العدد 808 - الأحد 21 نوفمبر 2004م الموافق 08 شوال 1425هـ

أسئلة «سوسن» وطروحات «سميرة»!

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

تساءلت سوسن في الجزء الثاني من رواية رضوى عاشور «خديجة وسوسن»: «كيف يتعكّر ماء النبع ومن أين تأتي نباتات الوحشة وبأي قانون تتكاثر وتعيق المجرى وتسد الطريق؟».

هذا التساؤل الذي طرحته سوسن على نفسها - وسوسن هي الابنة، وخديجة هي الأم في الرواية - كان بمثابة محاولة للفهم وترتيب مفردات عالمها المختلف والمتناقض مع والدتها على رغم التداخل والتشابك لعالمين مختلفين.

العالم دائماً يتخلق عبر الأسئلة والهموم التي نعيشها. الأسئلة دائماً مهمة حتى وان كانت عفوية أو مصحوبة بالشكوك والتشكيك. وفي «خديجة وسوسن» مشهد «ندوة» لثلاثة «مختلفين» في الشكل والملبس وأسلوب الحديث جالسين على المنصة وهم: وزير وكاتب ونقابي قضى 13 عاماً في السجن لمواقفه السياسية، «فالكاتب تحدث بالفصحى السلسة فتنقل الوزير بين الفصحى والعامية وكان يخطئ في الحالتين، أما النقابي فكان كلامه بعامية بسيطة ومؤثرة، وعلى رغم الاختلاف كادوا يتفقون فيما قالوه وكأنهم قرأوا على الشيخ نفسه واتفقوا مسبقاً فيما بينهم». (ص 134).

تذكرت هذه الرواية الجميلة الرائعة، كما شغلتني أسئلة سوسن وطروحات صديقتها سميرة، عندما سمعت بالاتفاق الذي توصلت إليه تسع جمعيات سياسية بشأن مشروع قانون التنظيمات السياسية، وقرأت عن «تأجيل» الاتفاق بشأن آلية طرح القانون على: «الشعب، أو على البرلمان، أو إرساله إلى جلالة الملك».

لا أكذب عليكم؛ زمان، كان اتفاق كهذا بين تسعة مختلفين في الشأن السياسي والمصالح المتضاربة كفيل بهز ثقتي فيما أعتقد، ودائماً أردد: ما دام هؤلاء المختلفون اتفقوا، إذاً إنها الحقيقة، أنا مخطئ، إنه وهم سببه اليأس على الأرجح، وبعد إعادة قراءتي لرواية رضوى عاشور «خديجة وسوسن» لم أعد أفعل ذلك، ودائماً ما تشغلني أسئلة سوسن وتحرّضني على طرح الأسئلة القديمة الجديدة مثل: «ما الذي يجعل اليمين واليسار والوسط يجمعون على الشيء نفسه؟».

حين طرحت سوسن هذا السؤال على صديقتها سميرة أجابت بلا تردد: «كلهم يمين، لماذا لا تبصرين ما أبصر!» تكرر في احتجاج: «صدقيني، لماذا لا تصدقيني؟!».

لا تحكموا على «سميرة» بالتطرف أو التشاؤم أو من حفظة اللونين: الأسود يا الأبيض؛ إنها ليست كذلك، تقول سوسن عنها: المدهش في سميرة أنها على رغم شكوكها الغالبة تثق ثقة مطلقة بالناس وتظل تكرر: «الناس حلوين مثل الفل»، وعندما أقول لها وأنا أبتسم: «أولئك الذين تسلطين عليهم لسانك بلا رحمة أليسوا ناساً!؟» فتجيب: «أتحدث عن الناس العاديين الذين لا يدعون شيئاً، همومهم كثيرة وعيوبهم كثيرة، ولكنهم لا يدعون أنهم سفراء ومبعوثون وقادة وثوار وقابضون على حقيقة الدنيا والآخرة... عندما أقول ناس افهمي أني أقصد الغلابة!». (ص 135). ربما يخرج علينا من يقول: ان المختلفين هؤلاء الذين اتفقوا بشأن مشروع قانون التنظيمات السياسية، كان يجمعهم «الوطن» وقضايا «الحريات العامة» وتحديث «البلاد وعصرنتها»، وغيرها من الكلمات والجمل الثورية المدغدغة للعواطف، لكن إذا تبصّرنا من الداخل سنجد في جل «المتفقين» تناقضاً يثير الاشمئزاز والريبة بسبب وجيه لتجارب ومواقف سابقة تخرج حسب الطلب ولا علاقة لها بالناس المطحونين في ترس آلة المجتمع بتنا قضاته الطبقية والاجتماعية والسياسية التي لا تحتملها مرارة «الغلابة»، فبين هؤلاء يقولون ما يقولونه ارتزاقاً، وبعضهم ترفاً، وآخرون لتلميع سمعة، ومنهم من يجتهد فيما يعتقد انه صواب، لكن من يلبس عمامة مفتي الديار وحب الوطن، ويشرع في وجوهنا ما يعتقد انه مفتاح الحقيقة، ويمارس الإرهاب الفكري لنمشي وراء مشيته بغشاوة، فانه لا يمكن أن تهمه لا مصلحة الوطن ولا نشر ثقافة الحريات ولا تحديث البلاد وعصرنتها؛ باختصار: أنه كاذب، ورأيي من رأي «سميرة».

من الظلم أن يوضع جميع «المتفقين» على مرسوم بقانون التنظيمات السياسية، أو المرسوم بقانون التجمعات في سلة واحدة، لكنه من الغشاوة بمكان أن نثق بشخص نعرف مسبقاً أنه سيوصلنا لسكة الخيبة والندامة، ونعتبر تحوّله المفاجئ بمثابة «صحوة ضمير»، ثم نكذب أنفسنا ونقول «مسكين أخطأ في السابق دون قصد»، و«هذا اجتهاد مشروع وإنساني في السياسة!».

خريطة البحرين صغيرة، وعدد سكانها قليل، وجمعياتنا السياسية معروفة بالاسم والرموز، الطارئة منها والمتجددة في جذور تربتنا الغنية بالنخل والرجال وكثرة الفقراء، وأيضاً كثرة المفسدين والانتهازيين، الذين نتداول أسماءهم بالسر والعلن؛ فلا شيء مدهش وغريب في بلادنا، فالعجيب فقط أن نجعل من الأخيرين قادة ووعاظاً لحراكنا السياسي وإن كانت بنوايا حسنة

العدد 808 - الأحد 21 نوفمبر 2004م الموافق 08 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً