العدد 841 - الجمعة 24 ديسمبر 2004م الموافق 12 ذي القعدة 1425هـ

مستقبلنا بأيدي الوافدين

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

إصلاح «سوق العمل» هو «إصلاح الاقتصاد» وهو أيضاً خلق المستقبل الواعد لبلادنا... هذه هي الرسالة التي يخرج بها المرء بعد الاستماع إلى عدد من الخبراء وهم يتحدثون عن متطلبات الإصلاح الاقتصادي. وقال الخبير الاقتصادي طارق يوسف يوم الأربعاء الماضي أمام الصحافيين «لقد انطلق القطار وهو يتقدم نحونا ولا يمكننا تجاهله»... أما القطار الذي يتحدث عنه فهو جيش من الشباب (من كل بلدان الشرق الأوسط) الذين بدأوا يلتحقون بقطار الباحثين عن عمل، وهذا القطار سيشمل مئة مليون شاب بعد عقد من الآن.

لكل منطقة خصوصيتها، ومنطقتنا الخليجية تواجه خطراً حقيقياً من نوع آخر يتمثل في إحلال شعب وافد محل الشعوب الخليجية الحالية. فدولة الإمارات العربية المتحدة لديها عمالة وافدة تمثل نحو 91 في المئة من إجمالي العمالة، وتأتي بعد ذلك الدول الخليجية الأخرى وأقلها البحرين التي تبلغ نسبة العمالة الوافدة فيها نحو 60 في المئة من مجموع العمالة.

وصرح وزير العمل والشئون الاجتماعية البحريني مجيد العلوي - أثناء انعقاد قمة التعاون - بأن نسبة العمالة الوافدة في الخليج تزداد سنوياً بمعدل 5 في المئة وأن 12 مليون وافد يعيشون في الخليج والجزيرة العربية. وبحسب تشريعات حقوق الإنسان الدولية (هناك اتفاق دولي ينص على حقوق العمالة الوافدة)، فإن الوافدين لهم حقوق مدنية كثيرة، وإنه مع الوقت من حقهم أن يتمتعوا بالحقوق السياسية أيضاً بما في ذلك الوصول إلى مناصب وزارية. وتتصور الحكومات الخليجية أن هذا بعيد عنها، ولكن بعد عشر أو عشرين سنة سيصبح لزاماً عليها الالتزام بالمنظومة الدولية للحقوق، شاءت أم أبت. ويذكر أن بعض الدول الخليجية تعرضت لمساءلة لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة خلال الأعوام الماضية بشأن الحقوق المدنية للأقليات المحرومة، ومنها العمالة الوافدة.

العمالة الوافدة هي الطبقة العاملة في الخليج، والآن أصبحت أيضاً تحتل موقعاً متقدماً في الطبقة المتوسطة، بل إن دبي (مثلاً) لا يمكنها الاستغناء عن هذه الطبقة المتوسطة التي أصبح بعضها من الطبقة الثرية جداً، وذلك لأن استمرار النمو في إمارة دبي يعتمد أساساً على هذه الطبقة الوافدة.

من جهة أخرى قدرت دراسة أصدرتها أمانة مجلس التعاون أن حجم تحويلات الوافدين في دول المجلس تبلغ في الوقت الحاضر قرابة 24 مليار دولار سنوياً. والبحرين تفقد أكثر من مليار دولار سنوياً من ثروتها بسبب هذه التحويلات، وهي أعلى نسبة إذا أخذنا في الاعتبار حجم الاقتصاد البحريني.

عدد العمال الأجانب سيبلغ خلال السنوات العشر المقبلة 18 مليون شخص، وهؤلاء يسربون حالياً نحو 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أعلى نسبة تحويلات تسجل في العالم (في البحرين تبلغ نسبة التسريب نحو 16 في المئة). وأظهرت دراسة مجلس التعاون أن هناك اتجاهاً تصاعدياً بحكم حجم التحويلات في دول المجلس، وأن الوافدين لا يرغبون في غالبيتهم الاستثمار في البلد المضيف، وغالباً ما تعمد العمالة الأجنبية إلى تحويل ما يتبقى من مدخراتها لبلدانها الأم لاستيفاء الالتزامات الأسرية التي تواجهها في تلك البلدان.

الأسوأ أن غالبية العمالة الوافدة ليست مؤهلة تأهيلاً عالياً، وأصبحت الآن تمثل عائقاً أمام الاستثمار في المكننة والتقنية العالية. فمادامت العمالة رخيصة ومتوافرة، فلماذا الاهتمام بالصرف على التكنولوجيا؟

ومن الجانب الآخر فإن كلف العمالة الوافدة من ناحية الأمن والتعليم والصحة والخدمات في ازدياد مطّرد، هذا دون ظواهر الفساد الأخرى مثل «فري فيزا» و«فيزيت فيزا»، ما يخلق سوقاً سوداء في كل شيء، بما في ذلك أسواق دعارة ورقيق ومخدرات وجرائم منظمة من أنواع شتى.

السنوات المقبلة حُبلى بمفاجآت غير سارة: ستمتلئ جيوب البعض، ومقابل ذلك يقوم هذا البعض بزرع البلاء لأبنائهم وأبناء أبنائهم... والضحية هو الوطن

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 841 - الجمعة 24 ديسمبر 2004م الموافق 12 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً