب والقصص والدوريات والنشرات... الخ والمواد غير التقليدية كالمواد السمعية والبصرية، وان ينظم عملية الاعارة وان يشرف على تنظيم استخدام الاجهزة والمواد ويعد خطة عمل سنوية ويشرف على الجرد وان يوفر المناخ المناسب للطلبة والمدرسين للاستفادة ويشارك في عضوية اللجان بالمدرسة ويعد التقارير والاحصاءات... الخ من مهمات وواجبات لا يمكن حصرها في هذه العجالة بأن يتحملها فرد أو اثنان في ظل الاعداد الكثيفة من الطلبة والمدرسين فالمثل يقول حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له.

ثالثاً - مناهج التدريس بالمراكز: فلو افترضنا جدلا ان يقوم الاختصاصي بتطبيق جزء من هذه المهمات السابقة الذكر كأن يدرس مبادئ البحث وطرق استخدام مركز مصادر التعلم، فأين المنهج المعتمد من قبل الوزارة؟ وكيف يطبق؟ ولأية مرحلة؟ ومتى؟ فحسب معلوماتي كاختصاصي لا يوجد منهج موحد ومعتمد للتدريس بل توجد اجتهادات فردية قامت بها لجنة استشارية من الاختصاصيين العام 1996م وتم وضع مقترح منهج نهائي من قبل مركز التقنيات التربوية للصف الثالث الابتدائي والأول الاعدادي وقام بعض الاختصاصيين بعد ذلك بتدريسه بامتعاض مزعج، فهم يختلسون بعض الحصص من المدرسين لتقديم هذه الخدمة للطلبة ليست باقتناع بل ليحوزوا على رضا المسئولين في مركز التقنيات التربوية في حال السؤال عن هذه المهمة عند زياراتهم البعيدة جدا لمراكز مصادر التعلم بالمدارس، وهم يتساءلون متى يقوم الاختصاصي بالتدريس؟ في ظل حزمة المهمات والواجبات والأنشطة الاخرى المطالب بها من قبل إدارة المدرسة والإدارات الوزارية المختلفة فإن ركز على مهمة التدريس قصر لا محال ومن دون قصد في المهمات الأخرى، ما يضعه في كماشة المحاسبة من قبل إدارة المدرسة ومركز التقنيات التربوية والمدققين من الوزارة الذي لا يهمهم كم العمل الملقى على عاتقك وماذا فعلت من انجازات ونشاطات للمركز أو المدرسة، بل ماذا عملت من جرد وقيد وتسجيل واجراءات فنية أخرى لا يسع المجال لذكرها، وان أخرت بعض تلك المتطلبات جاء بيان رسمي للمدير يوصمك بالتقاعس والتقصير عن العمل، ما يضعك في دوامة ترضي من؟ وكيف؟ ومتى؟

ولعل هذه النقاط الثلاث هي الحلقات المفقودة التي يجب على المسئولين في الوزارة النظر اليها بعين الصواب لصالح مشروع مراكز مصادر التعلم، ويمكننا من خلال العمل والخبرة المساهمة بوضع الحلول لتلك الحلقات المفقودة من خلال الآتي:

- الكادر الوظيفي: على الوزارة أن تفكر بشكل جدي وسريع في زيادة عدد الاختصاصيين والفنيين في مراكز مصادر التعلم بالمدارس لاسيما المرحلة الابتدائية منها لأنها الاساس في وضع اللبنات السليمة لكيفية الوصول والاستفادة من الامكانات المتوافرة بالمراكز، وبزيادة الكادر تتوزع المهمات والواجبات والوظائف على الأفراد، وهذا الأمر لا يحتاج الى توضيح. فلا يعقل ان يقوم اختصاصي واحد بمدرسة ابتدائية بكل المهمات والواجبات والوظائف المطلوبة منه وفقا للوصف الوظيفي ويحاسب على التقصير في بعض البنود ان لم يقم بها.

- الكادر المشرف على مراكز مصادر التعلم بالوزارة: يجب زيادة الكادر المشرف على مراكز مصادر التعلم بمركز التقنيات التربوية، فلا يمكن في ظل هذه الزيادة الكبيرة للمراكز ان تعتمد الوزارة على اثنين فقط، وذلك للمتابعة والتطوير والتنفيذ والتخطيط والتقويم وتقديم المقترحات والحلول، فنحن نعلم ان هذه المهمة لا يمكن القيام بها الا بطاقم كبير من أهل الخبرة والكفاءة والتخصص العلمي والمهني، وهم موجودون فعلا في مراكز مصادر التعلم بالمدارس فالكثير منهم يحمل شهادات البكالوريوس والماجستير في تخصص علم المصادر والتكنولوجيا والمكتبات. وهذا لا يمكن توفيره الا من خلال وضع الآلية الإدارية والفنية والموازنة الملائمة للنهوض بمركز التقنيات التربوية لا ان يكون كالطير مكسور الجناحين، وان يغرد خارج سرب التقدم العلمي والتكنولوجي والمعرفي.

- منهج تدريس مصادر التعلم: يجب وضع منهج معتمد من قبل الوزارة يدرس مصادر التعلم على أسس علمية صحيحة يوضح الاساليب والاجراءات الفنية لتعلم كيفية الاستفادة من امكانات المركز، ولا يمكن هذا الا من خلال اعتماد حصص رسمية اساسية في الجدول المدرسي يحضّر لها وتدرس بشكل فعال للطلبة، ويصبح منهج مصادر التعلم من المواد الاساسية التي تدرس في المدرسة كالتربية الرياضية والفنية والنشيد والتقانة، وبحسب معلوماتي فإن غالبية الاختصاصيين من ذوي الخبرة والكفاءة التربوية المؤهلة.

- الترقي الوظيفي: وهذا الامر يحتاج الى جرأة كبيرة من قبل الوزارة لتفعيله فلا يعقل ان يظل الاختصاصي بواقعه المؤلم طوال عمره حبيس مركز مصادر التعلم بالمدرسة من دون تدرج وظيفي طموح، ما يؤثر على أداء عمله من حيث الكفاءة والعطاء والنوعية، ولأن الطموح مشروع لكل فرد يعمل على هذه الأرض، وقانون تقره الحياة الفطرية والطبيعية للانسان فإنه يأمل ويطمح الى الحق المشروع، لذلك يصبح العمل من دون آلة للترقي أشبه بالمستحيل، ولن تجد عند هذا الشخص ادنى رغبة وتفكير لأن يطور من نفسه وعمله بل سيدخل في دوامة الاداء المهني الروتيني الممل والركيك من دون دافعية للعطاء لأنه يعلم مسبقا بأن لا مجال للحافز والترقي. ولعل مازاد الطين بلة كما يقول المثل الكادر الجديد القديم في أصله ومضمونه، اذ اصيب الاختصاصيون بخيبة امل كبيرة زادت من معاناتهم وآلامهم واصابتهم في مقتل بعد اعتبارهم ضمن الوظائف المساندة للتعليم وليست اساسية من أن الوصف الوظيفي للاختصاصي واضح وصريح ويعتبره ضمن الوظائف الاساسية ولا يوجد بند يقول انه من الوظائف المساندة كما صنف حاليا، بل نرى لزاما عليه في عدد من البنود بأن يدرس أكثر من مجال، وهذا الامر أوضحته سابقا حول الوصف الوظيفي وقمت بنقده بمقال مطول في شهر يوليو/ تموز 2004م عن الكادر، وهذا يعني ان هناك تخبطا كبيرا جدا في الكادر وتصنيفاته.

- لقاء تنفيذ التوصيات: وهي من أهم النقاط الجوهرية لوضع آلية عمل مدروسة لمراكز مصادر التعلم، اذ يجب ان يلتقي اختصاصيو المراكز مع المسئولين وجميع الإدارات المعنية كالمناهج وإدارة شئون الموظفين والتقنيات بالوزارة وديوان الخدمة المدنية في ورشة عمل لوضع الخطط والاستراتيجيات المستخلصة، على ان تنفذ قراراتها وتوصياتها جميع الجهات الرسمية بأسرع وقت ممكن لوضع آلية عمل منظمة وصحيحة تخدم أهداف وفلسفة مراكز مصادر التعلم لا أن يبقى الحال على ما هو عليه.

وفي الختام نأمل ان يكون هذا المقال ليس من أجل التنظير والتفلسف بل هو من واقع ميداني ومحاولة جادة لوضع النقاط على الحروف وليعكس مدى الفراغ الكبير لطموح المسئولين في الوزارة لتطوير مراكز مصادر التعلم على اسس علمية صحيحة، وعلى أمل الا يظن البعض من هذا المقال انه كتب لنشر الغسيل والتصيد في الماء العكر كما يقولون بل هو من أجل النقذ العلمي والموضوعي البناء والغيور على الطاقات والامكانات الضخمة التي تحاول الوزارة تقديمها وتفعيلها بصورة مثالية، وأنها مساهمة صادقة للوقوف على مواطن الخلل ومعرفة ما الحلقات الجوهرية المفقودة والتي بينتها في المقال بحسب وجهة نظري، كما يطيب لي ان اشدد بحرص مفعم بالغيرة انه اذا استمر الحال على ما هو عليه فهذا يعني الاستمرار في فشل مشروع مراكز مصادر التعلم بالمدارس وفقا للمنهج والفلسفة العلمية والموضوعية التي انشئت من أجلها المراكز وتصبح مواقعها على خريطة المدرسة ضمن مرافق الديكور التكميلي الثانوي

العدد 803 - الثلثاء 16 نوفمبر 2004م الموافق 03 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً