العدد 836 - الأحد 19 ديسمبر 2004م الموافق 07 ذي القعدة 1425هـ

مكتشف «النظرية النسبية» دعم الدولة العبرية على أرض فلسطين

(2005) عام آينشتاين

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

الصورة التقليدية لهذا العبقري يمكن رؤيتها في أي مكان على وجه البسيطة. وجه ينطلق منه لسان. صورة أخذت لألبرت آينشتاين حين تقدم به العمر. في العام المقبل ستحتفل ألمانيا بألبرت آينشتاين، الفيزيائي العبقري ورجل عصره والحاصل على جائزة نوبل العام 1921. من هو هذا الرجل وماذا فعل حتى يستحق كل هذا الاهتمام؟ في أواخر القرن التاسع عشر نشأت أزمة فيزياء في العالم وظن عدد لا بأس به من علماء الفيزياء في العالم أن هذا العلم شارف على النهاية إذ مرت فترة من الزمن لم يصدر عن العلماء شيء جديد يستحق الاهتمام. كان هؤلاء على خطأ. إذ سرعان ما جاء العام 1905 وحمل معه مفاجأة كتب لها أن تغير العالم. فقد طرق باب مجلة متخصصة بموضوعات الفيزياء وفي جعبته خمسة مقالات كتبها في فترات متلاحقة وفي مدة زمنية قصيرة. اسم المؤلف الشاب ألبرت آينشتاين وكان لا يزيد عمره على 26 عاماً. وكان يشغل وظيفة مراقب فني للدرجة الثالثة في قسم براءات الاختراع في بيرن عاصمة سويسرا. كان الهدف من مقالاته وضع تصور جديد عن المكان والزمان والمادة والطاقة مختلف جذريا عن السابق. هكذا أصبح العام 1905 عام معجزة آينشتاين.

وقد أشار الكاتب المتخصص بيل برايسون إلى المقالات الخمسة باقتضاب: في المقال الأول شرح آينشتاين ماهية الضوء وحصل لقاء ذلك على جائزة نوبل العام 1921. وفي المقال الثاني قدم البرهان على أن الذرات موجودة فعلاً. أما المقال الثالث فقد غير بكل بساطة العالم برمته. كان عملا ثوريا لآينشتاين وضع فيه نظرية جديدة عن المكان والزمان أطلق عليها فيما بعد اسم (النسبية) وهو اسم لم يكن آينشتاين نفسه يريده إذ كان يفضل اسم (نظرية المطلق). ومهما يكن من أمر فإن ذلك المقال الذي يحمل العنوان «عن الديناميكية الكهربية للأجسام المتحركة» يعد من أعظم الأعمال العلمية في جميع الأزمان، لا بل لعله أعظم فكرة خطرت على بال إنسان في أي وقت. فهو لا يحتوي على حواش ولا اقتباسات، وليس فيه سوى قليل جداً من الرياضيات، ولا يستند إلى أي أعمال أو دراسات أخرى. لقد كان كما قال سي بي سنو وكأن آينشتاين قد توصل وحده بالتفكير المجرد إلى نتائجه، من دون مساعدة، ومن دون الاستماع إلى آراء الآخرين.

يوصف آينشتاين بأنه كان منذ صغره فردي الطباع. ولد العام 1879 في أولم في جنوب ألمانيا وكان منذ طفولته غريبا وكتوما. وحتى الثالثة من عمره لم ينطق بأي كلمة، وفي الثانية عشرة قرأ كتابات إقليدس وتعلم بنفسه الهندسة المسطحة. وكان منذ شبابه يريد حل أحجية الكون. وعلى رغم طموحاته العالية لم يكن تلميذا نجيبا في الدراسة. وهذا أمر ليس عادياً بالنسبة إلى شخص موهوب جدا. وأخيرا ترك المدرسة كليا وذهب إلى إيطاليا إذ كان يقيم أهله ولكن لهدف الدراسة في مدينة زيوريخ. في العام 1900 تخرج في المعهد العالي للتكنولوجيا في زيوريخ حاملا شهادة دبلوم لتدريس مادة الرياضيات. وعندما بدأ العمل في قسم براءات الاختراع تزوج من زميلته في الدراسة ميلينا ماريك التي كانت أحب الناس إلى قلبه.

كان آينشتاين منذ طفولته يتساءل عما سيحدث لو تحرك المرء بسرعة الضوء وراقب موجة ضوئية تتحرك معه. لم يجد جوابا مرضيا لهذا السؤال لكنه لم يكف عن التفكير في هذه المشكلة. ويذكر عنه أنه كان قادرا على تركيز أفكاره أعواما عدة على المشكلة نفسها. وكان عند العودة من مكان عمله إلى البيت يسلك طريقاً ملتفاً عبر شوارع بيرن. وشيئا فشيئا بدأت الحركة تدب في فكره. وبصورة عفوية بدأ يشكك في الأسس التي يقوم عليها مفهوم المكان والزمان.

في هذا الوقت سمع عن نتائج اختراعات ميشلزون ومورلي في الولايات المتحدة. كانا في هذه التجربة يريدان قياس سرعة الضوء بالنسبة إلى الأرض التي تتحرك حول الشمس بسرعة لا بأس بها. فتبين لهما أن سرعة الضوء، وخلافا لما هو متوقع، لا تتغير سواء قيست باتجاه حركة الأرض أو بعكس اتجاه الحركة، أي تبين بالتجربة العملية أنها ثابتة تماما. وكل ما فعله آينشتاين هو أنه تبنى هذه النتيجة ورفعها إلى مرتبة المبدأ الكوني.

ثم وضع فرضيته القائلة بأن الضوء ينتشر في كل مكان بالسرعة نفسها. صحيح أن هذه الفرضية كانت تتناقض مع القواعد الرياضية المعتمدة، لكن آينشتاين لم يعر أهمية لذلك. وفعلاً كان مصيبا. فسرعة الضوء هي أعلى سرعة ممكنة في المتصل الزماني/ المكاني، وتبلغ 299792,458 كيلومتراً في الثانية. إلا أن تثبيت سرعة الضوء يعني أن الزمان والمكان يصبحان شيئا نسبيا. ففي منظومة متحركة يجري الزمان أبطأ من جريانه في منظومة ساكنة.

وكان أحد القديسين قد كتب قبل زمن سابق: إن الزمان كنهر مليء بالحوادث. وتياره قوي جدا. فما أن يظهر شيء حتى يغيب بسرعة كبيرة. لكن هذا القديس وكان يدعى أوغسطينوس، لم يكن يعرف أن الزمن ليس منتظما وإنما متعلق حتى بالحال الحركية للراصد. وكان نيوتن قد أدخل المكان والزمان إلى الفيزياء بطريقة بسيطة. كان يقول إن الزمان يجري بحركة منتظمة من لحظة إلى لحظة. ولكن حتى في عصر نيوتن كان هناك بعض المشككين. فالعالم لايبنتس مثلا، كان يعتقد أن الزمان ما هو إلا اللغة التي تمكننا من إقامة علاقة فيما بين الحوادث. ففي عالم لا يتغير، أي خال من الحوادث، لن يكون هناك أي وجود للزمان. وقد اقترب آينشتاين من تصور لايبنتس لكنه لم يتبناه كاملا. ولكن في الصورة الجديدة التي رسمها آينشتاين أصبح جريان الزمان مسألة متعلقة بالمنظومة، وأصبح تباطؤ الزمان في المنظومة المتحركة يتجدد بعامل أطلق عليه اسم (عامل غاما).

في العام 1909 ترك آينشتاين وظيفة العمل في مديرية براءات الاختراع والتحق بالعمل الجامعي. عمل مدرسا في جامعة زيوريخ ثم في جامعة بيرن وبعد ذلك في براغ أيضا. وفي 1912 عاد إلى زيوريخ. وفي 1914 عرضت عليه الأكاديمية العلمية البروسية في برلين وظيفة مع تكليف بالتدريس في معهد كايزر فلهيلم للفيزياء. وعندما حصل بعد عدة أعوام على جائزة نوبل أصبح من عظماء التاريخ العالمي. في عهد جمهورية فايمار شعر آينشتاين وهو المتحمس للأفكار الأممية والاشتراكية، بازدياد معاداة السامية. وعندما أحرقت كتبه في ألمانيا وتولى هتلر العام 1933 الحكم، توجه اليهودي آينشتاين مع زوجته الثانية إلزا إلى الولايات المتحدة. هزته جرائم النازية إلى حد أنه لم يعد لألمانيا أبدا. في الولايات المتحدة قبل دعوة للعمل في معهد للدراسات العليا في برينستون وظل هناك حتى توفي العام 1955.

في 16 يوليو/ تموز 1945 وقع انفجار هائل في صحراء نيو مكسيكو بالولايات المتحدة، ناجم عن تفجير قنبلة نووية. وما حدث كان تحويل جزء صغير من المادة إلى إشعاع، بالإضافة إلى القنبلة التجريبية نجح الأميركيون في صنع قنبلتين أخريين ألقيتا في أغسطس/ آب العام 1945 على المدينتين اليابانيتين هيروشيما وناغازاكي.

إلا أن علماء الفيزياء لم يخترعوا الجحيم النووي وإنما جلبوه فقط من الشمس إلى الأرض. ماذا كان دور آينشتاين؟ في أغسطس العام 1939 كتب للرئيس الأميركي رسالة أعرب فيها عن قلقه من أن ألمانيا قد تكون في طريقها إلى صنع القنبلة الذرية. وكانت هذه الرسالة الدافع إلى تأسيس (مشروع مانهاتن) الذي أدى إلى صنع القنبلة الذرية. واعترف آينشتاين فيما بعد أن هذا كان خطأ وخيم العواقب والمثال الأكثر مأسوية عن قوة العلم وعجزه.

وفي العام 1950 كتب آينشتاين يقول: لم أشارك أبدا في مشروعات ذات طبيعة تقنية عسكرية ولم أجر أية أبحاث لها علاقة بصنع القنبلة النووية. وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عمل بحماس من أجل وضع نظام عالمي بعيد عن الخطر النووي وقام بدعم الدولة العبرية التي قامت على حساب وأرض الفلسطينيين وهذه من أخطاء آينشتاين التي لا يغفرها له الفلسطينيون والعرب. ويشاء القدر أن يكتب هذا الشخص قبل وفاته تحذيرا استفزازيا للبشرية: إذا لم تصبحوا أكثر عدلا وحبا للسلم وأكثر تعقلا ووعيا أكثر مما كنا نحن، فلتذهبوا إلى الشيطان

العدد 836 - الأحد 19 ديسمبر 2004م الموافق 07 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً