العدد 2385 - الثلثاء 17 مارس 2009م الموافق 20 ربيع الاول 1430هـ

طنطنة قديمة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في منتدى «الوسط» المنشور الأحد الماضي على صفحتين متقابلتين، لم يجد البعض غير عبارةٍ واحدةٍ من خمس كلمات من مجموع 4500 كلمةٍ، ليتشبث بها ويكرّر طنطنته واستخفافه الغريب بمصير حرية الصحافة والتعبير.

عنوان «المنتدى» جاء معبّرا عن محاور النقاش: «محاكمات الصحافيين تحذيرٌ للجميع من تعدّي الخطوط الحمراء ودخول المناطق المحرمة»، فأغلب الآراء عبّرت عن قلق حقيقي على حرية التعبير، بعد أن ضاقت بعض الجهات الحكومية بممارسة الصحافة لدورها الطبيعي من النقد وكشف نواحي القصور والتقصير والمآخذ في مؤسساتنا العامة. المنتدى شارك فيه صحافيٌ مخضرم (من نقابة الصحافيين تحت التأسيس)، وصحافية شابةٌ (من جمعية الصحافيين)، ومحامٍ، وناشط حقوقي سياسي (من جمعية البحرين للشفافية). كلهم اتفقوا على أن حرية الرأي والتعبير شهدت تراجعاَ عمّا يأمله الناس، واستشعروا أن هناك توجيها لزيادة القضايا المرفوعة ضد الصحافيين، بما يوحي بوجود عملية تحذير لهم لكبح دورهم المنصوص عليه في الدستور والمواثيق الدولية.

الرأي المجمع عليه ليس في المنتدى فحسب بل لدى جميع المتابعين للشأن السياسي، بأن هناك تقليصا ملموسا لهامش الحريات، الذي يحسدنا عليه بعض الجيران. ومن أسفٍ أن بعض العاملين بالصحافة مازالوا يكابرون لتقديم الذرائع والحجج لتبرير استهداف الصحافة. فمن عاش واقتات واكتسب الشهرة تحت أجنحة «قانون أمن الدولة»، لا يجد فرقا بين الحرية والأغلال، ويسوؤه أن يتقلص إلى حجمه الواقعي ويتخصّص فقط في الدفاع عن القضايا الخاسرة، معاديا للحريات العامة وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية... وغيرها من قيمٍ نبيلةٍ لا يستوعبها، كأن بينه وبينها ثأرا قديما.

الجدل الدائر في الصحافة عن الحريات العامة، سيكشف أكثر للرأي العام أنصار المستقبل وأنصار الماضي، وخصوصا مع استنفار الحرس القديم في الصحافة للدفاع عن المرعى الوبئ. وما يؤكد ذلك بروز هذه النزعة الاستبدادية والاستئثار بالمشهد، والضيق والتبرّم بالأقلام المنافسة التي تخصّب الساحة بما تضخه من دماء وأفكار جديدة. فمن مجموع 4500 كلمة، لم يجدوا غير عبارة «نحن نمر بمرحلة انتقالية»، لتبرير الانقضاض على الصحافة المستقلة التي تتبنى القضايا والهموم العامة، التي تضغط على أعصاب الناس وتقوّض راحتهم وتهدّد لقمة عيشهم. إنها ليست مزاعم وتقوّلات، وإنما حقيقةٌ يعرفها الجميع، فالصحافة ذات الفكر الانعزالي القديم تصطف تلقائيا ضد الحقوق العامة... هذه هي القاعدة دائما بلا استثناء. هذه الصحافة البعيدة عن تطورات العصر، لا تكترث بالتراجعات التي سجّلتها المنظمات الدولية في تقاريرها بخصوص الحريات العامة في البحرين.

هؤلاء نتفوا من كلام الأمين العام لنقابة الصحافيين قضمة صغيرة عن «الفترة الانتقالية»، وتجاهلوا كلّ ما قاله من كلام واضح لا يحتمل التزوير، وأعاد تأكيده في البيان المنشور أمس، والذي اعتبر فيه القضايا الأخيرة ضد الصحافيين «استقواء على الصحافة ولجم حرية التعبير... كما أنها تعبّر عن ضيقٍ بحرية التعبير عن آراء لم تنتهك أي قانون». ما صدر حتى الآن من مواقف للصحافيين، إنّما هو دفاعٌ عن حرية القلم في أيديهم، ولعلّ من أغرب المفارقات التي نسجّلها هنا، أن نجد نساء كاتبات أو شوريات، وإن كنّ قلة، يقفن في مقدمة صفوف المحرّضات على الصحافة المستقلة وحرية التعبير.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2385 - الثلثاء 17 مارس 2009م الموافق 20 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً