العدد 2388 - الجمعة 20 مارس 2009م الموافق 23 ربيع الاول 1430هـ

الأزمة المالية تشجع التميز الأوروبي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جدول اجتماعات ساخن بانتظار قمة العشرين التي ستجتمع في الثاني من أبريل/نيسان 2009، فبينما تحاول واشنطن أن تجر الاجتماع لصالحها فتنصب نقاشاته على بذل جهود عالمية لإنعاش الاقتصاد العالمي، وانتشاله من أزمته، تحاول دول الاتحاد الأوروبي أن يكون محور النقاش أكثر شمولية من ذلك، وأن يجري التركيز على إصلاح النظام العالمي.

ورغم أن المدخلين سيساهمان في وضع حد للتدهور الاقتصادي الذي لايزال يجر الاقتصاد العالمي بسرعة أشد نحو الهاوية، لكن الأول، وهو المدخل الأميركي، يحاول تجيير ذلك لإنعاش الاقتصاد الأميركي، وضمان استمرار هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي، الذي لايزال يحتفظ بحصة تصل إلى حوال 25 في المئة من ذلك الاقتصاد، في حين يحاول المدخل الأوروبي أن يكون الحل جذريا كي يعاد توزيع الحصص الاقتصادية ومن ورائها السياسية، وفقا للتطورات التي عرفتها الاقتصادات الإقليمية والمحلية خلال السنوات العشرين الماضية، بما فيها الاقتصاد الأوروبي، دون إغفال أو القفز على الاقتصادات الناشئة من نمط الاقتصاد الهندي أو الصيني أو البرازيلي.

وكما يبدو، فإن الجانب الأوروبي يحاول أن يستبق الأحداث، فقد جاء على لسان رئيس المفوضية خوزيه مانويل باروسو أن «دول الاتحاد الأوربي قد تضاعف مبلغ الـ 25 مليار يورو المخصصة لمساعدة الدول الأعضاء التي تحتاج لدعم طارئ لمو

لموازناتها»، بعد أن رفض القادة الأوروبيون «دعوات صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة إلى إنفاق أموال إضافية من أجل إنعاش الاقتصاد العالمي واكتفوا بالموافقة على تمويل مشاريع محدودة جدا في قطاع الطاقة».

هذه النزعة الأوروبية المتجهة نحو التميز عن السياسة الأميركية، لها ما يفسرها بل وما يبررها، فالاتحاد الأوروبي اليوم، وبعد انضمام العديد من دول أوروبا الشرقية إلى صفوفه، وبعد قبول دخول دول ذات موقع إستراتيجي عالمي مثل تركيا إلى عضويته، أصبح أهم وأكبر منبر سياسي واقتصادي يمكن أن يساهم في صياغة العلاقات الدولية، هذا إذا أضفنا إلى ذلك العلاقات الدولية التي ورثتها بعض دول الاتحاد من أمثال فرنسا وألمانيا، بل وحتى بريطانيا، من خلال علاقاتها مع دول العالم الثالث خلال المرحلة الاستعمارية، والتي أبقت على قنوات علاقات متينة يمكن تسخيرها إيجابيا، وفق مقاييس وآليات جديدة تعزز من مكانة الاتحاد الدولية ومواقعه العالمية في محيط العلاقات الكونية، اقتصادية، كانت أم سياسية. ويرتكز الاتحاد الأوروبي، إلى جانب كل ذلك، على النجاح الواسع النطاق الذي تحقق بفضل التحول الذي طرأ على الاقتصاد الأوروبي – بشكل عام – خلال عملية الانتقال السريع، وعلى نحو جمتعي متكامل خلال الخمسين سنة الماضية، من اقتصاد زراعي تابع للولايات المتحدة، إلى صناعي رائد عملاق يمتلك عملته الخاصة وسوقه المتفردة المتماسكة. هذا التميز الأوروبي، فقد نسبة عالية من استقلاليته وتميزه إثر انتهاء الحرب الكونية الثانية، وارتفعت تلك النسبة، مع سخونة الصراعات التي ولدتها الحرب الباردة، وحرص واشنطن على استخدام المنصة الأوروبية في صراعاتها مع الكتلة السوفياتية.

التبعية الأوروبية، وخاصة الغربية إبان الحرب الباردة، لواشنطن، بلغت ذروتها خلال الحقبة «البوشية» عندما أرغم جورج بوش، وخاصة منذ العام 2001، العديد من الدول الأوروبية، على القبول بسياسة التوسع العسكرية الهادفة أساسا إلى تعزيز الهيمنة الأميركية من خلال اللجوء إلى الحلول العسكرية التي بلغت ذروتها في أفغانستان والعراق، وكادت أن تمتد كي تشمل غزو إيران، شجعت العواصم الأوروبية، على رفض الاستمرار في الانصياع لتلك السياسة أو السير في دبرها، الأمر الذي تطور رويدا رويدا كي يأخذ شكل المعارضة الخجولة، في بداية الأمر، كي ينتقل إلى الرفض العلني الصريح الذي نتوقع أن تصطدم به واشنطن في لقاء أبريل المقبل.

مقابل ذلك لن تستطيع واشنطن، حتى وهي تحت قيادة مختلفة بعد مجيء براك أوباما إلى السلطة أن تثني أوروبا عن المضي في طريق التميز عنها. فواشنطن اليوم، التي وصل الأمور فيها أن نجد منظمات غير حكومية تشن حملة واسعة كما نقل موقع وكالة الأنباء العالمية (IPS) «في مختلف الولايات لمساعدة المواطنين علي إيجاد مأوى جراء أزمة القروض العقارية المتعاظمة حيث قدمت المنظمة الناشطة (تيك باك ذي لاند) في ميامي، فلوريدا، مساعداتها لعائلات أميركية على الانتقال إلى مساكن شاغرة، وامتنعت السلطات المحلية في ميامي عن التدخل». وأن تزداد الأوضاع سوءا لدرجة أن نجد نائبة الكونغرس الديمقراطية مارسي كابتور، عن ولاية أوهايو، تنصح «ناخبيها بالبقاء في بيوتهم حتى ولو تسلموا أوامر الحجز» خشية أن تؤدي مغادرتهم لها احتلالها من الغير.

حالة الفوضى هذه التي تشبه إلى حد كبير ما نشاهده في بعض الدول الإفريقية الفقيرة- وليس الولايات المتحدة- التي تجتاحها حالات نهب واحتلال لمنازل الغير في أعقاب الحروب الأهلية وما تخلفه وراءها من حالات فوضى تنشر خلالها عصابات النهب والسلب، لتكشف فيما تكشف عن بوادر انهيار في موقع الريادة الذي احتلته واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية، وتنبئ عن تحولات في سلم المراكز التي يحتلها كل بلد وفقا لما يتمتع به اقتصاده من قوة وعلاقاته الدولية من متانة.

ربما تكون قمة العشرين المقبلة مناسبة تفصح فيها أوروبا عن تميزها عن واشنطن، منهية بذلك تبعية أنهكت أوروبا لما يزيد عن نصف قرن. ومن غير المستبعد أن تشجع هذه الخطوة الأوروبية دولا أو كتلا سياسية أخرى على الانعتاق من ربقة القيود الأميريكية، هذا إذا توفرت لدى قيادتها السياسية الجرأة والرغبة في القيام بذلك.

ولعل من إيجابيات الأزمة المالية العالمية أنها ساهمت في الإسراع بهز صورة أميركا في عيون العالم، وربما تأتي الخطوة الأولى من القارة الأوروبية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2388 - الجمعة 20 مارس 2009م الموافق 23 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً