العدد 830 - الإثنين 13 ديسمبر 2004م الموافق 01 ذي القعدة 1425هـ

الزمن ومجلس التعاون

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

بعد أسبوع تقريبا من اليوم ستعقد القمة الخامسة والعشرين لمجلس التعاون الخليجي في مملكة البحرين، وستنشئ المناسبة بحد ذاتها سيلا من التعليقات والأفكار التي تكاد تتكرر كل عام بحذافيرها. من الغريب أن يسارع مجلس التعاون في فهم أهمية الزمن منذ التفكير فيه العام 1980 وحتى قيامه 1981، فاخذ اقل من سنتين بين الخطوتين، وأن يتباطأ بعد ذلك في تنفيذ الأفكار التي تسارع في بناء لحمة اقتصادية وتنموية في المنطقة، إذ تحوطها في كل شهر تحديات غير مسبوقة بل ومتعاظمة، فأصبح الزمن ليس ذا قيمة، أو هكذا يبدو.

وبدأ يفكر في مجلس التعاون في فترة عصيبة من تاريخ المنطقة، وكانت الحرب العراقية الإيرانية تشعل فتيلها الذي تخوف الجميع من أن يصيب الجيران بوابل من نار، وما أن جرت الحرب (روتينية) تقريبا، حتى فترت الهمة وأصبحت عاما بعد عام جزءا مقبولا من صيرورة تاريخ المنطقة وكأنها قدر محتوم، ويتقابل في قمتها المسئولون سنويا ثم تنفض، وكأنها حفلا سنويا للتذكار لا غير!

فأصبح الخلاف بين أهل البيت الخليجي أكثر من الوفاق، وتباطأ الانجاز كي يصبح رفع عتب، أكثر منه خطة حقيقية لمواجهة التحديات الإقليمية الماثلة، ارتفعت أسعار النفط فاطمأن الجميع، ثم انخفضت فتلفت الجميع للبحث عن مخرج، وما لبث أن ارتفعت الأسعار فعاد الاطمئنان النسبي، وتحولت السياسة في بلادنا إلى تابع لبورصة أسعار النفط،إلا إن المطلعين ليس خافيا عليهم الشعار الذي بدا يظهر في بعض النقاشات في مراكز صناعة الرؤى في الغرب، وهو شعار يقول (حرب النفط بالنفط) لعل بشائره قد ظهرت على الأرض بالسباق في خفض الإنتاج النفطي التي بدأت ولا يعرف احد أين ستتوقف في السنوات القليلة المقبلة!، وأي ثمن يراد له أن يدفع بسبب هذا الشعار الجديد.

بداية القرن الواحد والعشرين جاءت بتحديات غير مسبوقة، لقد جاءت وفي أهبتها ضغطا خارجيا يتحدث عن ضرورة التغيير بعناوين كبيرة وملفته، منها الشفافية، وحقوق الإنسان، ومحاربة الفساد،و التنمية الاقتصادية ومحاربة البطالة، والمساواة القانونية، وتطبيق القانون، وهي عناوين ليست خاصة بدول مجلس التعاون، ولكنها معنية بها.

وأمام القمة الخامسة والعشرين عناوين بارزة منها (الإصلاح) الداخلي بإشكاله المختلفة الذي أصبح المواطن في الخليج يتوق إليه، ومنها تحديات في الجوار صعبة، بل غير مسبوقة.

ربع قرن من العمل المشترك لايزال يراوح في مكانه، وهناك عشرات الدراسات التي أنتجها أبناء المنطقة في ملتقياتهم العلمية، تشير إلى المشكلات وتعين الطرق لحلها، شارك فيها رسميون، إلا أنها ضلت على الرفوف العالية لا يقربها احد.

منذ الثمانينات من القرن الماضي كانت أطروحة (الاقتصاد) هي الحاكمة لتسريع تطوير مجلس التعاون، وهي أطروحة تستوجب بعض التضحيات الآنية في سبيل مكاسب أكبر وأعظم على المدى المتوسط والبعيد، إلا أنها لم تؤخذ بالجدية التي تستحقها، حتى المجلس الاستشاري الذي بدأ العمل به منذ سنوات ساهم في بلورة بعض تلك الأطروحات، ولكنها ظلت حبيسة الأضابير، واستغني عن ألمها المؤقت بتدابير تخديرية، لها شقان إما بالانطلاق بعيداً للتنسيق مع دول بعيدة، أو بإقناع النفس أن الدولة المفردة، قادرة على تخطي العقبات التي تواجهها بسبب وفرة نسبية ومؤقتة من الريع النفطي!

ولم تجرب الحلول الأكثر صعوبة في المدى القصير والأكثر نفعا في المدى الطويل لتثبيت الاستقرار الإقليمي.

تذليل العوائق القانونية والبيروقراطية أمام بعض صعوبات التعاون الاقتصادي في الخليج، تمت في معظمها، ليس بسبب قناعة إقليمية ومبادرة سياسية، ولكن بسبب ضغط (العولمة) الخارجية، التي فرضت تطويع القوانين الاقتصادية لتتلاءم مع متطلبات العصر والسوق الدولية المفتوحة، وقد آن الأوان اليوم أن تتخذ حزمة إجراءات اقتصادية تكاملية لينساب رأس المال المادي والبشري في هذه المنطقة، كي يصبح كل مواطن له مصلحة حقيقية في هذا المجلس التعاوني.

بيت القصيد أن لا استقرار ولا تنمية من دون استقرار اقتصادي وتشغيل شبه كامل لليد العاملة المواطنة.

في ملف آخر، هو ملف الجوار، حتى يومنا هذا تكاد البيانات الأخيرة لدورات انعقاد مجلس التعاون تتشابه، ويكاد المتابع أن يتوقع أكثر التعبيرات شيوعا فيها.

إلا أن المتغيرات سريعة وجارفة، فالعراق القريب له من المشكلات المقبلة أكثر مما كان له في الماضي، وتكاد ساحة العراق أن تنبئ بالكثير من التوقعات السلبية، وهي جميعا لها مصبات، واحدة منها وأكثرها إغراء هي دول الخليج، وخصوصاً الصغيرة منها، وقد لا يكون الوضع في إيران مشوبا بمخاطر مباشرة، إلا أن الغليان الداخلي هناك، والصراع الخارجي مع الغرب، خصوصاً بشأن التسلح النووي، يثير من القلق ما يتوجب الوقوف أمامه وفحصه، وتحديد سياسات متقاربة تجاهه، إما عن طريق المساعدة في تبريد الموقف الغربي، أو إقناع إيران بأن من المصلحة العامة في المنطقة تحكيم العقل والبعد عن التحدي.

ستتغير النظرة في شرق المتوسط بعد وفاة المرحوم ياسر عرفات،وهذه بشائرها تقول لنا أن الرجل القادم هو (أبومازن) بما عرف عنه من بحث جدي لمخرج لهذه القضية التي أرقت الشرق الأوسط لقرن كامل حتى اليوم، وهو ملف سيكون جاهزا للتداول قريبا، ودول الخليج مطالبة بموقف منه، سياسي أولا ومن ثم اقتصادي.

لعل الإرهاب في دول الخليج، وفي داخلها، هو أمر لا نتبين غير رأس جبل الثلج فيه، وهو إرهاب يمكن أن يتصاعد لأن دول الخليج حتى الآن لم تحدد استراتيجية متوسطة أو طويلة المدى للنظر في ظروف ظهوره وطرق احتوائه.

المتغيرات الاقتصادية والسياسية المحيطة لم تتصدى لها دول الأرض، إعلاميا وثقافيا بما يحقق تطويق أسباب ودوافع الإرهاب، بل أن بعضها قد استسهل الأمر ليعتقد أن الظاهرة (مؤقتة) في الوقت الذي تغذي وسائل الإعلام بأصنافها المختلفة جذور (الإرهاب)، وهي تغذية يعتقد البعض أنها تقلل من الدوافع التي تحض على الإرهاب في الوقت الذي يرى العقلاء أنها وقود جديد للإرهاب، مستعينة بفتاوى يطالعها العامة كل مساء على شاشات تلفازهم.

على المتابع أن يتذكر أن الولايات المتحدة التي يحلف رئيسها القديم الجديد بعد أسابيع قسم تسلمه للسلطة مجددا، لها سياسة معلنة بشأن الإصلاح ليس للمنطقة الخليجية بل لمنطقة الشرق الأوسط، إلا إن منطقتنا هي بؤرة الاهتمام ليس بسبب لون عيون سكانها العسلية، بل بسبب ما تؤثر فيه اقتصاديا وتنمويا وفي المرحلة الأخيرة إعلاميا وثقافيا.

فالإصلاحات الشكلية إن هي تمت كجبر الخواطر، قد تقود إلى ردود فعل يكون ثمنها أغلى بكثير ما يمكن أن يدفع الآن.

الخليج ودوله وشعوبه عشية اجتماع القمة الخليجية في البحرين بعد أسبوع من اليوم على مفترق طرق، ومؤسسة المجلس تحتاج أول ما تحتاج اليوم إلى (مؤسسة للفكر والرأي) تكون مستقلة لتقدم الأفكار الشجاعة المطلوبة للتطوير، فالمجلس الاستشاري الذي أُمل أن يكون رافعة لتقديم الدراسات النافعة، غلبت عليه المجاملة فأصبح واحدا من المؤسسات الشكلية.

ترى كم ربع قرن سننتظر لتحقيق طموحات مستحقة للشعوب على الأرض، وكم من هامش التسامح يستطيع أن يستغني عنه المواطن بانتظار الفرج؟

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 830 - الإثنين 13 ديسمبر 2004م الموافق 01 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً