العدد 2385 - الثلثاء 17 مارس 2009م الموافق 20 ربيع الاول 1430هـ

حركة تصحيحية إيرانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الحركة التصحيحية الدبلوماسية التي باشرت إيران باتخاذها باتجاه الدول العربية الخليجية لا يمكن قراءة خلفياتها السياسية إلا من زاوية إيجابية. فهذه الحركة التي تتوجت في زيارات ورسائل إلى الرياض والمنامة جاءت بعد سلسلة تصريحات «طاووسية» استفزازية أطلقتها مراكز القرار في طهران ما أعطى مفعولا سلبيا ودفع بعض القوى العربية إلى الرد بوضوح على الاستفزازات.

الحركة التصحيحية الإيرانية تطرح أسئلة بشأن دوافعها؟ فهل هي إشارة للاعتذار وتوضيح ملابسات وتعديل لغة انزلقت في مفردات طائشة واستخدمت مصطلحات تعود بالذكريات ثلاثين سنة إلى الوراء؟ وهل هي إعادة قراءة للموازين وخطوة باتجاه تقويم الخطاب السياسي ليتناسب مع ظروف مرحلة مغايرة للسابق؟ وهل هي بداية اعتراف بوجود عناصر ممانعة لاتزال قادرة عربيا على الصد والتحدي؟ وهل هي خطوة تراجعية عن سياسة هجومية تمظهرت إعلاميا في مشاهد مرئية في ضوء تداعيات العدوان على غزة؟ وهل هي مجرد تهدئة للخواطر والمشاعر بانتظار أن تتبلور معالم الاستراتيجية الأميركية في عهد باراك أوباما؟

أسئلة كثيرة يمكن وضعها تحت «هل» و«لماذا» و«كيف» ولكن الجواب المشترك يؤشر إلى أن الخطوة الإيرانية التصحيحية تعتبر ايجابية قياسا بتلك الأجواء الساخنة التي ارتفعت سحبها السلبية في المنطقة منذ اليوم الأول للعدوان على غزة. آنذاك صدرت تصريحات عنيفة ضد الدول العربية كادت أن تتحول إلى معركة كلامية في وقت تواصلت الهجمات المدمرة على أهالي غزة. وترافق الكلام «التخويني» مع مطالبات خطيرة تهدد بانهيار ما تبقى من هياكل عربية سواء على مستوى الجامعة ومؤسسة القمة أو على مستوى المبادرة العربية والسلطة الفلسطينية وغيرها من مرجعيات وطنية أو قومية.

الهجمات الإعلامية المعطوفة على الهجوم الإسرائيلي لم تكن موفقة لا في شكلها أو مضمونها أو توقيتها أو غاياتها لذلك انتهت إلى الفشل السياسي وأعطت نتائج عكسية مخالفة لكل المراهنات والتوقعات. فالكلام تجاوز الخطوط الحمر وأعطى قوة حرارية للهجوم المضاد ما أسفر عن انكشاف ساحة المعركة وظهور الموازين على حقيقتها في الميدان. الرد المضاد كان قويا واستفاد بسهولة من تلك التصريحات الإيرانية التي أظهرت سياسة غير ودية ضد دول الجوار العربية.

الرد العربي من المحيط إلى الخليج أو من المغرب إلى البحرين لابد أنه وصل إلى القيادة السياسية في طهران. ولابد أن القيادة أعادت قراءة المواقف ودرست مجددا مدى سلبية تلك التصريحات وتأثيرها على موقع إيران وطموحها نحو لعب دور إقليمي في منطقة استراتيجية وحساسة.

إعادة تقويم الخطاب السياسي خطوة جيدة كان لابد أن تحصل وذلك لسبب بسيط وهو أن النتيجة في نهاياتها الأخيرة لن تكون لمصلحة إيران مهما بلغت من التقدم في درجات القوة العسكرية أو التطور التقني. فالقوة لا تخدم لا الموقع ولا النفوذ ولا الدور ولا الطموح إذا كانت محاطة بدائرة مضطربة من العلاقات تعيد «نبش القبور» وتثير حساسيات تقوض الاستقرار في المنطقة.

المصلحة الإيرانية تقتضي أن تكون علاقاتها حسنة مع محيطها العربي ودول الجوار. والمصلحة عادة تتطلب عقلية تسووية تبتعد عن ذاك السلوك الاستفزازي في التصريحات أو التصرفات. والمصلحة أيضا تحتاج إلى رئيس جمهورية عاقل يدرك أن «الايديولوجيا» لا تنتج سوى قراءة خاطئة للواقع بل وتساهم أحيانا في تزييف الصورة وتوسيع رقعة الخصوم وإعطاء ذرائع للتدخلات الأجنبية.


هجوم ودفاع

هناك الكثير من الأسئلة يمكن طرحها لفهم ما يحصل إلا أن رصد الوقائع وملاحقة تتابع حلقاتها منذ بدء العدوان على غزة إلى يوم أمس تعطي فكرة عن المسار الإيراني الذي انتقل إلى الهجوم ثم تراجع مجددا إلى الدفاع. فالتداعيات التي كانت منتظرة من تدمير قطاع غزة جاءت أقل من التوقعات. الدور المصري في إطاره الجغرافي - السياسي مثلا تحسن وتقدم ولم يتراجع. كذلك الموقع السعودي في دائرته الخليجية. والأمر نفسه حصل في الأردن أو نسبة نفوذ السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع.

إلى هذا المجموع العربي هناك الإشارات الدولية والإقليمية. إقليميا تحركت تركيا لتعلب دورها الخاص تحت المظلة العربية الرسمية. وأوروبا اتجهت نحو تعزيز الموقف المصري من خلال المشاركة في قمتي شرم الشيخ: الأولى عقدت لوقف العدوان والثانية لإعادة إعمار غزة. حتى الولايات المتحدة في ظل إدارتها الجديدة اضطرت إلى إعادة قراءة توجهاتها بناء على تلك المعطيات التي ظهرت على أرض التجاذب الإقليمي - الجواري. وروسيا الاتحادية أطلقت إشارات تضامنية مع الموقفين الفلسطيني والعربي.

كل هذه العناصر المركبة من التقاء المصالح الدولية والإقليمية والعربية تدرجت خطوة خطوة منذ قمة الكويت الاقتصادية وما أعقبها من استعداد للحوار والانفتاح على خط مواز أظهر بدوره الاستعداد لصد التحدي.

جولة وزير الخارجية الإيراني على الدول العربية الخليجية واستقباله بالترحيب يدل على بداية انتباه لتلك المخاطر التي يمكن أن تنزلق نحوها المنطقة في حال استمرت سياسة استعراض القوة. والجولة التي يتوقع أنها حصلت بعد إجراء تلك القراءات النقدية التي لابد أنها أعادت تقييم النتائج وموازنتها سلبا وإيجابا تعتبر خطوة إجرائية تأتي قبل اكتمال عقد القمة العربية في الدوحة.

قمة الدوحة مهمة جدا في توقيتها وملفاتها وحضورها ومستوى تمثيلها. فهي الأولى سياسيا بعد المتغيرات التي حصلت في إدارة واشنطن، وهي تشكل حقل اختبار لمدى الاستعداد العربي على رص الصفوف لمواجهة سلسلة متحولات قد تطرأ على خريطة التحالفات في «الشرق الأوسط الكبير». وهذه الأمور لابد أن تكون القيادة السياسية في طهران قد درستها جيدا بعد أن وصلت حرارة التصعيد إلى حائط مسدود ما دفعها إلى اتخاذ قرار بإطلاق حركة تصحيحية في دبلوماسيتها الخليجية. فالخطوة مقدمة إيجابية وصحيحة بشرط أن تتواصل وتستمر وإلا تصبح نتائجها مشابهة لتلك التي أعقبت دعوة الرئيس محمود أحمدي نجاد للمشاركة في قمة دول مجلس التعاون الخليجي في قطر. فالقمة الخليجية آنذاك بدأت بالمصافحة والاحتضان والتعاضد والاستعداد للانفتاح والتحاور وانتهت بعد حين إلى نوع من الجفاء والتشاوف والانقطاع والاستعداء... وصولا إلى عودة وزير الخارجية الإيراني إلى زيارة دول المنطقة. العودة إلى سياسة الدبلوماسية المرنة خطوة مطلوبة لتصحيح العلاقة التي دخلت دائرة الاضطراب والتوتر والمناكفة، ولكن العودة تحتاج أيضا إلى قراءة نقدية حتى تكون حركة التقدم والتراجع مفهومة ولا تتكرر دوريا من دون إدراك للأسباب التي دفعت للتصعيد أو وعي للعوامل التي ساهمت في التهدئة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2385 - الثلثاء 17 مارس 2009م الموافق 20 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً