العدد 813 - الجمعة 26 نوفمبر 2004م الموافق 13 شوال 1425هـ

هدية «الوسط» إلى كل من سعى لإحياء تاريخ «دلمون»

لحضارة «دلمون» حكاية تمتد إلى خمسة آلاف عام... وهذه الحكاية اكتشفت باقي فصولها قبل خمسين عاماً، في العام 1954. وعلى رغم أن الحديث عن «دلمون» كان قبل هذا العام، إلا أن البعثة الدنماركية التي وصلت البحرين في ديسمبر/ كانون الأول 1953، اكتشفت فصولا متكاملة عن حضارة دلمون، وقامت بإشهارها عالميا بدءا من العام 1954.

وقبل عامين بدأت حملة مشتركة بين خبراء فرنسيين وبحرينيين، بمشاركة عدد محدود جدا من المسئولين لاستعادة مجد حضارة دلمون، واعتمد هؤلاء الخبراء على مؤشر مهم جداً، واعتبروا قدرتهم على تحقيقه هي المكافأة التي تستحقها جهود المنقبين والمهتمين بالحضارة الإنسانية... هذا المؤشر الذي اختاروه هو مدى قدرتهم على انقاذ «قلعة البحرين» من دمار محدق بها بعد أن كادت أن تتحول إلى مرمى للقمامة. ويتصل بهذا الأمر مدى قدرة الحملة الإنسانية على تسجيل «القلعة» في سجل التراث الإنساني التابع لمنظمة «اليونسكو». وللتاريخ لابد من ذكر أسماء أصحاب الحملة التي بدأت قبل عامين بالضبط لإنقاذ قلعة البحرين والاستعداد لاحتفالية بذكرى مرور خمسين عاماً على اكتشاف حضارة دلمون في هذا الشهر (نوفمبر 2004)، ومن الأسماء التي عرفتها شخصياً ({بما هناك أسماء لا أعرفها) هي: الخبيرة الفرنسية مونيك كارفران والخبير الفرنسي بيير لومبارد والسفيرة الفرنسية السابقة آنيتا لميدو والشيخة مي آل خليفة، بالإضافة لعدد آخر ممن أجرينا مقابلات معهم.

هذه المجموعة التي اتفقت على إنقاذ القلعة ومن ثم أعدادها للتسجيل في سجل التراث الإنساني لـ «اليونسكو» وجدت حليفاً مبدأياً لها، وهذا الحليف هو صحيفة «الوسط»، التي نشرت منذ نوفمبر 2002 حتى الآن التحقيقات والتقارير التي ساهمت بشكل مباشر في الوصول إلى ما وصلنا إليه هذا الشهر.

ومع الأسف، فقد تأجل الاحتفال الذي أعدت له وزارة الإعلام كل الاستعدادات والذي كان مخططا له أن يكون في 27 نوفمبر (اليوم)، بسبب وفاة المغفور له رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإعلان الحداد الرسمي في مملكة البحرين. ولكننا حبذنا أن نواصل المسير في عدد «الوسط» اليوم (انظر «نوافذ ص2) مقابلة مع وكيل وزارة الإعلام محمود المحمود الذي يشرح آخر التطورات والخطوات بشأن تسجيل «القلعة» في «اليونسكو»، تمهيدا لتسجيل مواقع أخرى بأذن الله.

نعود قليلا لنستذكر كيف بدأت حملة «الوسط» المساندة لحملة خبراء الآثار بنشر واحد من أهم التحقيقات في صفحة «نوافذ» بتاريخ 2 نوفمبر 2002، وكان يحمل العناوين التالية: «بيبي» مات بعدما رأى «زهرة خلوده» يسحقها الإسمنت ويغطيها الردم... «تقرير دولي: قلعة البحرين تتعرض للاغتيال».

كنا نتحدث بنبرة مملوءة بالمرارة، واليوم نتحدث بنبرة مملوءة بالأمل والتفاؤل بأننا – جميعا وكفريق عمل واحد – نستطيع أن نفعل شيئا لقضايانا العادلة عبر التكاتف والتعاون... تحدثنا قبل سنتين وقلنا «آثارنا اليوم تقاتل من أجل البقاء. تقاتل من أجل وقف الزحف العمراني واستقطاعها، قطعة بعد قطعة في سبيل المصالح الشخصية أو تجارة قصيرة الأجل في مقابل تراث ضخم لا يمكن تعويضه إن ضاع». وقلنا آنذاك «تكتشف حضارة دلمون على يد البعثة الدنماركية (قبل خمسين عاماً)، التي أدى إعلانها عن هذا الاكتشاف إلى إحداث صدى بين المهتمين بعلم الآثار والتاريخ، حينما وقعت البعثة على آثار باربار، وكذلك قلعة البحرين، ومن ثم تسلسلت الاكتشافات والتنقيبات في الدراز وسار، ما أدى إلى تسليط الضوء مجدداً على البحرين من زاويتها التاريخية والآثارية، واحتفت بها مؤسسات البحث العلمي من اليابان شرقاً، إلى أوروبا وأميركا غرباً، ووضعت عن هذه الحضارة جملة من رسائل الدكتوراه والماجستير، وسلسلة من الأبحاث والمقالات التي اختصت بموضوع حضارة دلمون».

وتحدثنا حينها عن أول من كتب عن حضارة دلمون للمنقب «جفري بيبي»، بكتابه «البحث عن دلمون»... وقلنا أن «بيبي الذي كان في البحرين قبل حوالي خمسين سنة، وشارك في أول بعثة للتنقيب عن الآثار، اكتحلت عيناه مرة أخرى برؤية البحرين، واعتمر غترة كالتي كان يلبسها أثناء التنقيب، وثبتها بعقال، وصافح أصدقاءه البحرينيين الذي عملوا معه في تلك الفترة، في تلك الفترة التي دخل البحرين شاباً، وعاد إليها في أرذل العمر ليتوفى بعدها بأقل من عامين وكأنه على موعد لأن يرى هذا الجزء من العالم الذي تمنى أن يمنحه الخلود، كما في الأساطير القديمة، ولكن – ربما – ما رآه هو تشويه لمعالم الآثار الجميلة، بعدما نخرها جشع بني البشر، إذ لم تكفهم الأرض بما رحبت، فامتدوا زاحفين إلى معالم تربطنا بما لنا من ماض».

أما اليوم فنقول لـ «بيبي» – لو كان يسمعنا وهو في قبره – أن الحضارة التي اكتشف باقي فصولها، بدأت تعود إلى الحياة وازيلت القمامة والأنقاض التي رميت على الموقع وأعيد ترميم القلعة، وهناك وعود بالمحافظة على هذا التراث الإنساني، لأنه ليس ملكا للبحرين، وإنما للإنسانية.

هنيئا للبحرين بحضارة إنسانية تمتد خمسة آلاف عام وتتضن بذلك آثارا تتحدث عن البحرين التي أطلقوا عليها مسميات عدة من بينها «أرض الخلود»... وإلى كل من سعى للحفاظ على تراثنا... نهدي لهم هذا الملحق والتغطيات الأخرى داخل الصحيفة

العدد 813 - الجمعة 26 نوفمبر 2004م الموافق 13 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً