العدد 2387 - الخميس 19 مارس 2009م الموافق 22 ربيع الاول 1430هـ

فرصة هشة في قضية الشرق الأوسط

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

هناك أسباب عديدة تدعو المرء لأن يشعر بتشاؤم أكثر من شعوره بالتفاؤل حيال إمكانية أية اختراقات رئيسية في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هذه السنة. وقد جعل شلل المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، في القيام بأي عمل خلال السنوات القليلة الماضية، الوضع أكثر تعقيدا، مع تزايد للعنف وتصلب في الرأي العام على الجانبين.

ففي أعقاب حرب غزة، ارتفعت شعبية حماس في داخل فلسطين وفي العالم العربي/ المسلم الأوسع، إضافة إلى نمو دعم الفلسطينيين للمقاومة العسكرية. كما تحركت «إسرائيل» سياسيا إلى اليمين مع قبول أوسع لنظرية «الطابور الخامس»، التي تعتبر المواطنين الفلسطينيين في «إسرائيل» تهديدا أمنيا.

ويحمل أي حديث عن العملية السلمية في طياته معانٍ ضمنية سلبية لكلا الجانبين. فهو بالنسبة للعديد من الإسرائيليين يزيد المخاوف من أنه سيتم استخدام الأراضي التي يتم إعادتها إلى الفلسطينيين في نهاية الأمر كقواعد لإطلاق الصواريخ في المستقبل، كما حصل في غزة.

وبالمثل فإن استمرار عملية السلام تعني بالنسبة للعديد من الفلسطينيين مفاوضات لا نهاية لها لا تأتي بأية نتيجة، بينما تستمر “إسرائيل” بضم المزيد من الأراضي الفلسطينية بهدف بناء المستوطنات أو توسيعها.

وتضيف الاعتبارات السياسية الداخلية المزيد من المشكلات إلى هذا الخليط. يختلف موقف حماس السياسي كثيرا عن موقف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية الذي يعتنق حل الدولتين مع انسحاب إسرائيلي إلى حدود العام 1967. بدلا من ذلك اقترحت حماس هدنة طويلة الأمد مع «إسرائيل» دون اعتراف رسمي. وفي «إسرائيل»، يرفض الموقف السياسي لحزب الليكود ورئيس وزرائه المنتخب بنيامين نتنياهو، بعكس كاديما وحزب العمل، مفهوم «الأرض مقابل السلام» وإنشاء دولة فلسطينية قادرة على البقاء على حدود العام 1967.

يقوم نتنياهو بدلا من ذلك بالترويج لخطة سلام اقتصادية مبهمة. لذا فمن المحتمل أن يكون أي تحالف أو حكومة وحدة وطنية على الجانبين غير مستقر نتيجة لخلافات سياسية خطيرة بين الأحزاب المعنية. ويحّد هذا من احتمالات أن يتمكن أي من الطرفين من العمل على تحقيق الشروط التي اقترحت مسبقا للوصول إلى اتفاقيات لحل النزاع.

لا يوجد قادة تاريخيون أو يتمتعون بشعبية واسعة على أي من الجانبين لتحقيق اتفاقية كهذه. كما لا يملك الزعماء المعتدلون ما يكفي من السلطة لبناء الإجماع الضروري لتقديم التنازلات الضرورية.

يستطيع «المتطرفون» على الجانبين أن يستمروا في تدمير أي اتفاق محتمل وأن يعززوا مبررات الوضع الراهن. ويعتقد العديد من المراقبين أن الوقت آخذ بالنفاذ بالنسبة لحل الدولتين، مع انعدام وجود أي بديل مقبول أو عملي.

لقد أصبح من الواضح أنه ليس باستطاعة الفلسطينيين أو الإسرائيليين تحقيق أي تقدم يذكر حول القضايا الجوهرية في غياب تدخل مثابر من قبل أطراف ثالثة، وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا واللاعبين الإقليميين الرئيسيين. وكما شهدنا في الفترة السابقة، وفي غياب وسيط فاعل، جرت تجربة توجهات وتكتيكات مختلفة من قبل الطرفين، فشلت جميعها وبنتائج كارثية. فقد أدت إلى التصرف من طرف واحد واللجوء إلى القوة الوحشية، وحكمة أمنية ترتكز على قوة الردع شجعت العقاب الجماعي والتفجيرات الانتحارية وإطلاق متزايد للصواريخ.

لم تعد الترتيبات المؤقتة كافية، إذ إنها استخدمت فقط لتحويل الانتباه بعيدا عن التعامل مع القضايا الجوهرية والإبقاء على الوضع الراهن وإدارة النزاع بدلا من حلّه.

ورغم الواقع السائد على الأرض والذي أدى إلى هذا التشاؤم، مازالت هناك نافذة صغيرة، رغم كونها هشّة، من الفرص.

تشير نية إدارة الرئيس أوباما المعلنة لتغيير السياسات الأميركية في المنطقة ووضع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على رأس أجندتها، إلى أن وساطة أكثر تصميما سوف تجري متابعتها. وقد يشير تجنيد جورج ميتشل، المعروف بمهاراته وموهبته في ممارسة حل النزاعات بأسلوب محترف، إلى دور أميركي أكثر حيادا وصدقا.

هناك أدوات قائمة يستطيع ميتشل استخدامها والبناء عليها. فالفجوة الشعبية بين حماس وفتح ضيقة تتأرجح مع الأحداث على الأرض. ما زال بإمكان السلطة الوطنية الفلسطينية أن تكون شريكا له دوره في السلام بوجود حكومة تكنوقراطية فاعلة ودعم إقليمي ودولي ومؤسسة أمنية تم إصلاحها. وما زالت مبادرة السلام العربية على الطاولة ويمكن استخدامها للتعويض عن الضعف الحالي للنظام السياسي الفلسطيني، ويمكنها أن تفتح الباب لترتيبات أمنية إقليمية.

وقد اقترحت مصادر على الجانبين أن أولمرت وأبو مازن قد حققا اختراقات في مفاوضات أنابوليس، وأن أُطر الرئيس السابق كلينتون ما زالت سارية المفعول. كذلك يمكن تغيير الشعور العام على كلا الجانبين، ويمكن لانتخابات جديدة أن تأتي بواقع سياسي جديد. وقد أظهرت حماس مؤخرا مؤشرات من البراغماتية، وما زال باستطاعة السعودية ومصر وتركيا التأثير على قرارات حماس. ويعتقد الكثيرون أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية سوف تكون أقل مقاومة للضغوطات الأميركية.

ويبدو أن إدارة الرئيس أوباما تؤمن كذلك أن قضايا المنطقة متشابكة، وقد بدأت بتبني توجه شمولي متعدد الوجوه. ويجب ألا ننسى أن «إسرائيل» وسورية وصلتا نقطة تفاوض مباشرة قبل حرب غزة، وأن نتنياهو وصل في السابق إلى اتفاقية مع سورية. من المحتمل كذلك أن تبقى الجبهة الإسرائيلية السورية هادئة على المدى القصير. ويملك كل من الموقفين مضامين التقدم على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية.

قد يعمل تركيز أوباما على التعاون الدولي واحترام القانون الدولي وقوانين الإنسانية والحوار والدبلوماسية والتشاور مع أصدقاء أميركا والإصغاء لصوت القوميين التقدميين في الجالية اليهودية الأميركية، على إيجاد بيئة مواتية لتحقيق نتائج مستدامة. ولا يوجد ما هو أهم، لتحقيق أي تقدم، من أن يشعر الشعبان على طرفي النزاع بالأمن والكرامة والأمل.

سوف يكون ثمن تفويت هذه الفرصة الحساسة مأساويا على الاستقرار في المنطقة، وعلى المصالح الأميركية وأمن «إسرائيل» والتطلعات الفلسطينية وإنهاء إرهاب الدولة والإرهاب الفردي وتوجه أوباما البراغماتي.

*خبير في حل النزاعات والإعلام والمجتمع المدني مركزه عمّان، الأردن، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2387 - الخميس 19 مارس 2009م الموافق 22 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً