العدد 808 - الأحد 21 نوفمبر 2004م الموافق 08 شوال 1425هـ

مَن يتذاكى على مَن... تركيا أم الاتحاد الأوروبي؟

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

في كتاب عن «تطور العلاقات الدولية» للأستاذ في الجامعة اللبنانية في قسم العلوم السياسية والإدارية أحمد الخنساء مقولة لأحد المؤرخين الأوروبيين عن الأتراك المسلمين: «إنهم مادة غريبة كلياً مغروسة في جسم أوروبا الحي». هذه المقولة تذكرنا بنقطتين، الأولى: المناقشات والمفاوضات التي تجرى بين تركيا والاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة، وتبدو أنها عقيمة وغير جدية من الطرفين. والثانية: موقف اللجنة الخارجية في برلمان الاتحاد الأوروبي من دخول تركيا إلى الاتحاد وشروطها الجديدة الذي صدرت قبل أيام. ولا نستغرب من أن هناك شعوراً «سائداً» في صميم الأوروبيين بأن تركيا تريد أن تدخل إلى الاتحاد أو «البيت الأوروبي» على حالها من دون ان تقوم بالإصلاحات الفعلية والجدية أي انها تريد ان تكتسب عضوية الاتحاد وهي على حالها وهي تحمل من العقد والنزوات والمعضلات. ويبدو أن أوروبا هي أيضاً «لا تريد ان تدخل تركيا» إلى ناديها مستغلة بذلك هذه العقد والنزوات والمعضلات الحقوقية، ولعل موقف الاتحاد الأوروبي الأخير هو دليل قاطع على أنه يريد أن يبعد تركيا. وناقشت اللجنة الخارجية في البرلمان الأوروبي التقرير الذي رفعه فيرهوغن (مسئول توسيع الاتحاد الأوروبي) إلى البرلمان عن تركيا، إذ وصفت اللجنة الخارجية (قبل أسبوع) - وشاطرها الكثير من البرلمانيين - التقرير بأنه ناقص. وبرأي هؤلاء أنه يجب على تركيا، لكي تكون مقبولة أوروبياً، ان تزيل الفارق بين المناطق الكردية وباقي المدن التركية أي يجب عليها ان تقوم فعلياً وبشكل جدي بالتنمية في مناطق كردستان (مناطق جنوب الشرقي في تركيا) ويجب ان تعطي لأكرادها الحقوق الثقافية والاجتماعية، هذا على الصعيد الداخلي التركي. اما على الصعيد الخارجي فيترتب على تركيا القيام بتحديد حدودها مع ارمينيا وإعلان موقفها من مشكلة قبرص والبحث عن آلية جدية لترتيب وضعها في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. لكن الذي يشغل البال هو هل فعلاً أوروبا تريد ان تكون تركيا عضواً في بيتها؟ من يقرأ الموقف الأوروبي ومن يتمعن فيما قاله هذا المؤرخ الأوروبي لا يرجح كفة دخول تركيا إلى هذا البيت لأنه بالدرجة الأساسية ناد مسيحي بامتياز، هذا عدا عن ان هناك عوامل كثيرة تقف عقبة أمام تركية.

في الحقيقة مازال الاتحاد الأوروبي يعتقد أن تركيا تتذاكى عليه (الاتحاد) وهو يعتقد أن تركيا تريد ان تخدع الاتحاد وذلك لأنها لم تنفذ معايير كوبنهاغن على شكل فعلي وجدي. وكلما قامت تركيا بإصلاحات يعتبرها الاتحاد إجراءات سطحية ولا معنى لها بحسب القانون الدستوري والعلوم السياسية. هذا فضلاً عن أن الاتحاد يعرف ان تركيا مازالت تتراوح في مكانها بخصوص حقوق الاكراد وعودة المهجرين الأكراد (هناك 4000 قرية دمّرت وهناك ملايين من الاكراد مشردون في المدن الكبرى مثل اسطنبول) وهل من المعقول ان الاتحاد الاوروبي لا يرى «حزام البؤس في اسطنبول» وهؤلاء مازالوا ينتظرون القرار التركي بالرجوع إلى قراهم وأماكن سكناهم. النقطة الأخرى التي شغلت المراقبين وأصبحت محل استفسار وتساؤل هي ان تركيا لماذا أعطت الأمر بعودة المهجرين السريان، بمعنى آخر لماذا تحاول تركيا تأمين عودة المهجرين السريان ولا تفعل ذلك مع الأكراد؟ وهل تريد تركيا ان تتذاكى على الاتحاد الأوروبي وتريد من وراء ذلك الإجراء العزف على وتر الدين، بمعنى آخر تريد تركيا عودة السريان للنيل من عطف الاتحاد المعروف عنه انه ناد مسيحي والأكراد من المسلمين.

في المقابل قد يسأل المراقب ماذا يريد الاتحاد من تركيا، هل فعلاً ان الاتحاد يريد منها القيام بإصلاحات وتقريب نفسها إلى محتوى المعايير؟ ربما لأن الاصلاحات ستساهم في تقريب تركيا كثيراً إلى الاتحاد، لكن تركيا تعرف أيضاً في المقابل ان هناك ثمة اموراً كثيرة ستشغل بال الاتحاد بها، مثل: دخول تركيا الاتحاد يعني انه ستدخل العمالة التركية إلى البلدان الأوروبية وربما يخل بالتوازن الديمغرافي في أوروبا عدا انها ستساهم في خلق البطالة، ومسألة الديون والأزمة الاقتصادية التركية ومسألة القروض، وكيف ستكون علاقة الاتحاد مع بعض أعضائه كاليونان وغيرها عند دخول تركيا إلى عضويتها؟

لاشك، ومهما يكن التفاؤل التركي ومخاوف بعض الدول الأوروبية من احتمال دخول تركيا إلى هذا النادي وتحقيق هذا الحلم فانه يبدو واضحاً ان دخولها سيكون حلماً مثل باقي الأحلام التركية، لأن الشروط التي يقدمها الاتحاد ليست بسيطة، وتحديداً ترسيم الحدود مع أرمينيا وتحسين وضعها مع اليونان وإعطاء حقوق للأكراد. وهذا الذي لن تعمل به دولة اتاتورك لأن هذه الاستحقاقات تشكل العقبة الكبرى في تركيا لأنها ترتبط بالذهنيات. هذا فضلاً ان اتاتورك نفسه كان غير قادرٍ على ان يعمل بها وهو الأب الروحي للدولة التركية.

يبدو أن تبديل الحلم بالحلم ليس سهلاً ويتطلب جهداً وعملاً كثيراً، المشكلة هي ان تركيا حتى هذه اللحظة لا تستطيع ان تحرر نفسها من عقدة السلطنة العثمانية وان تحرر نفسها من تركة الدولة العظمى.

بقي القول: هل تستطيع تركيا ان تقوم بإجراءات إصلاحية جدية وتتحرر من عقدتها وديمقراطيتها الاتاتوركية ومن الحلم العثماني. وقبل ذلك هل يستطيع الاتحاد الأوروبي ان يحول هذا النادي المسيحي إلى ناد لكل الأوروبيين؟

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 808 - الأحد 21 نوفمبر 2004م الموافق 08 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً