مثلي مثل كل الناس في محيطي المهجري هنا في أوسلو البعيدة عن ناسي وخلاني وبيتي الأول، أجهز نفسي للعيد والعطلة ولما بين مناسبة ولادة السيد المسيح (عليه السلام) ورأس السنة الميلادية الجديدة. ففي مثل هذا الحال يشتري المرء شجرة مع زينتها وأنوارها وألوانها، ويضعها في مكان مناسب داخل المنزل، فيتراكض الأطفال لمعرفة سر هذه الشجرة ومن أين جاءت ولماذا تزين وتصبح مثل عروسة من الفلاحين على هودج عرسها بين الناصرة والرينة وكفر كنا وعلى حشائش الجليل الذي سلب منا. ونقول لهم إن الشجرة فلسطينية والمسيح فلسطيني والبقية معروفة...
أنشغلُ كغيري بالمناسبة ولكني لا أنسى أبداً أن لي أهلاً وشعباً وأمة وديناً يحارب من قبل أعداء الشرق كل ساعة وكل هنيئة وكل لحظة وبلا توقف، ويحاول الذين يحاربون ديني ودنياي تصويرنا بأننا إرهابيون منذ الولادة، وهذا ما قام به عتاة العداء للإسلام والمسلمين وللعرب وللفلسطينيين في الغرب والشرق وكذلك في الشمال والجنوب.
كما أنني وأنا منهمك في هذا وذاك أتذكر أطفال فلسطين والعراق وكيف يقوم الجنود الذين يحتلون بلادنا هنا وهناك بقتلهم أو إطلاق النار والقنابل عليهم في المناسبات ومن دون تلك المناسبات، وفي أضعف الايمان يقوم الجندي الغربي وبالذات الأميركي الذي يحتل جزءاً من بلادي بإذلال الناس هناك، متسلحاً بعصابة من الموالين له الذين صاروا بفضله حكاماً للبلاد تستقبلهم القصور والموائد ويرحب بهم كل خائف وعاجز ومعوق من حكام بلادنا. ومثله وأحياناً بشكل أكثر بشاعة يمارس الجنود الصهاينة هواياتهم الدموية في فلسطين المحتلة.
عندما أهم بتحضير الطعام لأطفالي الذين ولدوا وتربوا وعاشوا في هذه البلاد بعيداً عن يوميات أطفال بلادنا تحت الاحتلال أو في المخيمات الفلسطينية الموزعة على بلادنا العربية. أتذكر أطفال بلادي والعائلات التي تعيش بلا مأوى وأتألم لأنني وحدي لست قادراً على إعانتهم ولا تقديم مساعدة تحل مشكلاتهم، فالمشكلة أكبر مني ومنهم ومن جالية فلسطينية في النرويج، نحاول جاهدين أن نضعها على السكة الصحيحة علّ قطارها يسير بالاتجاه الصحيح. وأعرف أن مهمتنا صعبة وشاقة وأن التجاوب بطيء وأن الصبر مفتاح الفرج وأنه لابد لأبناء الجالية من صحوة تعيدهم كما كانوا أبناء أوفياء يثقون بالجديد ويتغاضون عن القديم.
في يوم العيد المجيد نجد أنفسنا أمام أطفالنا المشردين في الوطن وخارجه، نجد انه لابد من مساعدتهم، فكيف نستطيع النظر في المرايا إذا كنا لا نستطيع سد رمق طفل جائع في مخيمات غزة، لبنان والضفة؟ وكيف نستطيع تناول الطعام والحلوى وهناك في مخيم خان يونس ومخيم يبنا من لا يجد ما يأكله كل صباح؟
في هذا اليوم ومثل كل مرة وكل سنة وكل عيد ميلاد قرأت وشاهدت في الأخبار ملكة هذه البلاد (الملكة سونيا) التي منحتنا مملكتها جنسيتها وثقتها، تقوم بتناول غداء العيد مع المدمنين على المخدرات في العاصمة (أوسلو). وقرأت أن القاعة كانت مليئة بالضيوف من سكان الرصيف في العاصمة، فلم يكن هناك أي مقعد فارغ في المكان، وحضر الغداء 200 من المدمنين على السموم، تناولوا غداءهم مع ملكة البلاد وتحدثوا معها عن همومهم ومشكلاتهم وقالوا ما يريدون بلا خوف أو حساب.
هذا الذي يحدث في النرويج لا يمكن أن يحدث في بلادنا العربية مادامت الفوارق قائمة بين الناس والحكام وبين الحكومات والقوانين، فالحكومة والحكام في بلادنا فوق القانون، لا بل هم القانون وهم أعلى منه بكثير. كأنه لم يكن لدينا في الزمن الغابر حكام لم تلد مثلهم أي أم في الدنيا ولم تحض بهم أية أمة في الخليقة، كان لنا الفاروق عمر وحفيده عمر العادل وكان لنا العشرات من الحكام الصالحين الذين لم يناموا من دون الاطمئنان على الرعية وراحة الشعب وسد رمق كل محتاج وفقير في الخلافة بغض النظر عن دينه.
يوم الميلاد المجيد يجب أن يكون يوماً للمجد العربي المفقود، للأمة التي يريدونها طيعة ولينة وفي قبضتهم. لكن هذه الأمة لا تقبل أن تكون غير ما جاءت لأجله، أمة ذات كرامة وشرف وأصالة وانتماء ودين ودنيا وسلام ومحبة وعلم ونور... ونحن أبناء الأرض الفلسطينية الطيبة التي أنجبت يسوع لن نرضى بالعوز ولن نقبل بالجوع ولن نبقى مشتتين ولاجئين ولن ندير للذين سلبونا الأرض والبيت والحقل والمسجد والكنيسة أي خد بل سنواجههم ونقاومهم بالحرب والسلام حتى نعيد إلى البيت سلامه وأمانه ونعيد الأهل إلى الديار...
عيد ميلاد مجيد لفلسطين ولكل العالم الذي يؤمن بأن يسوع كان أول ضحايا شعب فلسطين.
نضال حمد
العدد 847 - الخميس 30 ديسمبر 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1425هـ