العدد 841 - الجمعة 24 ديسمبر 2004م الموافق 12 ذي القعدة 1425هـ

هل التحالف عاجز عن الإمساك بأسامة بن لادن؟

قامت الحرب المناهضة للإرهاب بسببه

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

ماذا يفعل أسامة بن لادن يا ترى هذه الأيام؟ إنه من دون شك يتابع أخبار العالم ويعيش مختبئاً، لكنه يعرف أن بوسعه التسبب في بلبلة إعلامية وقتما يرغب، بعد أن انتشر اسمه في أنحاء الكرة الأرضية. كل بيان أو تصريح يصدر عنه لا يشغل اهتمام أجهزة الاستخبارات العالمية فحسب بل يتحول إلى مادة إعلامية تتصدر صفحات الصحف وتعقد ندوات تلفزيونية للتعليق عليها. وكلما هدأت الأمور بعث بن لادن شريطاً صوتياً أو مصوراً، بحسب مزاجه، إلى إحدى الفضائيات العربية، كما جرت العادة وكما حصل قبل وقت قصير على موعد انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة.

شائعات وأكاذيب

كل ما أشيع في وسائل الإعلام الغربية بالذات خلال السنوات الثلاث الماضية ثبت بطلانه. في بداية الغارات التي شنتها مقاتلات حربية أميركية وبريطانية وغزو صغير لقوات خاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وأفغانستان لمناطق جبلية في أفغانستان على الحدود مع باكستان، قيل إن بن لادن لقي حتفه، ثم زعموا أنه توفي نتيجة فشل كلوي. بعد ذلك قالوا إنه فقد إحدى ذراعيه. ثم أعلنوا وفاته من جديد وكانوا على وشك تنصيب نائبه أيمن الظواهري مكانه لو أن زعيم «القاعدة» لم يرسل شريطاً جديداً ظهر فيه بوضع صحي لا يشير إلى أنه يعاني من مرض عضال كما شاهد العالم ذراعيه.

ويلحظ المرء في رسائله المصورة أن الشيب بدأ يغزو شعره بقوة، لكنه لا يترك أي انطباع بأنه مضطرب الأعصاب أو يعيش في توتر مستمر، لكن مع كل شريط أو رسالة مصورة يظهر السؤال مجدداً بوجه «التحالف المناهض للإرهاب»: هل هذا التحالف عاجز عن الإمساك بأسامة بن لادن أم أنه لا يريد ذلك؟

ليست هناك مشكلة في الحصول على إجابات من مختلف الأطراف المعنية. الرئيس الأميركي جورج بوش قال: «يضحك أسامة بن لادن على نفسه إذا ظن أنه بإمكانه الاختباء طويلاً من الولايات المتحدة وحلفائها». وصدر هذا القول بعد وقت قصير على هجمات سبتمبر/ ايلول 2001. منذ ذلك الوقت راح الأميركيون يشيعون بين فينة وأخرى أنهم على وشك التوصل إلى مخبأ زعيم القاعدة. وفي مطلع العام الجاري أعلن ناطق باسم قواتهم في أفغانستان أنه «على ثقة بأنه سيجري اعتقال بن لادن في هذا العام». سبقه تصريح مسئول عسكري أميركي قال: «إن القوات الباكستانية طوقته في مكان ما في وزيرستان»، ولم يكن هذا أول تصريح من نوعه يصدر عن جهات أميركية أو باكستانية، فأصبح المرء يتجاهل مثل هذه التصريحات أو على الأقل لا يأخذها على محمل الجد.

خلال السنوات الثلاث الماضية نشرت الولايات المتحدة ما بين 10 آلاف و20 ألف جندي في أفغانستان بحيث بلغ عدد جنودها 4 أضعاف عدد الجنود الدوليين العاملين تحت راية قوة حفظ السلام الدولية (إيساف). وقالت واشنطن إن هدف القوات الأميركية في أفغانستان هو «ضرب معسكرات التدريب التي يستخدمها الإرهابيون والقضاء على قادتهم»، أو على الأقل اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة وبالتالي وقف جميع النشاطات الإرهابية داخل أفغانستان. والولايات المتحدة تنفق كل عام عشرة مليارات دولار على تمويل مهمتها في أفغانستان.

يقول الأميركيون إن كل هذا الحشد العسكري وكل هذه الأموال أسفرت عن إضعاف القاعدة، لكنها باعتراف محللين استراتيجيين في أوروبا لم تقض عليها أو تبطل مفعولها، فثلاثة آلاف من أتباعها فرّوا من أفغانستان وتوزعوا في مختلف مناطق العالم، لكن تم إضعاف قيادة التنظيم بمعدل الثلثين. إلا أن الرموز الكبيرة والمؤثرة مثل بن لادن والظواهري، مازالت طليقة. ويعتقد مسئولون في أجهزة استخبارات غربية يتابعون هذه القضية أن بن لادن انفصل عن الظواهري وقررا أن يختبئ كل منهما في مكان بعيد عن الآخر، إلاّ أن جميع المعلومات تشير إلى أنهما مختبئان في مكان ما على الحدود الطويلة بين أفغانستان وباكستان. ويشير هؤلاء أيضاً إلى أن عدم الحصول على علامات اتصال عبر أجهزة المراقبة التي تستخدمها أجهزة الاستخبارات المتعددة الجنسيات التي تلاحق رموز القاعدة، يوضح أن الاتصال يتم عبر الأشخاص ويجري استخدام الأسلوب نفسه حفاظاً على الصلة مع أتباع التنظيم في الخارج. ومن أبرز الأدلة على نجاح أساليب الاتصال التي يستخدمها رموز القاعدة كانت عملية تسليم الشريط الأخير لمكتب محطة تلفزيون «الجزيرة» في باكستان. فقد جرت عملية تسليم الشريط من دون لفت انتباه فرقة من رجال البوليس السري الباكستاني الذين يراقبون المكتب على مدار الساعة.

الأفغان متعاطفون مع طالبان

وكما زاد عدد أسماء عمليات الهجوم على مخبأ قادة القاعدة التي ابتدعتها وزارة الدفاع الأميركية خلال الفترة الماضية وباتت في حضن الماضي. كانت البداية عملية «أناكوندا»، ثم «هجوم الجبل» و«أسد الصحراء» و«الضربة الشجاعة» وآخرها «ومضة الحرية»، وهي عمليات شاركت فيها وحدات عسكرية خاصة مجهزة بأحدث أنواع الأسلحة وأجهزة الكشف والصواريخ، وقيل أكثر من مرة إن هذه القوات تقف وجهاً لوجه أمام العدو. غير أن الواقع يضعف تفاؤل الأميركيين وحلفائهم. ففي قندهار على سبيل المثال إذ أقام الجنود الأجانب قواعدهم العسكرية، فإنهم يسيطرون على هذه المواقع فقط ولا يملكون الجرأة على التوغل بعيداً داخل المناطق الأفغانية. وبشهادة مراسلين أجانب يزورون أفغانستان باستمرار فإن القوات الدولية لا تتمتع بشعبية في أوساط الشعب الأفغاني الذي يتعاطف بغالبيته مع طالبان والقاعدة ولا يتعاطف مع الجنود الأميركيين.

فضلاً عن ذلك هناك مشكلات تواجه الجنود الأجانب مثل سوء الترجمة وحصولهم في الغالب على معلومات غير صحيحة عن وجود العدو. ويجري تركيز المناقشات في واشنطن وكابول بشأن مشكلة قديمة تمثل نقطة ضعف في عمليات البحث عن بن لادن ونائبه. فرجال القبائل بينهم أتباع قبيلة البشتون التي ينحدر منها الرئيس الأفغاني حميد كرازي، يوفرون الحماية لبن لادن ومعاونيه ويسيطرون على مناطق لا تتجرأ القوات الأفغانية أو القوات الباكستانية على دخولها. كما تخشى القوات الأميركية الاقتراب منها لعدم إثارة غضب القبائل الأفغانية. وتستخدم الـ «سي آي إيه» سياسة توزيع الدولارات على رجال القبائل.

مشرف وحاجة الغرب

ووفقاً لبيانات رسمية باكستانية يحارب نحو ألف مقاتل أفغاني إلى جانب 300 من أتباع الطالبان والقاعدة، لكن من الصعب تصديق هذه المعلومات. إذ حين قامت باكستان أخيراً بحملة عسكرية واسعة النطاق وقالت إنها حاصرت الظواهري في وزيرستان، لحقت بالجيش الباكستاني خسائر كبيرة بالأرواح (200 جندي)، ما اضطر الرئيس مشرف إلى القول خلال زيارته الأخيرة للندن إن الأثر الساخن الذي يقود إلى بن لادن أصبح بارداً! وكانت الحملة الباكستانية الكبيرة الأخيرة قد سبقت موعد انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة بوقت قصير، ما ولد انطباعاً بأن مشرف يسعى إلى القيام بخدمة جلية لبوش.

عموماً هناك خلاف بشأن موقف مشرف، إذ يؤكد جنرالاته في كل مناسبة جدية الجهود التي يقوم بها وخصوصاً بعد تعرضه لمحاولة اغتيال يعتقد أن القبائل خططت لها. وهناك هدف آخر وراء تصميمه وهو الحصول على سمعة حسنة في المحافل الدولية وليرد على منتقديه في الغرب وخصوصاً الذين يتهمونه بالتساهل مع المتطرفين في باكستان، لكن هناك أيضاً من يقول إنه في حال وقوع بن لادن بقبضة الأميركيين بفضل مساعدة من باكستان سيزيد الضغط في الداخل على مشرف وتصبح حياته مهددة أكثر وأكثر. كما يشعر مشرف أن الوضع الحالي أفضل لأن الغرب يشعر بحاجة دائمة له طالما الحرب المناهضة للإرهاب مستمرة ونهايتها تعني عودته إلى عزلته السابقة.

آراء أخرى تشير إلى أن استمرار الحرب المناهضة للإرهاب تعطي الأميركيين فرصة لنشر قواتهم في مواقع استراتيجية وهذه فرصة لا تتوافر دائماً. مرة واحدة على الأقل ترك الأميركيون أسامة بن لادن وكان على وشك أن يقع في قبضتهم فأفلت، بينما لم ينتظروا طويلاً حتى ألقوا القبض على الرئيس العراقي صدام حسين من أول فرصة

العدد 841 - الجمعة 24 ديسمبر 2004م الموافق 12 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً