العدد 2818 - الإثنين 24 مايو 2010م الموافق 10 جمادى الآخرة 1431هـ

أميركا وحرب الأشباح!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

كنا نقرأ ونحن صغار أن أميركا لا يمكن أن تعيش ما لم يكن لها أعداء، فإن لم يكن لها عدو فإنها ستعمل على إيجاد هذا العدو بكل السبل لكي تستمر في حياتها التي رسمتها لنفسها.

الشيوعيون كانوا هم الأعداء، ثم زال هذا العدو، فالتفتوا هنا وهناك فلم يجدوا غير الإسلام والمسلمين فاتخذوهم أعداءً ومازالوا.

وبغض النظر عن صحة تلك النظرية من عدمها فإن المتأمل لمواقف أميركا من المسلمين وقضاياهم ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر يلمس بوضوح مواقف أميركا المعادية لقضايا المسلمين وتحت ذرائع شتى!

الإرهاب هي الصفة التي يطلقها الساسة الأميركان على كل فرد أو مؤسسة أو جماعة ممن لا يقفون معهم تطبيقاً لمقولة «بوش» الشهيرة: من لا يقف معنا فهو ضدنا، مع أن معظم من أطلقت عليهم أميركا هذه الصفة هم من أشدّ محاربي الإرهاب الحقيقي.

لماذا أكتب هذا المقال وما الهدف منه؟! أقول: أكتبه لأنني أحب الشعب الأميركي، وقد عرفت بعضهم عن قرب، عرفت طيبتهم وميلهم إلى الحق إذا عرفوه؛ هم شيء وساستهم شيء مختلف عنهم... وأقول: لعلّ عقلاء ساستهم يدركون أن ما يقومون به حالياً وما قاموا به سابقاً هو الذي يوجد الإرهاب ويقويه ويعطيه صفة الاستمرار. وإذا كان هؤلاء الساسة يعتقدون أنهم يحاربون الإرهاب، وأنهم قادرون على القضاء عليه فإني أعتقد أنهم يحاربون الأشباح وهم ليسوا قادرين على الانتصار عليها مهما فعلوا!

مشكلة الأميركان أنهم لم يفهموا العقلية المسلمة، ولا العربية، وهذا مكمن الداء في عقليتهم ثم تصرفاتهم.

دعوني أضرب بعض الأمثلة لعل بعض عقلائهم يقرأوها ليعرفوا كيف أنهم هم من يصنع الأعداء للأميركان؛ هؤلاء الأعداء الذين يصبحون إرهابيين فيما بعد في نظر من عمل كل شيء من أجل صنعهم!

الطالب الكوري الأصل الأميركي الجنسية عندما قتل 32 من زملائه في جامعة فيرجينيا لم يوصف بالإرهاب، ولم يتحدث أحد عن دينه بالسخرية والازدراء.

والأميركي «ديفيد كورش» هو الآخر قتل العشرات في تكساس، وأيضاً لم يقل عنه إعلامهم أو الموظفون الرسميون بأنه إرهابي، ولم يتحدث أي منهم عن الديانة المسيحية بسوء!

واليهودي «جولدشتان» قتل العشرات في المسجد الإبراهيمي وهم يصلون، ومع بشاعة جريمته لم يصفه الأميركان بالإرهاب ولم ينتقصوا من ديانته!

على الجانب الآخر نجد أن الساسة الأميركان يصفون الفلسطيني الذي يدافع عن وطنه، وعن نفسه بالإرهابي، أما الإرهابي الصهيوني بكل أبعاده وفظاعته فهو إرهاب يحظى بالدعم الأميركي الكامل.

الصواريخ الفلسطينية التي لا قيمة لها تمثل الإرهاب ويجب أن تتوقف فوراً! اتهام سورية بتسريب صواريخ سكود لحزب الله كان همّاً أميركياً صحبه تنديد بسورية ومواقفها الداعمة للإرهاب! أما ملايين الدولارات التي تدفعها أميركا لحماية إسرائيل وبناء القبب الحديدية لحمايتها فهذا لا شيء فيه! بل ومن حق إسرائيل أن تقذف كل أنواع القنابل المحرمة على غزة لأن هذا دفاع عن النفس، وإذا لزم الأمر فإن الدعم الأميركي لن يتأخر!

أميركا - كما قلت - ماهرة في صنع الأعداء، ثم تبدأ في الشكوى منهم ومحاربتهم! احتلت أفغانستان بدعوى القضاء على «طالبان»، فكانت النتيجة أن «طالبان» لم تعد واحدة؛ فهناك أخرى في باكستان، وأتوقع إذا استمرت أميركا في سياستها السيئة في باكستان، حيث تقتل المئات ظلماً، أن «طالبان» أخرى سوف تنشأ لتنضم إلى سابقاتها.

أميركا تتوهم إذا ظنت أنها قد تنتصر في أفغانستان... إن قتل مئات الأبرياء شبه اليومي سيجعل معظم الأفغان حركات مقاومة شرسة ضدهم سواءً انضموا إلى «طالبان» أم لم يفعلوا! الأفغان لا يقبلون بتلك الإهانات.

الأميركان يتوهمون إذا ظنوا أن من يصفونهم بالإرهاب سيتناقصون! وقوفهم مع احتلال فلسطين، ومحاولات هدم الأقصى، وحصار غزة، سيجعل أعداداً هائلة من المسلمين يحقدون عليهم.

عجيب أمر الأميركان وهم يبذلون كل شيء من أجل سلاح إيران النووي الذي مازال في مهده... تهديد بالسلاح إذا لزم الأمر... وبالحصار الاقتصادي وسواه... يفعلون كل ذلك ويصمتون عن السلاح النووي الناضج في إسرائيل...

عجيب أمرهم وهم يصفون بالإرهاب كل منظمة إسلامية تقف مع الفلسطينيين لتعطيهم الغذاء والدواء ولا شيء آخر... يفعلون كل ذلك وهم يدفعون مئات الملايين للسلاح الإسرائيلي الذي يقتل الفلسطينيين الأبرياء!

ومع كل ذلك - وسواه - يعتقدون أنهم سيقضون على الإرهاب! الإرهابيون - اليوم - ليسوا طالبان أو حزب الله أو حماس... اليوم ظهر آحرون ومن نوعيات أخرى نحن نستغرب وجودها؛ شباب مترف، متعلم أمامه مستقبل جيد، ومع ذلك لم يحتمل كل ما يراه فأصبح إرهابياً! من دفعه لذلك؟! لو كان الأميركان يعرفون حجم ما يفعلونه في هذه الأمة لعرفوا الإجابة!

الأميركان ليسوا أمام عدو واضح المعالم... إن الأعداء يظهرون فجأة من هذا الجانب أو ذاك... لا أحد يعرف متى يظهرون ولا أين.

من المستحيل أن ينتصر الأميركان على هؤلاء! إنهم أشباح يظهرون فجأة ويختفون فجأة.

العرب والمسلمون ليسوا بحاجة إلى كلمات السيد «رشاد حسين»، إنهم بحاجة إلى أفعال يرونها في واقع حياتهم... ويوم أن يقتنع الأميركان بذلك يومها ستختفي معظم الأشباح بدون حرب أو إراقة دماء... وأيضاً دون رشاد حسين.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2818 - الإثنين 24 مايو 2010م الموافق 10 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً