العدد 818 - الأربعاء 01 ديسمبر 2004م الموافق 18 شوال 1425هـ

إلى أين يمضي هذا القطار في زمن الانتظار؟

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

مثل كثيرين من أبناء هذا الشعب الطيب، أدعو إلى التفاؤل والابتعاد عن النظرة كالحة السواد، والتي ترى الأمور كافة بمنظار الأبيض والأسود، ولاأزال ممن يعتمدون عبارة تقول «كل الناس تعرف بأن اللون الأسود أسود، لكن هناك من يعتقد بأن اللون الأبيض أبيض أيضاً»، والحقيقة الثابتة لدى الجميع أن اللون الأبيض يتكون من ألوان الطيف، وهذه الألوان تتوزع لاحقاً إلى ما لا يعد ولا يحصى من الألوان.

من هنا فقد لاقت الدعوات التي أطلقها جلالة الملك لدى كثير من أبناء شعب البحرين هوى طيباً، ودغدغت أحلامنا بمستقبل واعد، وأحلام وردية وقرمزية وملونة، لكن هناك الكثير من المنغصات التي لا تريد لهذه الأحلام أن تنمو وتكبر، فهي تصر في كل يوم على وضع العصا في دولاب التغيير وتعمل بكل جدٍ على وضع العقبات أمام قطار الإصلاح الذي يقوده جلالة الملك، حتى بات كثير ممن التحق بهذا القطار أو علّق عليه الآمال الكبيرة، يتوجس بأن هذا القطار قد تعطل في أول الطريق، وفي أفضل الأحوال فإن قدرته على الحركة قد تباطأت بدرجة كبيرة حتى لم يعد معلوماً كم من الوقت سيستغرق وصوله إلى المحطة التالية.

وأحسب أن قطار الإصلاح في بلادنا ليس به عطب ولا خلل، وأن من يقوده يرى الطريق بوضوح ونظر ثاقب، لكن القطار قد ابتلي بمعوقات من الوزن الثقيل أثرت على قدرته على الاحتمال، وهو يعاني كي يخفف من هذه الأثقال أمام بصر ركاب القطار، إلا أن الركاب اتخذوا موقفاً سلبياً، فروح المبادرة فيهم قد تراجعت بشكل عام، بعضهم يقول على قائد القطار أن يوفر من المهندسين والفنيين ما يلزم لضمان سير القطار بسلاسة ويسر. والبعض الآخر يتحدث عن ضرورة اختيار سكة أخرى، بينما راح البعض الآخر في سبات عميق، ولم ينسَ أن يطلب من الآخرين أن يوقظوه عندما يصل القطار إلى محطة الوصول.

وعلى الجانب الآخر نجد أشخاصاً ينادون الجميع بالنزول من هذا القطار، فهو قطار سيسير بكم نحو الهاوية، تعالوا معنا لنأخذكم عبر طريق آخر ووسيلة نقل أفضل، لكن قبل كل ذلك عليكم بالاعتراف أن اختياراتكم كانت خاطئة، وأنكم من المغرر بهم، ثم بعد ذلك تبدون الندم والأسف البالغ على شق عصا الطاعة والخروج عن الجماعة، عندها قد نرضى عنكم ونأخذكم معنا، على رغم أنهم في معظم الأحوال لا يقولون لنا أي طريق سيسلكون، وكم من الوقت سيستغرقون، وما هي الضمانات التي سيقدمون، وفي الحالين يجب أن نختار بناء على أحاسيسنا وثقتنا وبعض من المعرفة.

وما بين هؤلاء وأولئك، تجد فريق المعوقات والعراقيل، يرسم الخطط والبرامج، ويجيد نصب الحبائل والشراك لكل من آمن بالمستقبل وقرر الصعود إلى قطار الإصلاح، فنجدهم يقولون لنا «اللي ما له أول أكيد ما له تالي»، ثم يرددون على مسامعنا «عتيق الصوف ولا جديد البريسم»، ولا يتورع أحد منهم أن يهمس في آذاننا «خلكم على المر، لا تشوفون اللي أمر منه»، وبين هذا وذاك يخرج علينا من يقول «العجلة من الشيطان والصبر مفتاح الفرج، الحين صابرين أكثر من 30 سنة، ماذا يضيركم لو صبرتم بعد شوي». بمعنى آخر، الإخوان ضد سياسة حرق المراحل، خايفين على الإنجازات اللي حصلت في سنوات قانون أمن الدولة!

ولا يكتفي هذا الفريق بتوجيه النصائح والملاحظات البريئة جداً، لكنه يقرن الأقوال بالأفعال، فعندما يصل القطار إلى أحد التقاطعات نجده يصدر الأوامر بأن يغيّروا مسار القطار ويوجهونه قسراً للعودة إلى الوراء، ومن دون أن ندري يظل القطار يدور حول نفسه، فلا نحن وصلنا ولا القطار توقف.

لكننا في حال قلق شديد، فنحن نسمع أن القطارات لم تعد آمنة، وان الحوادث المميتة لم تعد حكراً على الطائرات التي صارت تسقط لأسباب شتى، لذلك نستعجل الوصول إلى المحطة الموعودة علِّ وعسى تطمئن قلوبنا وتهدأ، بعد أن زادت سرعة النبض لدينا، وكثرت كميات العرق التي تصب من جباهنا خوفاً وقلقاً لما بذلناه من جهد جهيد. فالقطار الذي صعدنا إليه من النوع الحديث، فهو مزود بدوائر تلفزيونية ملونة مرتبطة بالأقمار الصناعية، وتنقل لنا كل ما يحدث في العالم لحظة بلحظة، وآخر الأخبار التي تلقيناها كانت تركز على تعزيز مبادئ حقوق الإنسان، ومحاربة الفساد الإداري والمالي، واعتماد تقارير الشفافية حول العالم، الذي صارت غالبية دوله ديمقراطية، تؤمن بالتعددية وتداول السلطة بين الأحزاب والتنظيمات السياسية.

ومما نقلته إلينا المحطات الفضائية المنقولة على شاشات تلفزيون قطارنا العتيد، أن دولة مثل جنوب إفريقيا، والتي كانت مستعبدة بالكامل، وكان نظامها العنصري يفرّق بين الناس بسبب اللون والعرق وبسبب ومن دون سبب، قد أصبحت واحدة من اكبر الديمقراطيات في العالم، وأنها صارت تدعو إلى تشييد الديمقراطية في كل مكان، وخصوصاً بعد تقاعد زعيمها في العصر الحديث (نيلسون مانديلا)، بعد أن قضى أكثر من نصف قرن بين النضال خارج وداخل السجن، لكنه حين أتيحت له فرصة الوصول إلى سدة الحكم لم يبقَ سوى فترة رئاسية واحدة فقط ، وآثر ترك الأمر للشعب الذي كان مستعبداً ليختار قيادة بديلة تواكب المرحلة الجديدة.

لماذا لم يفكر مانديلا في موضوع حرق المراحل؟ يبدو أنه كان مشغولاً بموضوع أهم! فلقد صار مانديلا رمزاً للحرية في العالم، وأصبح يطوف على مختلف البلدان يبشر بالفجر الجديد الذي تعيشه جنوب إفريقيا، ترى هل قرأ مانديلا أشعار وقصائد ناظم حكمت؟

أجمل الأيام يوم لم نعشه بعد، وأجمل البحار بحر لم ترتده أشرعتنا بعد. أعتقد أن ناظم حكمت بحاجة إلى أن يقرأ ما فعله مانديلا، ليعرف أن هذا الرجل قد أبحر في أجمل البحار، وترك لشعبه أن يعيش أجمل الأيام!

آه ما أجمل هذه الشاشة الصغيرة في هذا القطار الذي لم يتوقف بعد، لكننا نخشى من ذلك، وكل ما يهمنا الآن أن يستطيع أبناؤنا الوصول إلى المحطة الموعودة، لأن هذا القطار حتماً لن يصل في الوقت المناسب إن بقيت سرعته على حالها.

نداء من قائد القطار، إلى جميع الركاب! نواجه بعض الصعاب والمخاطر في الطريق، نرجو أن تعودوا جميعاً إلى أماكنكم، وأن تضعوا أمتعتكم الشخصية تحت المقاعد التي يجب أن تكون في وضع عمودي، استعداداً للدخول في مناورة لتفادي الاصطدام مع قطار آخر يسير على السكة ذاتها، إنه يتقدم نحونا بسرعة جنونية، ويبدو أنه محمل بكميات كبيرة من الفحم الحجري، إن فرصنا في النجاة تتضاءل، يطلب من الجميع أن يقرأوا ما يتيسر من الذكر الحكيم، وأن يكثروا من قول لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

جميع من في القطار في حال هلع شديد، وكل يتشهد على روحه، يبدأ العد التنازلي... حانت لحظة الاصطدام... مرّ القطار الآخر بسلام فقد سلك خطاً آخر في اللحظات الأخيرة، لكن غبار الفحم الحجري وبقاياه السوداء قد غطت قطارنا وكل من كان فيه، في هذه اللحظات أعلن قائد القطار أنه سيوقف القطار قليلاً: «حتى نرتاح من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب». وكان لافتاً أن المسافرين قد اختاروا وفداً من بين كبار الشخصيات في القطار بهدف فتح حوار جاد مع قائد القطار، لنعرف إلى أين يقودنا هذا القطار في زمن الانتظار

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 818 - الأربعاء 01 ديسمبر 2004م الموافق 18 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً