العدد 843 - الأحد 26 ديسمبر 2004م الموافق 14 ذي القعدة 1425هـ

الزعيم الذي أطلق القذيفة الأولى

كيسنجر والعلاج بالبصاق!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في العام الأول من سقوط الشاه محمد رضا بهلوي، وقبل اندلاع نيران الحرب العراقية الايرانية بأشهر قليلة، نشرت صحيفة خليجية خبراً رئيسياً يقول: «هنري كيسنجر معلّق في الجو لمدة 72 ساعة». وكانت تلمّح إلى التعتيم على زيارة غامضة قام بها كيسنجر لبلدٍ بالمنطقة، خلال زيارته للدول العربية، دون ان تكون على جدول الزيارة المعلن. وكانت كل التحليلات تشير إلى زيارة سرية قام بها للعراق لمدة ثلاثة أيام، وهو ما تأكد لاحقاً بعد انكشاف المخطط الاميركي لتوريط البلدين الجارين في الحرب القذرة التي أرادها الاميركان أن تكون حرباً منسية، قال عنها كيسنجر نفسه بعد سنوات: «انها الحرب التي لا نودّ أن تكون لها نهاية».

في اليوم الأول من هذه الحرب، شارك زعيمٌ عربيٌ صدام حسين في فخر «الجهاد»، بإطلاق أول قذيفة من فوهة مدفع باتجاه الأراضي الإيرانية، ولا ندري كم أزهقت من أرواح الناس، المسلمين حتماً، والبشر على كل حال... وعموماً عدد القتلى لا يهم في عرف هؤلاء الزعماء، فهم مرفوعٌ عنهم القلم، حتى يتوفاهم الله أو يرسل الله عليهم من يطاردهم حتى يخرجهم من حفرٍ تحت الأرض، والمهم حينها أن تمضي «الحرب المنسية» حسب المخطط المرسوم.

أما في العام الأول من سقوط الرئيس الحبيب صدام حسين، فقد زار أحد الزعماء العرب البيت الأبيض عدة مرات، فيما أرسل زعيمٌ عربيٌ آخر ثماني عشرة رسالة إلى جورج بوش، بمعدل رسالة ونصف رسالة، إذا أردنا أن نتكلم بلغة الإحصاء! كل ذلك تمهيداً وتحريضاً وتأجيجاً للأوضاع المستجدة. والآن نشهد بروز هذه الروح الطائفية المتشنجة في صورة نظريات تدور حول «الأهلة» و«الأقمار» على مستوى بعض كبار المسئولين العرب، لمحاربة العراقيين في خياراتهم المستقبلية. وهذه «النظريات» و«البدع»، يلتقط خيوطها البعض ليصلوا بها إلى آفاق نظريات «صوفية» وأخرى «صفوية» يغالبون بها أفلاطون في عز مجده وعطائه الفكري!

هذه السياسة و«الكتابة» العربية هي نفسها التي جعلت الكويتيين، الذين عرفوا بحسّهم العروبي القوي، يكادون يكفرون بكل شيء اسمه عربي... وجعل بعضهم يسمي أطفاله باسم «بوش» و«بربارة»، فهل ستتواصل هذه السياسة مع العراقيين حتى يكفروا بكل شيء عربي؟ ألم يحن الوقت لترك العراقيين ليتدبروا أمرهم دون وصاية ومزايدات من وراء الحدود. ألم نسمع سياسييهم وممثلي أحزابهم وقواهم الفاعلة وهم يرددون:

إذا كنت لا تسطيع دفع منيتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي؟

في حرب احتلال الكويت وتدمير قواته وتشريد شعبه حتى بات الكويتيون لاجئين في مختلف الأصقاع، وقف ذلك الزعيم العربي نفسه مع صدام في «جهاده» ضد الكويت، ولا ندري هل أطلق قذيفة مدفعية باتجاه الكويت في اليوم الأول للغزو أم لا، ولكن حاكماً عربياً شهماً آخر، شارك صدام الفخار والمجد هذه المرة، فزاره وتبادل معه القبلات والأنخاب ليلة وقوع جريمة الاحتلال وشطب الكويت من على الخريطة، وتناول معه غداءه على أشلاء ستمئة كويتي، طمعاً فيما سيحصل عليه من الكعكة الكويتية اللذيذة المسروقة. سياسة أقرب إلى طريقة عصابات المافيا، هكذا سارت السياسة العربية في تلك الحقبة السوداء. فهل يلام الكويتيون عندما يتشددون في شروطهم لتجاوز الماضي مع من تواطأوا ضد بلدهم ووجودهم وشعبهم؟ ثم يأتي من يأتي ليطالب بضمّ تلك الدول إلى مجلس التعاون، وكأن جروح الشعوب يمكن معالجتها بالبصاق!

لا تنسوا انه في كلتا الحربين القذرتين اللتين تفتقت عنهما عبقرية صدام، كان هناك متطوعون يبررون سياساته و«يفلسفونها»، من الكتاب «البراملة» والفلاسفة الفارغين! وكانت بعض الشعوب العربية المحبطة، وخصوصاً التي تعيش على أطراف الوطن العربي، والتي كانت تعاني من متاعب اقتصادية جمة وقمعاً سياسياً في الداخل، ترقص فرحاً للأخبار التي تبثها إذاعة بغداد من «انتصارات» ووعودٍ بتوزيع عادل للثروة النفطية العربية التي يسرقها أعداء الأمة وحلفاء الامبريالية وغيرها من الشعارات التي تطرب الشارع العربي المقموع. وطوال عقدين من الزمان كان لهذه السياسة «كتاب» رسميون يتحدثون دفاعاً عنها، دون اعتبار لضمير أو دين أو مبادئ انسانية. ومايزال بقايا هؤلاء ينافحون عن انجازات صدام، ومازالت إحدى الصحف تقول ان صدام ربح حرب الخليج الأولى (مع ايران) والثانية (مع الكويت)، وانه كاد يحقّق النصر في الحرب الثالثة (مع الولايات المتحدة)، لولا بعض الضباط الخونة الذين ألقوا السلاح وهربوا إلى منازلهم مثل الدجاج...!

كفى

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 843 - الأحد 26 ديسمبر 2004م الموافق 14 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً